رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنمُّر والإرهاب الفكرى مع بنات مصر

ليس مقبولًا ولا مسموحًا أن تتطاول على الشعب المصرى مجموعة من أتباع التيار الظلامى، لتقوم بممارسات التطرف والتنمر والعنف والترويع مع بناتنا، وفرض أزياء مُعينة عليهن مثل: الحجاب أو النقاب.

يحدث هذا فى بلدنا الآن، مما يحتاج وقفة من الدولة للتصدى لهذا التدخل المقيت والمتحرر لتغيير شكل الزِّى المصرى، وتغيير مظهر البنت المصرية، فالمجتمع المصرى أثبت للعالم كله أنه يتطلع إلى بناء دولة حديثة، ويتولى رئاستها رئيس شجاع ومستنير، يرفض التعدى بالقول أو بالفعل على بنات وسيدات مصر، ويطالب باحترامهن.

نحن أيضًا شعب رفض التطرف وأزاح الظلاميين إلى غير رجعة، وإلى الأبد فى ثورة شعبية هادرة فى ٣٠يونيو ٢٠١٣، وأثبت بإرادته الحرة، وبخروجه للثورة على الظلام أنه وسطى معتدل، لديه قيم السماحة والشهامة والأخوة والوسطية فى الدين، وشاركت فى ثورته على الظلاميين المرأة إلى جانب الرجل.

إننا شعب اختار صون عرض وشرف المرأة المصرية، ووضع دستورًا فى ٢٠١٤ لتنظيم الحياة والعلاقات والحقوق بين أفراده، كما وضع موادَّ لتحقيق المساواة والعدالة بين المرأة والرجل.

كما وضع موادَّ تنظم التزامات الدولة وحقوق المواطنين، وهكذا تم وضع خارطة طريق لمصر تتطلع إلى حياة أفضل، وكنت وما زلت حريصة على تحسين أحوال المرأة والمجتمع، وكنت وما زلت أنادى بكل حقوقها والدفاع عن كيانها، كما طالبت بتوفير الحماية لها من جانب الدولة فى عدة مقالات كتبتها ضد التحرش أو سلب حريتها أو إهانتها أو اعتبارها مواطنًا من الدرجة الثانية أو القيام بأى ممارسات ضارة بها مثل الختان والعنف والانتقاص من حقوقها، وما زلت على نفس طريقى فى الدفاع عن حقوق نساء وبنات مصر، خاصة فيما يتعلق بحمايتهن فى الشارع.

وما زلت أطالب بسن تشريعات جديدة وتعديل تشريعات حالية لمواجهة أى ممارسات عنيفة أو جرائم قد تقترف ضدهن، وذلك بدلًا من القوانين القديمة التى كثير منها فى حاجة إلى تغيير، مع ظهور ممارسات أو قضايا مستجدة أو حالات قد تطرأ على الساحة المصرية، وفى حاجة إلى مواجهتها والتصدى لها.

نحن أيضًا شعب حطم قيود الظلام التى كانت تجثم على الأنفاس تحت ستار الدين، ورفض دعاة التطرف والإرهاب والتشدد إلى غير رجعة، لأننا شعب عريق لديه تاريخ عريق سبق كل الحضارات، واختار النور والحرية دائمًا وأبدًا، ولدينا فى الدستور المصرى لسنة ٢٠١٤ مادة تلزم الدولة بحماية البنات والسيدات من العنف، مما يستدعى اتخاذ كل الإجراءات والضوابط لحماية البنات فى الشوارع والمدارس والجامعات والبيوت وفى أى مكان من بلدنا، لذلك فإننى أطالب المسئولين والحكومة بالبدء فى اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية البنات، ووقف ممارسات الإرهاب الفكرى الذى يمارس ضدهن فى عدة مواقع من بلدنا.

إن قضية حماية البنات هى قضية أمن قومى، ولا أكون مُغالية إذا ما قلت إنها قضية عاجلة فى ظل حرص الدولة على توفير الأمان للمواطنين، أقول هذا بعد واقعة غريبة حدثت فى جامعة طنطا، حيث بدأت بوادر ظهور جماعات جديدة تشبه جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى صدر قرار بإيقافها فى المملكة السعودية مع حركة الإصلاح الشاملة للمجتمع السعودى والتقدم التى يقودها معالى ولى العهد بالمملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.

وإننى هنا أتوقف لأنبه السلطات المصرية إلى بداية ظهور جماعات متشددة، بدأت تلقى بشباكها على المجتمع المصرى، وعلى الفتيات المصريات بشكل خاص بهدف تغيير الهُوية المصرية، وهو هدف قد حذرت منه قبل هذا فى مقالاتى، حيث تغيرت تكتيكات الجماعات المتطرفة من الظلاميين، ولكن لم تتغير استراتيجيتها وأهدافها فى طمس الهوية المصرية.

ومن خلال دعاة وتجار الدين تُجرى حاليًا محاولات السيطرة على العقول وعلى الملابس والقيم المصرية، وحذرت من قبل أيضًا أنه يتم تنظيم دروس دين فى داخل البيوت، لبث الأفكار المتطرفة وبين أفراد الأسر المصرية ونشر أفكار التطرف والتشدد والعنف، وتكفير الآخرين من خلال استخدام وسائل جديدة.

وتسعى هذه الجماعات للتنمر بالبنات والسيدات، والسيطرة على المظهر العام لهن وتغيير قيم الحرية والتنوير والتقاليد المصرية والوسطية إلى أفكار تعود بهن إلى عصر الجاهلية، وتحاول وقف كل تقدم تحرزه الدولة أو المجتمع المدنى أو المثقفون فى اتجاه حركة التنوير والتقدم.

لهذا، فإنه مطلوب الآن تدخل الدولة والتحقيق فى واقعة مؤسفة حدثت فى جامعة طنطا مؤخرًا مع إحدى الطالبات المحترمات، واسمها «حبيبة»، حيث كانت ترتدى فستانًا مصريًا محترمًا ومحتشمًا يصل إلى ما تحت الركبة، وبكُم طويل ودون أى ماكياج على وجهها، فقام أحد المدرسين بالتنمر عليها وسألها سؤالًا مستفزًا باطنه الفتنة إذ سألها إن كانت مسلمة أم مسيحية؟، وذلك لأنها ليست محجبة، كما قامت مدرسة منتقبة بالتنمر عليها وتهديدها، لأنها لا ترتدى الحجاب، ولأنها ليست محجبة، ولأنها ترتدى فستانًا مصريًا عاديًا ومحتشمًا.

وفى القاهرة فى سوبر ماركت شهير روت لى سيدة معروفة ومحترمة من سيدات العمل الاجتماعى أنها كانت تقف فى طابور دفع المشتريات، وأمامها فتاتان مصريتان ترتديان بنطالًا وبلوزة، فإذ بسيدة ترتدى الخمار تستوقف الفتاتين لتنهرهما أمام الزبائن لأنهما لا ترتديان الحجاب.. فردت إحدى الفتاتين بأنهما لا يعرفانها ولا يعرفان لماذا تنهرهما بهذا الشكل الهجومى، وإذ بصديقتى توقفها لتقول لها إنه ليس من حقها ممارسة هذا العنف الواضح والتنمر على البنتين المحترمتين اللتين ترتديان ملابس عادية ومحترمة، ثم خرجت صديقتى من السوبر ماركت بعد أن روت لى هذه الواقعة المؤسفة التى تؤكد أن هناك خطوات تتبع لتنفيذ خطة جديدة لنشر الحجاب والخمار بين البنات مرة أخرى، من خلال الإرهاب الفكرى وترويع البنات فى الشارع وفى الجامعات والمدارس.

إلى هنا ولم تنتهِ الواقعة التى حدثت لحبيبة فى جامعة طنطا، والتى تشغل الرأى العام المصرى منذ أيام، والتى تستنكرها وترفضها السيدات، كما يظهر من التعليقات والبوستات التى انهالت على مواقع التواصل الاجتماعى تضامنًا مع حبيبة، ورفضًا لترويع البنات لفرض زى وهابى من جانب جماعة من الظلاميين.

وفى اعتقادى أن قضية حبيبة لن تنتهى عند هذا الحد، لأنها أشعلت صفحات التواصل الاجتماعى تعاطفًا معها، وتم وضع صورتها كأيقونة مصرية جديدة بالفستان المحتشم البسيط الذى يشبه فساتين أمهاتنا فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، ويشبه فساتين نجمات محترمات وأيقونات فى تاريخ السينما المصرية، مثل فاتن حمامة وماجدة ونادية لطفى ومديحة يسرى وليلى مراد، وغيرهن من نجمات كن يرتدين الفساتين الجميلة والمحترمة التى شاهدناها فى الأفلام الشهيرة والتى أحببناها.. وهكذا تحولت حبيبة إلى أيقونة وانهالت صور السيدات والبنات من كل الأعمار وهن يرتدين الفساتين المصرية بفخر على صفحات المواقع الاجتماعية. 

لهذا، فإننى أطالب بدور إيجابى وفعال للدولة بالتحقيق فى هذه الواقعة التى حدثت فى جامعة طنطا مع المدرسين الذين يتنمرون على الطالبات بغية فرض زى متشدد غريب عن المجتمع المصرى، كما يبثون الفتنة بين المسلم والمسيحى، وهو أمر يعاقب عليه القانون المصرى. 

إن الذين يريدون فرض الزّى الوهابى الذى لم يكن ولن يكون يومًا زيًا لنساء مصر ما زالوا يحاولون الدخول من باب الإرهاب الفكرى، بعد أن رفض الشعب وجودهم فى الحياة السياسية، وإن هذا فى اعتقادى أسلوب جديد يحاولون فرضه على الشعب، وهو تغيير تكتيكى فى خطط الظلاميين لفرض السيطرة على مظهر البنت المصرية، ثم تغييره بالإرهاب والتخويف والترويع، واتهام البنت بأنها مسيحية، لأنها ليست محجبة وهو أمر قبيح ومرفوض، لأننا كلنا مواطنون، لا فرق بين مسلم ومسيحى وكلنا أمام القانون سواء.

إن هؤلاء الظلاميين يُمارسون التمييز الدينى جهارًا ونهارًا فى جامعاتنا، وفى أماكن التعليم الإلزامى والابتدائى، حيث نبهت من قبل فى أحد مقالاتى إلى أن بعض المدارس الابتدائية يفرض ارتداء الحجاب للبنات الصغيرات فى سنوات الابتدائى.. وهكذا يتوجب على الدولة والمؤسسات الدينية التابعة لها وقف محاولات إثارة الفتنة وبث التفرقة بين المسلم والمسيحى والدعوة إلى احترام مبدأ المواطنة.

وأطالب المسئولين أيضًا بسرعة القيام بإجراءات تمنع فرض أزياء التطرف والتشدد على البنات والسيدات، وبث تلك الإجراءات فى الإعلام المصرى، حتى يعلم الشعب أن الدولة تقف بالمرصاد لأى ممارسات إرهابية تحدث فى أى موقع من بلدنا.. وأطالب بتفعيل القوانين من أجل التصدى ومواجهة مروجى الإرهاب الفكرى على بنات وأبناء الشعب المصرى.