رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عام سقوط الإخوان


وهم يحسنون استغلال الآخرين لتحقيق مصالحهم ثم سرعان ما ينقلبون عليهم، ولأنهم ألفوا العمل السرى فقد تغلب لديهم الطبع على التطبع، ومارسوا العمل الحزبى بعقلية الجماعة وجعلوا الجماعة تسيطر على الحزب ولم يقطعوا الحبل السرى بين الكيانين، وارتكبوا كل الأخطاء المتوقعة وغير المتوقعة، لم يفهموا الشعب ولم يعملوا من أجله، بل كانوا مجرد أداة فى يد أمريكا حيث اعتقدوا أن كل الأمور بيدها، فلهذا أسقطهم الشعب.

عام مر وأيام تمر وأعمار تنقضى، وانتهت سنة 2013 بأحداثها وانفلاتاتها، ولكن آثار تلك السنة المنقضية ما زالت ماثلة بيننا، وصل الإخوان للحكم فى منتصف سنة 2012، وسقطوا بعد عام واحد لا غير، لم يسقطهم أحد ولكنهم أسقطوا أنفسهم، انتهى حلم الإخوان عندما نظروا إلى أنفسهم ومصالحهم وأولوياتهم وأغفلوا مصالح الشعب، كانت البداية حينما تحدث مرسى فى دعاياته الانتخابية عن الشعب وحقوقه وأنه سيكون لكل الناس، قدم العديد من الوعود، وأقسم بأغلظ الأيمانات، ووقع عقدا مع الشعب قال فيه: إن خالفت وعودى فميدان التحرير موجود، وإذا خرج الناس يطلبون منى ترك الحكم سأتركه، فالشرعية للميدان، ولا شرعية تعلو على الميدان، لا صندوق ولا غيره!.. وبعد أن أصبح مرسى رئيسا قدم وعدا للشعب أنه سيقوم بحل بعض المشاكل المؤرقة خلال مائة يوم، وأقسم على ذلك جهد أيمانه، وانتظر الناس، وطال انتظارهم، ومرت المائة يوم، ولم يتم حل أى مشكلة، ساعتئذ كان يجب أن يظهر مرسى على الشعب ليتحدث عما حدث، وعن الذى عرقل طريقه فى حل المشاكل، فكان أن خرج علينا من استاد القاهرة، كانت «الزفة» التى ظهر بها تدل على أنه القائد المظفر المنتصر، ووقف هذا القائد ليتحدث إلى شعبه فإذا به يكذب مؤكدا أن المشاكل قد تم حل معظمها، فى حين أن الشعب كان يرزح تحت وطأة هذه المشاكل التى أرهقته وأثقلت كاهله! والحاكم الذى يكذب على شعبه يسقط من نظره، فكان السقوط الأول لمرسى والإخوان.. ولأن الإخوان كانوا قد قدموا مرسى للشعب من خلال مشروع زعموا أنه المشروع الحضارى الأكبر الذى سينهض بمصر وأطلقوا عليه «مشروع النهضة» لذلك أخذ الشعب يُعِدْ الأيام والليالى ليرى الخطوات الأولى لهذا المشروع، لم يطلب الشعب من مرسى أن يحقق نتائج فورية لمشروعه، ولكنه كان يطمع فى رؤية الخطوات الأولى، وبينما كنا فى جمرة الانتظار إذا بخيرت الشاطر يخرج علينا قائلا: «لا يوجد مشروع اسمه مشروع النهضة، ولكنها كانت مبالغة من الإعلام، ونحن ليس لدينا إلا بعض رءوس عامة لبعض الأفكار»! فكان السقوط الثانى لجماعة زعمت أنها تبتغى رفع راية الإسلام.. وإذ لعبت برءوسنا الآمال فقلنا إنهم يعرفون إن المسلم الحق إذ وعد حقق، وإذا تحدث صدق، ومشاكل حياتنا تترى، فتوقعنا أن يبدأ الإخوان طريق النهضة من خلال إصلاح منظومة الاقتصاد، فالطريق أمامهم والأفكار ملك أيدينا ولا نحتاج إلا إلى النوايا المخلصة والكفاءات الموهوبة، ولكن الإخوان بمرسيهم وشاطرهم ومرشدهم أعرضوا بجانبهم ولم يستعينوا بأى كفاءة بل عمدوا إلى الاعتماد على أهل الولاء، وليتهم نظروا لأهل الولاء لمصر ولكن كان همهم هو البحث عن أهل الولاء لجماعتهم، قلنا لعلهم سيرتفعون بنا عن طريق مشروعات صناعية ضخمة، فلم يفعلوا ولم يتحركوا خطوة، قلنا لعلنا سنرى بداية مشروعات زراعية ضخمة ـ وكلنا كنا ننتظر بدايات لا نتائج ـ ولكننا لم نر شيئا ولا فى الأحلام، قلنا لعلهم يحملون خطة سياحية تجعل من مصر أكبر دولة سياحية فى المنطقة، فهكذا كانوا يقولون فى دعايتهم ولكن رؤيتهم للسياحة لم تكن مشجعة على الإطلاق، قلنا لعلهم سيبدأون من طريق إصلاح التعليم والبحث العلمى، فمشكلة الشرق كله أنه تخلف فى نظم التعليم، وابتعد عن جادة الصواب فى البحث العلمى، ولكن ذهبت أمانينا أدراج الرياح، وهكذا فى كل المجالات.. فماذا فعل الإخوان إذن؟ دخلوا من أول لحظة لهم فى الحكم فى صراع مع القضاء، وحاصروا المحكمة الدستورية العليا ليمنعوها من العمل فى ظاهرة لم تحدث فى تاريخ مصر، وكانت طريقتهم فى القضاء هى محاولة أخونته والسيطرة عليه ليكون تابعا لهم، ثم دخلوا فى صراع مع الإعلام لنفس السبب إذ كانوا يريدونه إعلاما موجها لا مستقلا، ثم كان صراعهم مع مجتمع المثقفين، وهكذا دواليك، وكأنهم ما جاءوا للحكم إلا من أجل الدخول فى صراعات، والحقيقة أن هذه الصراعات لم تكن من أجل الإصلاح، ولو عرف الشعب هذا لوقف معهم، ولكن هذه الصراعات كانت من أجل إحكام التمكين لأنفسهم وتنظيمهم، إذ إن الخطوة الأولى فى مشروعهم التمكينى هو «نشر الرجال» فى كل مفاصل الدولة ليسهل لهم البقاء للأبد فى الحكم.

فماذا كان سلوكهم بعد ذلك؟ تستطيع أن تقول إن جماعة الإخوان هى جماعة الفرص الضائعة، وما ذلك إلا بسبب سلوكهم الأخلاقى، فهم دائما يقومون بتغليب الولاء على الكفاءة، وفوق هذا فإنهم يمارسون الغرور والاستعلاء لأنهم يعيشون على وهم امتلاك الحقيقة المطلقة.