رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مي زيادة ولطفي السيد.. الصيف والحب من لبنان للإسكندرية

مي زيادة
مي زيادة

قصص غرام مبدعي ومفكري العالم العربي من المحيط للخليج كثيرة ومغرية ولكن ثمة قصص يكتب لها الخلود عبر التاريخ، وقد كشف الكاتب الصحفي ماهر الطناحي عبر صحيفة الهلال قصة اللقاء الأول الذي جمع بيم لطفي السيد ومي زيادة وهيام بها.

يقول ماهر الطناحي إن القصة بدأت من لبنان، فقد كان الطفي السيد يصطاف في لبنان وجلس يتعشى في فندق "بول"  ببيروت مع  والده المرحوم سيد باشا أبو علي وصديقة خليل سركيس، وكان بالقرب منه فتاة لطيفة تجلس إلى مائدة مجاورة، وهى تتحدث بالفرنسية حديثا فصيحا مع قنصل فرنسا في مصر، وكانت تدافع عن المرأة الشرقية دفاعا حادا وقويا، فسأل لطفي السيد صديقة "من تكون هذه الفتاة المتحمسة للمرأة الشرقية ؟ فأجابه "إنها ماري زيادة ابنة الصحافي المعروف الياس زيادة صاحب جريدة المحروسة".

حدث هذا اللقاء عام 1911 م. ولما رجع لطفي السيد من مصيفة ورجعت الآنسة مي أهدت إليه كتابها "ابتسامات ودموع"، وهي رواية حب ترجمتها إلى العربية من اللغة الألمانية "غرام ألماني". وكانت قد أصدرت باللغة الفرنسية كتابين قبلهما، وكانت الفرنسية تغلب عليها، وتؤثر في أسلوبها العربي وقد أخذت في ذلك الحين تنشر في جريدة والدها المحروسة مقالان بعنوان "يوميات فتاة".

كان الأستاذ لطفي السيد في ذلك الوقت في ربيع الحياة وعنفوان الشباب، وكانت الآنسة مي في الخامسة والعشرين وكانت هذه الأديبة من ملاحة الطلعة وخفة الروح وسحر الحديث ما يجذب إليها لنفوس، لاسيما نفس الأديب، فاستهوت نفس أديبنا الكبير وشغلت قلبه وفكره، وأصبحت فتاة أدبه وكتبه ورسائله العاطفية، وكانت مي تحترمه لعلمه وفضله، وتسر إليه بما تخفيه عن غيره من الأصدقاء والأقربين.

وامتدت هذه الصداقة بينهما طول حياة الآنسة مي، ولكن السنوات العشر الأولي ما بين 1911 و،1921 هي التي بلغت فيها هذه الصداقة، وهذا الجانب الروحي أعلى درجاته، فقد كتب فيها الأستاذ لطفي السيد إلى فتاته النابغة عدة خطابات عاطفية تعتبر نموذجا أدبيا رفيعا من رسائل العظماء في الحب.

في يوليو سنة 1913 سافر لطفي السيد إلى الإسكندرية للاصطياف، كان قبل سفره مثابرا على زيارتها كل أسبوع، وما كاد يمضي أسبوع واحد على فراقه لها في القاهرة حتى اشتاق إلى رؤيتها، فبعث إليها بهذه الرسالة في 15 يوليو من هذا العام يقول فيها:

الرسالة الأولى من لطفي السيد 

مضى أسبوع  كامل من يوم كنت عندكم، أستأذن في السفر إلى الإسكندرية، وما كان عادتي أن أغيب عنك أكثر من أسبوع، إذا مضى كان يدفعني الشوق إلى حديثك الحلو، وأفكار المتينة الممتعة، إلى زيارتك.

لا غرو أن استعيض عن الزيارة غير المستطاعة بهذه.. كتابي يلقى إليك في صحة وسلامة وصبر على هذا الحر الذي ربما شبهة بعض أصحابنا الشعراء بشوق المحبين: يقص عليك أننى أذكرك كلما هبت نسمات البح، وقابلت بينهما وبين لوافخ القاهرة، وكلما تجلي علينا البدر يضيء البر والبحر على السواء ويملأ العيون قرة، والقلوب رضى. وكلما جلست على شط البحر أتعشى وسط أصحابي، كما كانت حالي خطر ببالي النظر في حال المرأة الشرقية ومستقبلها وعلى من نستطيع أن نعتمد في المساعدة على انتقالها إلى الأفق الذي نرجوه. وكلما قرأت من الشعر ومن النثر أفكارا تتناسب مع أفكارك أو تختلف عنها. أذكرك كلما هاج البحر، والفت عقلي إلى مظهر الغضب في وجه الطبيعة الباسم، وآثار الغضب في نفوس بني آدم حتى في نفس فتاة أرحبهم صدرا وأحسنهم خلقا، وألطفهم مجاملة، وأرعاهم معاملة وأرقهم قلبا.