رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصنع التطرف 2.. مراكز «أكاديمية زاد» لطباعة وبيع «كتب الإرهاب»

محمد صالح المنجد
محمد صالح المنجد

في الحلقة الأولى من هذه السلسلة تحدثنا عن أكاديمية «زاد»، وتفاصيل الدراسة بها، وكيف تُدرِّس مناهج إرهابية صادمة تحتوى على قدر كبير من التطرف، وتبث أفكارًا تحرض على القتل والإرهاب والعنصرية. والطامة الكبرى أن معظم طلبة هذه الأكاديمية من المصريين، ما يعنى أنها تبنى قاعدة كبيرة من المتطرفين فى بلد الإسلام الوسطى، وتربى أجيالًا من شبابها على أفكار شاذة كفيلة بأن تهدم هذا الوطن.

فى السطور التالية، التى تمثل الحلقة الثانية من السلسلة التى نكشف فيها أسرار «أكاديميات التطرف»، نستكمل اختراق الأكاديمية وكشف أسرارها، ونبحث عن معلومات جديدة بشأنها، إلى جانب إلقاء الضوء على محمد صالح المنجد، المؤسس والمشرف العام على أكاديمية «زاد»، لنعرف من هو هذا الرجل بالتفصيل.

مؤسسها تواصل مع إرهابيى سوريا وليبيا.. واعتبر نشاطهم «عودة للخلافة الإسلامية»

محمد صالح المنجد هو داعية سورى، ولد عام ١٩٦١ فى الرياض ونشأ فيها، ونال درجة البكالوريوس فى البترول والمعادن من جامعة «الملك فهد»، ويُعرف بأنه أول من استخدم الإنترنت فى «الدعوة»، بتأسيسه موقع «الإسلام سؤال وجواب»، فى عام ١٩٩٧.

ولـ«المنجد» فتوى شاذة شهيرة فى برنامج تليفزيونى بقتل الفأر «ميكى ماوس»، الشخصية الكرتونية المشهورة، باعتباره «فأرًا من جنود الشيطان»، إلا أنه اضطر للتراجع عنها لاحقًا تحت ضغط الغضب والجدل العالمى. 

ألقى القبض على «المنجد» فى عام ٢٠١٧، ثم طالبت النيابة العامة السعودية بإعدامه، فى سبتمبر ٢٠١٨، لدعم جماعة الإخوان، والتواصل مع فصائل عسكرية مقاتلة فى سوريا والعراق.

وقال ممثل النيابة العامة السعودية إن «المنجد» تواصل هاتفيًا مع العناصر المقاتلة فى «جبهة النصرة» بسوريا، وقدّم الإفتاء الشرعى لهم، كما أنه حرّض على القتال فى سوريا ووصفه بأنه «عودة إلى الخلافة الإسلامية»، عبر برنامج أسبوعى يقدمه على قناة فضائية.

وكشف ممثل النيابة عن أن المتهم قدّم الدعم المالى لأشخاص مشبوهين بواسطة قريب له، وكَفّرَ النظام الليبى السابق من خلال نشره تغريدة موجهة لمن سماهم «المجاهدين فى ليبيا»، فضلًا عن تأييده جماعة «أنصار الله» فى اليمن.

وبالنظر إلى قائمة هذه الاتهامات الموجهة لـ«المنجد»، وما عرضناه من مناهج تدرِّسها أكاديميته «زاد»، خلال الحلقة الأولى، يتبين لنا أننا أمام إرهابى يملك مخططًا كبيرًا يريد استكماله وتنفيذه حتى بعد إلقاء القبض عليه ووجوده داخل سجون السعودية، يتمثل فى نشر أفكاره الإرهابية بين أكبر عدد من المسلمين فى العالم، وبالطبع لن يستطيع تنفيذ هذا المخطط إلا عبر مصر، عن طريق التوغل بها واستقطاب أكبر عدد من شبابها، من خلال هذه الأكاديمية.

ولمعرفة تفاصيل هذا المخطط عدنا من جديد للمشرفة فى الأكاديمية، التى تحدثنا معها فى الحلقة الأولى، لمعرفة معلومات جديدة عن هذا الكيان ونشاطه بالكامل، حيث قالت: «عندما التحقت بالأكاديمية لم أكن أعرف أحدًا من شيوخها سوى الشيخ محمد صالح المنجد، لأننى كنت أتابعه دائمًا وأعتبره مصدر ثقة، كما أن بعض الشيوخ المصريين، مثل حازم شومان، مدح فى الأكاديمية».

وكشفت عن أن الدفعة الأخيرة التى تخرجت فى الأكاديمية، فى مايو الماضى، هى الدفعة رقم ١١، ومع انتهاء الدراسة هذا العام تصبح الأكاديمية مفتوحة وتمارس نشاطها التدريسى منذ ٦ سنوات.

وأشارت إلى أن «أكاديمية زاد» هى واحدة من «كيانات» ما تسمى «مجموعة زاد»، حيث تضم أيضًا منصة «زادى»، ومن خلالها يتم تقديم مجموعة من «الكورسات» فى فقه المرأة وأحكام الزكاة وغيرها من الموضوعات المتخصصة فى العلوم الشرعية، لافتة إلى أن «مدة هذه الكورسات مفتوحة، وليست محددة بفترة زمنية معينة مثل الدراسة النظامية فى الأكاديمية».

وإلى جانب «أكاديمية زاد» هناك أيضًا «عالم زيدو»، وهو «مشروع تعليمى تربوى إلكترونى موجّه للأطفال»، فضلًا عن قناة «زاد الفضائية»، وقسم «مبدعون» المختص بتصميم صور بـ«طريقة دعوية خفيفة تصل إلى الجميع»، وفق المشرفة، مضيفة: «كل ما يخص مجموعة (زاد) متوفر على (يوتيوب) بالمجان».

كل هذه «الكيانات» تؤكد أن «زاد» ليست مجرد أكاديمية عادية، لكنها «إمبراطورية تطرف كبيرة»، تهدف إلى استقطاب عدد كبير من الطلاب، والتأثير فى عقول الشباب والفتيات الذين يدرسون بداخلها، وهو ما يظهر فى تفاعل هؤلاء بكل حماس مع الأفكار المتطرفة التى تُدرّسها الأكاديمية، وإشادتهم بها، وتشجيعهم بعضهم البعض على مذاكرتها، وذلك عبر المجموعات المغلقة للأكاديمية فى «فيسبوك».

 

مؤلفاتها تُباع بـ350 جنيهًا للنسخة مع تخفيض خاص للمصريين فقط

واصلنا الحديث مع المشرفة فى الأكاديمية، باعتبارنا راغبين فى التقدم للدراسة بها، فكشفت عن أن بعض الكتب التى يتم تدريسها فى الأكاديمية تُباع فى بعض المكتبات داخل مصر بسعر ٣٥٠ جنيهًا للنسخة الواحدة، لكن يتم تقديمها بـ٢٠٠ جنيه للطلاب المصريين فقط، بينما طلاب باقى الدول تُباع لهم النسخة بسعرها الأصلى.

وأرجعت تخصيص هذا التخفيض للمصريين دون غيرهم إلى أن عدد الطلبة المصريين الذين يدرسون فى الأكاديمية كبير للغاية، ويمثلون الفئة الأكبر بها، لافتة إلى أن الفرق بين النسختين الاقتصادية والأصلية هو أن الأصلية أكبر وأطول، لكنها تضم نفس المحتوى، وبنفس مستوى الطباعة العالى الملون. من خلال هذا الخيط، بدأنا فى البحث عن هذه المكتبات التى تبيع كتب أكاديمية «زاد»، على «فيسبوك»، وكانت البداية من خلال مكتبة تدعى «4D».

ذهبنا إلى مقر المكتبة، وبمجرد دخولنا إليها لفت انتباهنا وجود «كراتين» مكتوب عليها من الخارج: «كتب أكاديمية زاد»، سألنا بائعًا فى المكتبة عنها، فقال: «موجودة وسعر النسخة المخفضة ٢٠٠ جنيه»، وبالاطلاع على هذه النسخة وجدناها من إصدارات دار نشر اسمها «العبيكان»، بطباعة ملونة ذات جودة عالية، وتحتوى على صور توضيحية جذابة.

أخبرنا البائع بأننا نريد التواصل مع أى شخص مسئول فى الأكاديمية، لأننا نريد معرفة مقار التدريس الخاصة بها فى مصر من أجل الالتحاق بها، لأننا لا نحب فكرة الدراسة على شبكة الإنترنت، فأكد أن الدراسة من خلال الإنترنت فقط، وليس للأكاديمية أى مقار فى مصر، متابعًا: «كل المسئولين عن الأكاديمية فى الخارج، ولا يوجد أى شخص منهم فى مصر، ويمكن التواصل معهم من خلال موقع الأكاديمية الرسمى على شبكة الإنترنت، أو عبر صفحتها بموقع فيسبوك».

وشدد على أن مكتبته مجرد مركز بيع للكتب فقط، وليست لها علاقة بالدراسة فى الأكاديمية، والتى ترسل إليهم الكتب من الخارج، موضحًا أن «صاحب المكتبة تواصل مع إدارة الأكاديمية، فسمحوا له بأن يبيع هذه الكتب بشرط ألا يطبعها من نفسه».

مكتبة أخرى لبيع كتب أكاديمية «زاد» تحمل اسم «دار العقيدة»، حيث تواصلنا مع صاحبها هاتفيًا، وطلبنا منه شراء هذه الكتب بـ«الجملة» لأننا نريد نسخًا كثيرة منها، فقال إن هذه الكتب تُطبع فى إحدى دول الخليج ولها حقوق نشر، ثم أعطانا رقم تليفون قال إنه لـ«فرع الأكاديمية فى القاهرة».

اتصلنا بالرقم وأخبرنا مَن رد بأن لدينا مكتبة، ونريد أن نتواصل مباشرة مع المورد الرئيسى للكتب، لأننا نريد بيعها فى مكتبتنا لوجود طلب كبير جدًا عليها، فأعطانا هو الآخر رقم تليفون وعنوان مكتبة اسمها «دار الأمين»، قائلًا إنها «المورد الرئيسى لهذه الكتب، ويمكن التواصل معهم لشرائها بسعر الجملة».

ذهبنا إلى مكتبة «دار الأمين»، ومثل سابقتها أخبرنا صاحبها بأن لدينا مكتبة ونريد كتب أكاديمية «زاد» لبيعها فيها، طالبين منه توريد كميات كبيرة لنا، فقال إنه سيبيع النسخة الواحدة بسعر ١٩٠ جنيهًا بدلًا من ٢٠٠.

طلبنا منه أن يدلنا على المورد الرئيسى، لأننا نريد شراءها بسعر أرخص من المطبعة الأم- إن صح التعبير- فقال إنه لا يستطيع أن يدلنا عليه لأن مكتبته هى موزع كتب «زاد» لكل التجار، سواء فى مصر أو خارجها، مثل إندونيسيا والولايات المتحدة ودول المغرب العربى. وأضاف: «نحن نتعامل مع الأكاديمية بشكل مباشر، والكتب تأتى لنا من هناك، وليس من الطبيعى أن أعطيكِ مصدرى الذى آخذ منه الكتب، لأننى أريد أن أكسب منها، خاصة أن لدىّ توكيلًا من الأكاديمية لبيعها».

 

باحث: مصدرنا لتمويل الأنشطة ودفع رواتب العاملين بعد القبض على محمد صالح المنجد

مع استمرار البحث عن كتب «زاد»، وجدنا أحدهم ينشر إعلانًا لبيع بعضها، عبر موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، فدخلنا على صفحته الشخصية، وهناك اكتشفنا أنه يعمل باحثًا لغويًا فى الأكاديمية، واسمه «م. م».

اتصلنا بباحث «زاد»، وأخبرناه بأننا نريد شراء كتب الأكاديمية بعد افتتاحنا مكتبة جديدة نريد تجهيزها، فأجاب بأن هناك نسختين من كل كتاب، كبيرة بسعر ٣٥٠ جنيهًا واقتصادية بـ٢٠٠، لافتًا إلى أن سعر الجملة ٣٠٠ للأولى و١٧٠ للثانية.

وأضاف: «لا يوجد موزع رئيسى يبيع هذه الكتب بـ١٧٠ جنيهًا للنسخة سوى الأكاديمية نفسها»، مشيرًا إلى أنه إذا طُلبت «طلبية» يزيد سعرها على ٢٥٠٠ جنيه، يتم شحن الكتب مجانًا، فيما يتحمل البائع مصاريف الشحن إذا ما قلّ السعر عن ذلك.

أخبرناه بأننا نريد العمل فى هذا المجال، فطلب منا أن نعمل معه ونسوِّق له هذه الكتب ونبيعها، مقابل تقاسم الربح سويًا، وبدأ يطمئن لنا ويتحدث باستفاضة، خاصة أننا أظهرنا له حماسة كبيرة للفكرة، وقلنا إن لدينا معارف كثيرة سيساعدونه فى التسويق والبيع.

سألناه عن سر طباعة كتب «زاد» وبيعها للطلبة بمقابل مادى، رغم توافرها بصيغة «PDF»، وتقديم محاضرات وفيديوهات الأكاديمية بالمجان، فقال: «يأتى هذا لتمويل أنشطة الأكاديمية ودفع رواتب العاملين بها، خاصة بعد القبض على الشيخ محمد صالح المنجد، المؤسس والمشرف العام على الأكاديمية، فمنذ القبض عليه والأمور المادية فى الأكاديمية متدهورة، لأنه كان المسئول عن جمع التبرعات والتواصل مع بعض الأمراء للتبرع».

وزعم أن مكسب النسخة الواحدة من هذه الكتب ليس كبيرًا، لأنه تتم طباعتها على أعلى مستوى، وبإخراج فنى رائع يتضمن صورًا ملونة، كاشفًا عن أن تصميم الصفحة الواحدة يكلف الأكاديمية ١٥٠ ريالًا.

وأضاف: «الأكاديمية تبيع هذه الكتب لدفع رواتب العاملين بها، خاصة أن عليها طلبًا كبيرًا؛ نظرًا لكثرة عدد طلاب الأكاديمية هنا فى مصر، وبذلك يحقق بيع الكتب مكسبًا ودخلًا جيدًا لها».

قلنا للباحث فى «زاد» إننا تحدثنا مع أحد التجار قبله، وعرض علينا بيع النسخة بـ١٩٠ جنيهًا، رافضًا تخفيضها عن ذلك بدعوى أنها تأتى من الخارج ويدفع مصاريف شحن عليها، فرد الباحث: «هذا الرجل يكذب ويستغلنى».

وأوضح أن هذه الكتب لا تطبع فى الخارج بل فى المطابع الخاصة بدار نشر اسمها «الدار العالمية- المكتبة العصرية»، لافتًا إلى أن الأكاديمية اتفقت مع هذه الدار على طباعة الكتب، ثم إرسالها للأكاديمية فى إحدى دول الخليج، والتى تتولى من هناك مهمة توزيعها على المكتبات بنفسها، مقابل نسبة من قيمة البيع.

وأشار إلى أن «الدار العالمية» تطبع فقط وليس من حقها توزيع الكتب، على الرغم من أن لديها مكتبة، وذلك وفقًا للاتفاق مع الأكاديمية، ودار نشر «العبيكان» التى تطبع هذه الكتب وتنشرها فى السعودية.

وكشف عن أن هذه الكتب كانت تأتى إلى مصر من إحدى دول الخليج بالفعل، لكن وجدوا أن تكلفتها عالية جدًا، وبالتالى لا يحصلون من ورائها على أى ربح، لذا اقترحوا، منذ عام ونصف العام تقريبًا، أن تُطبع فى مصر لتوفير مصاريف الشحن وتقليل التكلفة والنفقات، حتى حال شحنوها إلى دول أخرى خارج مصر.

وبالبحث عن الصفحة الشخصية لـ«م. م» على «فيسبوك»، وجدنا له صورة نشرها من داخل معرض الكتاب فى ٢٠٢٠، حيث كان يقف وخلفه لافتة مكتوب عليها: «الدار العالمية»، وبجوارها لافتة أخرى تروج لكتب أكاديمية «زاد»، ما يؤكد أن هذه الدار هى التى تطبع هذه الكتب، كما أخبر «الدستور» فى السطور السابقة.