رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يكره بائعو الكتب أمازون؟.. «الدستور» تنشر فصل من كتاب خورخي كاريون قبل طرحه

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

تصدر العربي للنشر بالقاهرة، الترجمة العربية لكتاب "ضد أمازون.. لماذا يكره بائعو الكتب أمازون؟" لخورخي كاريون وترجمة شرقاوي حافظ، بمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي ينطلق 30 يونيو الجاري، وهو كتاب مثير للجدل، لأنه يتناول بالنقد شركة أمازون وتأثيرها السلبي على تجارة بيع الكتب ومكتبات بيع الكتب.

وأصبحت "أمازون" هي الوحش الذي يبتلع كل ما يقف أمامه، لم تترك شيئًا إلا وتاجرت به، من أصغر المنتجات التي لا يمكن تخيل أنها تبيعها وحتى أكبر الأشياء التي من الممكن بيعها عن طريق الإنترنت، وبالطبع، لم تسلم الكتب منها وهو ما يتناوله خورخي كاريون في هذا الكتاب، حيث انطلق في رحلة مر بها على أشهر المكتبات العالمية ذات الأهمية التاريخية، وأجرى المقابلات مع أصحابها الذين تهددهم "أمازون" بإيقاف أعمالهم وإغلاق مكتباتهم تمامًا، فهي توصِّل إلى كل مكان، ولا حاجة للمشتري من أن يتحرك من مكانه.

يتضمن الكتاب مقالات أخرى ومقابلات مع مؤلفيه المفضلين، مثل "ألبرتو مانجويل"، وإيان سينكلير"، و"لويجي أمارا"، و"هان كانج"، وآخرين، وحتى أنه انطلق في رحلة إلى القبر الذي دُفِن به "بورخيس" لكي يراه ويصفه لنا، ويقابل كل من كان مقربًا منه لكي يحكي تجربته الشخصية معه.
إن "ضد أمازون" كتاب عن تاريخ الكتب، وهو أيضًا سيرة ذاتية، وكتاب رحلات، وخطاب رومانسي، ومحاولة لمقاومة ضغوطات الرأسمالية التي لم تترك شيئًا من العالم القديم الأصلي على حاله.


وُلِد "خورخي كاريون" في "تاراجونا" بإسبانيا عام 1976. يشرف على الماجستير في الإبداع الأدبي في كلية برشلونة للإدارة ويكتب في النسخة الإسبانية من نيويورك تايمز. نشر أعمالًا ذات مقالات سردية وهي "زيارة لمكتبات العالم" الذي نشر بعنوان "المكتبات" (2013) و"برشلونة: كتاب عن طرقها" (2017)، كما نشر عدة روايات وهي الموتى (2010)، والأيتام (2014)، والسياح (2015). نُشرت مقالاته عن الثقافة المعاصرة والسفر في جريدة إلباييس وجريدة لا فانجارديا ومجلة ناشونال جيوجرافيك ووسائل الإعلام الدولية الأخرى. تُرجمت أعمال كاريون إلى خمس عشرة لغة.
 

"الدستور" تنفرد بنشر فصل من كتاب "ضد أمازون" قبل طرحه في معرض القاهرة الدولي للكتاب
ضد أمازون: 7 أسباب وبيان


1- لأنني لا أريد أن أكون شريكًا في المصادرة الرمزية
لمدة 55 عامًا ظل هذا المبنى في "برشلونة"، وهو أحد أمثلة العمارة الصناعية الحديثة، هو المكتب الرئيس لدار النشر "جوستاف جيلي"، والآن بعد التجديدات التي بلغت تكاليفها عدة ملايين من اليوروهات، أصبح المقر الرئيس لـ"أمازون" المحلي بفضل الكفاءة والإنجاز الفوري اللذين تتمتع بهما الشركة، أصبحت "برشلونة" الآن واحدة من خمس وأربعين مدينة في العالم تضمن فيها الشركة توصيل المنتجات في غضون ساعات.


ومكتبة "كاوندا" (Caunda) - التي أُغلقت عام 2013 بعد أكثر من ثمانين عامًا من إنشائها - أصبحت الآن مقرًا ضخمًا جدًّا لمحل "مانجو"  (Mango) للملابس. وصارت مكتبة "كاتالونيا" (Catalonia) - بعد أكثر من مائة عام - فرعًا لـ"ماكدونالدز" بديكور معاصر بسيط. فأصبحت المصادرة والإحلال أمرًا فعليًّا ورمزيًّا كذلك. 


لو أنك كتبت "مكتبة أمازون" على محرك البحث "جوجل" ستظهر عشرات الروابط التي تبيع مجموعات كتب. ولن أمل من تكرار أن "أمازون" ليست بمكتبة، بل "هايبر ماركت"، حيث تجد في منافذه الكتب بجوار المقرمشات، والألعاب والزلاجات.

وترى في المنافذ الفعلية لمكتبات "أمازون" الكتب معروضة بواجهة الكتاب وليس كعبه، لأنها لا تعرض إلا 6000 عنوان من الكتب الأكثر مبيعًا التي يبحث عنها عملاؤها، وهو عدد أقل بكثير من العدد الموضوع على أرفف المكتبات الأخرى الأصلية التي تخاطر لإعطائها فرصتها، وحاليًّا تدرس "أمازون" تكرار التجربة نفسها عن طريق إنشاء سلسلة من محال السوبر الماركت الصغيرة. فمن وجهة نظرها، لا فرق بين المؤسسات الثقافية ومحلات بيع الأطعمة والسلع الأخرى.


يتمتع "جيف بيزوس" بتاريخ طويل من المصادرة الرمزية للملكية، حيث استقر بعد تفكير على بيع الكتب بدايةً، بدلًا من الأجهزة الكهربائية، لأنه وجد فرصة وسوقًا خاصًّا مميزًا؛ فكل العناوين المطبوعة المتاحة لا يمكن حصرها في مكتبة واحدة، وكان هو مستعدًا لتقديم الحل.


وفي التسعينيات، لم يكن في الساحة سوى عدد قليل من المنافسين؛ مكتبات "بارنز أند نوبل" Branes & Noble، و"بوردرز" Borders. وكان الموزعون قد رقمنوا كتالوجاتهم لتواكب العصر الرقمي باستخدام أرقام الإيداع الدولية ISBN. ولهذا حضر "بيزوس" دورة تعليمية قدمتها الجمعية الأمريكية لبائعي الكتب. وفي وقت قياسي تمكن من ضم الكتب القيمة التي تراكمت عبر قرون إلى متجره. 


اليوم، عندما تنتج "أمازون" مسلسلًا تليفزيونيًّا، أو نسمع موسيقى على موقعها، أو نشتري منه قطع غيار سيارات وموتوسيكلات، وحتى لو فكرت "أمازون" في أن تكون شركة محمول، سنستمر كلنا في ربط الماركة التجارية "أمازون" بالكتاب من الناحية الموضوعية والرمزية. 


حتى عندما قدَّمت "أمازون" "كيندل" القارئ الإلكتروني للكتب في 2007، نجحوا في تقليد شكل الصفحة المطبوعة ودرجة الحبر. ولكن لحسن الحظ أنهم لم يتمكنوا بعد من تقديم ملمس ورائحة الورق. وسواء شئنا أم أبينا، فإننا أصبحنا عاجزين عن التفرقة بين الكتاب الرقمي والكتاب الورقي. لحسن الحظ، فإن التغيرات الصناعية تتم بسرعة؛ والتغيرات العقلية تتم بصورة أبطأ.

2- لأننا البشر أنصاف آليين، ولسنا آليين
"لكل منا أعضاء صناعية
كلنا يعتمد على طرف صناعي؛ التليفون المحمول
كلنا أنصاف آليين؛ كثير من الآدمية، وقليل من الآلية
ولكننا لا نريد أن نكون آليين".

إن ما يقوم به العاملون في "أمازون" هو عمل ميكانيكي. وهكذا كان دائمًا؛ منذ عام 1994 حينما بدأ خمسة أفراد في العمل من جراج منزل "جيف بيزوس" في "سياتل"، كانوا مهووسين بالسرعة. واستمر الأمر على هذا المنوال لمدة عشرين سنة، قصص مليئة بكثير من الإجهاد، والمضايقات، والظروف اللاإنسانية في العمل من أجل إنجازه بكفاءة رهيبة لا توفرها إلا آلة.


يساعد العاملون في "أمازون"، إنسان آلي اسمه "كيفا"؛ لديه القدرة على رفع حمولة قدرها 340 كيلوجرامًا، ويسير بسرعة متر ونصف المتر في الثانية. ينسق الكمبيوتر العمل بين العاملين والإنسان الآلي، يجهزون هم البضاعة من على الأرفف لتسهيل جمع المنتجات، فمتى جمعوا السلع التي اشتراها العميل، جمعتها آلة أخرى اسمها "سلام" على سيرها الناقل الضخم ثم تفحص السلع وتعبئها.


إن "كيفا" و"سلام" هما نتيجة لأبحاث تمت على مدى سنوات. نظمت "أمازون" مسابقة لتصنيع الإنسان الآلي في إطار مؤتمر دولي في "سياتل"، وذلك بتصميم إنسان آلي يعمل بتقنية أوتوماتيكية لتجهيز الطلبات. 

في إحدى السنوات، كان على الآلات - التي صممها أكبر معاهد التكنولوجيا مثل معهد "MIT" أو الجامعة التقنية ببرلين - إعداد تقنية ما لجمع بطة بلاستيكية، أو لتغليف علبة بسكويت "أوريو"، أو تجميع دمية على شكل كلب، أو كتاب، وذلك في أقصر وقت ممكن. فيما يخص "أمازون"، لم يكن هناك فروق أساسية بين كل تلك السلع، فهي كلها متساوية، ولكن الأمر ليس كذلك فيما يخصنا.


لقد تخلصت "أمازون" من العامل البشري تدريجيًّا. في السنوات الأولى، استخدمت أشخاصًا لكتابة مراجعات عن الكتب التي تُباع؛ والآن لا يوجد حتى أي وسيط في حالة أردت نشر كتابك الخاص على الإنترنت. حوَّلت شبكة التوزيع إلى إنسان آلي، وتريد منا، نحن العملاء، أن نفعل المثل. ولكننا لن نفعل ذلك، لأن الكتاب بالنسبة إلينا هو الكتاب، والقراءة طقس، وهي صدى لشيء كان مقدسًا ذات مرة.

3- لأنني أرفض النفاق
أكثر شيء مخزٍ في مدينة "برشلونة"، تلك المدينة التي يوجد بها عدة مكتبات رائعة، هو وجود مكتبة "أوروبا" (Europa). على مدى 24 سنة، أدار تلك المكتبة النازي الجديد "بدرو فاريلا"، وهي تعد مركزًا رئيسًا لنشر أفكار معادية للسامية. ولكن، لحسن الحظ، أُغلقت المكتبة في سبتمبر 2016. تبيع "أمازون" عددًا ضخمًا من طبعات كتاب "كفاحي" Mein Kamp ولها مقدمات وبها ملاحظات مريبة. في الواقع، نبَّه المؤتمر اليهودي العالمي شركة "أمازون" بوجود عشرات من الكتب السلبية التي توفرها دون أي عائق للشراء. بعبارة أخرى، أُغلقت مكتبة "أوروبا" بسبب تحريضها على الكراهية، إلى جانب جرائم أخرى، ولكن هذا ما لم يحدث مع "أمازون". على الرغم من أن إنكار الهولوكوست يعد جريمة في كثير من البلدان التي كانت تعمل فيها "أمازون". 


كان دفاع "أمازون" الدائم هو أنها ضد الرقابة، وهذا ما جعلها تستمر في العمل، على الرغم من صرخات الاحتجاج ضد بيع كتاب "دليل التحرش الجنسي بالأطفال للحب والمتعة: القواعد الأخلاقية لمحب الأطفال" تأليف "فيليب جريفز"، لكنها اضطرت لسحبه أخيرًا. 

وحدث شئ مشابه مع كتاب "فهم محبي الأطفال والأطفال المحبوبين" تأليف "دافيد ريجل". تدافع "أمازون" عن حق إتاحتها لعملائها الفرصة للحصول على الكتب التي تشجع على البيدوفيليا، كما فعلت مع الكتب التي تنشر الفكر النازي، بأنها من المفترض ألا تفرض الرقابة. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنها تطبق الرقابة أو تمنح المميزات لكتب عن كتب فيما يخدم مصلحتها.


بسبب الخلافات بين "أمازون" ومجموعة "هاشيت" للنشر (التي تعد من أكبر خمس مجموعات للنشر على مستوى العالم) منذ عامين نددت الكاتبة "أورسولا لا جوين" بحقيقة أن كتبها من الصعب العثور عليها على موقع "أمازون" بسبب الصراع الدائر بين الشركتين. 


من الواضح أن الشيء الوحيد الذي يهم "أمازون" هو سرعة وكفاءة أداء الخدمة، وذلك دون وجود وساطة. فكل شيء تقريبًا آلي وفوري. ومع ذلك، يوجد كيان اقتصادي وسياسي ضخم خلف هذه العمليات الفردية. كيان يضغط على دور النشر من أجل زيادة أرباح "أمازون" من كتبهم، كما تفعل مع صانعي الزلاجات ومنتجي البيتزا المجمدة. كيان كبير هو من يحدد ماذا نرى وما يصل إلينا وما الذي سيؤثر فينا؛ أي ببساطة كيان يشكِّل مستقبلنا.

4- لأنني لا أريد أن أكون شريكًا في إمبراطورية جديدة
لا يوجد بائع للكتب في "أمازون"، فقد أُبعِدَ أي اقتراح لاستخدام أي تدخل آدمي لأنه غير فعال. ولأنه يعرقل السرعة وهي القيمة الأساسية التي تقوم عليها الشركة. إن الاقتراحات التي تقدمها "أمازون" للمشتري على موقعها ما هي إلا لوغاريتمات معقدة غير معتمدة على العنصر البشري. وهو ما يضمن أعلى مستوى من السرعة والسهولة. فالآلة تحول العميل إلى مجرد مُتلقٍ. فهو يعتمد على أن "العملاء الذين اشتروا هذا المنتج اشتروا أيضًا ذلك المنتج"، وهي الجملة الشهيرة على "أمازون".

فالنشر الذاتي/الشخصي وضع العملية في يد المنتج. فـ"أمازون" تمحو الوسطاء، أو تجعلهم غير ظاهرين (كالإنسان الآلي). إنها تشبه آلة تنظيمية. إنها تريد أن تكون أكثر انسيابية بحيث تبدو غير مرئية. وبتقليص تكاليف النقل والتفاوض مع أكبر عملائها، تحصل على أقل سعر ممكن للعميل. تبدو "أمازون" رخيصة.. رخيصة جدًّا. ولكننا الآن نعرف أن "رخيصًا" يعني مكلف جدًّا على المدى الطويل.. مكلف جدًّا. لأن ما يجري تحت الطاولة ما هو إلا تمويه؛ فكل شيء سريع وانسيابي لدرجة أنه لا يبدو أن هناك وسيطًا ما. ولكن في الحقيقة يوجد. وأنت تدفع في مقابل ذلك مالًا وبيانات.


إن عملية الطلب، والبضاعة، والسعر والإرسال؛ تظهر كعمليات فردية لها منطق غير مادي للتدفق. بالنسبة إلى "جيف بيزوس"، كما هو الحال بالنسبة إلى "جوجل" و"فيسبوك"، فإن "البكسل" وهي لغة الكمبيوتر يمكن أن تربط الأشياء المادية أيضًا؛ يمكن تحويل العالم المادي إلى عالم كمبيوتر وحداته "البايت". الشركات الثلاث لديها رغبة واحدة، وهي؛ السيطرة على الكوكب، وهو ما سيتم من خلال التوسع غير المحدود للمعلومات، والاتصالات والسلع الاستهلاكية. 

في الوقت نفسه الذي تُجبر فيه موظفيها على توقيع عقود بشروط لضمان السرية، وتضع إستراتيجيات معقدة لتفادي دفع الضرائب في البلدان التي يعملون بها، وتقيم دولة عالمية وموازية ومستعرضة بقواعدها وقوانينها الخاصة بها، وبيروقراطيتها وسلمها الهرمي وشرطتها الخاصة. مع جهاز المخابرات، والمعامل الفائقة السرية التابعة لها. 


تقع معامل "جوجل x" وهو مركز البحث والتطوير للمشروعات المستقبلية لهذه الشركة، في مكان غامض ليس ببعيد عن الموقع الرئيس، وخطتها المحكمة هي أن تطور مكانتها المرموقة، التي ستضمن وفي غضون عشر سنوات وصول الإنترنت إلى نصف سكان العالم. 


مشروع "أمازون" الموازي هو "أمازون برايم إير" (Amazon Prime Air) وهو نظام توزيع يعتمد على الآلة بالكامل أو ما يُعرف بالـ"درونز"، والذي يصل وزن الواحد إلى 25 كيلوجرامًا، وهو جهاز يجمع بين الطائرة والمروحية. في أغسطس 2016، غُيرت لوائح تنظيم هيئة الطيران الفيدرالية الأمريكية لتسهيل طيران طائرة من دون طيار لأغراض تجارية وتيسير الحصول على شهادة طائرة من دون طيار. فلتحيا الحكومة الأمريكية! دع سماءنا تمتلئ بالـ"درونز" التي توزع بسكويت الـ"أوريو"، والدمى اللطيفة، والزلاجات، والمحمصات، والبط البلاستيكي، وحتى الكتب.


على عكس "فيسبوك"، و"جوجل"، اللتان تتصارعان مع احتمالية أن اسمك أو البيانات الخاصة بك غير صحيحة، وتبذلان ما في وسعيهما لكي تتصلا بك للحصول على رقم تليفونك الذي نسيتا أن تطلباه عندما أنشأت حسابك، فإن "أمازون" منذ البداية تحصل على بياناتك الحقيقية والفعلية والقانونية، حتى رقم بطاقتك الائتمانية. ربما لا تصل بسهولة إلى الجانب العاطفي أو الثقافي لشخصيتك مثل "جوجل" أو "فيسبوك"، بل على العكس فهما تعرفان تقريبًا كل شيء عما تقرأ، وتأكل أو ما تقدِّمه هدية، ويصبح من السهل عليهما معرفة ما يدور في ذهنك.
وُلدت هذه الإمبراطورية - "أمازون" - من المواد التي تتمتع بقيمة ثقافية؛ أي الكتاب. حصلت "أمازون" على قيمتها من قيمة الكتاب، فبنت أكبر "هايبر ماركت" متخفٍّ خلف ستارة ضخمة على هيئة مكتبة.

5- لأني لا أريدهم أن يتجسسوا عليَّ في أثناء قراءتي
بدأ الأمر بمعلومة واحدة.
قرأ "بيزوس" عام 1994 أن عدد مستخدمي الشبكة العالمية يزداد بمعدل 2300% شهريًّا، فترك عمله في "وول ستريت" واتجه إلى "سياتل" وقرر أن يبيع الكتب عن طريق الإنترنت. 


منذ أن تكاثرت المعلومات وتراكمت حتى أصبحت وحشًا له أذرع، أو سحابة أو عاصفة أو كائن ما. فنحن نتحول إلى بيانات. إننا نتركها خلفنا في آلاف من العمليات اليومية التي تتقصى بصماتنا على الإنترنت، ثم تستشعرها هواتفنا المحمولة وتبثها. إننا دائمًا ما نكتب سيرتنا الذاتية في كل فعل نقوم به أو في كل ضغطة على لوحة المفاتيح. 


في يوم الكتاب العالمي الأخير، كشفت "أمازون" عن أكثر العبارات التي وضع القراء خطوطًا تحتها على جهاز "كيندل" التابعة لها. فأنت إذا قرأت على جهازك، فسوف يكتشفون كل شيء عن عادات القراءة لديك. عند أي صفحة توقفت، وأي صفحة انتهيت من قراءتها، وما سرعتك في القراءة، وأي العبارات وضعت خطًّا تحتها. لا تكمن الميزة الكبرى للكتاب المطبوع في قابليته للتنقل، أو متانته، أو استقلاليته، أو ارتباطه الوثيق بعملية تذكرنا أو تعلمنا، ولكن في حقيقة الأمر أنه غير متصل بأي شيء آخر. عندما تقرأ كتابًا مطبوعًا فإن الطاقة والمعلومات التي تبثها عيونك وأصابعك تخصك وحدك. لن يستطيع حتى أخوك الأكبر أن يتجسس عليك. لا أحد يمكنه أن يسلب هذه التجربة أو يحللها ويفسرها؛ إنها ملك لك وحدك.


لهذا السبب أطلقت "أمازون" حملتها الخيرية العالمية "صندوق كيندل للقراءة". من المفترض أنه لتشجيع القراءة في البلدان الفقيرة، ولكن الهدف منه في الواقع هو جعل جيل من العملاء يعتاد القراءة على الشاشة، ولكي يكونوا قادرين على دراستهم وأن يُدخلوا القارات الخمس في قاعدة بياناتهم. لذلك استثمرت مجموعة النشر "بلانيتا جروب" Planeta Group في كليات الإدارة والمؤسسات الجامعية والأكاديمية، وهي شركة للوسائط المتعددة تضم ما يزيد على مئة شركة، وتعد سادس أكبر مجموعة نشر في العالم. السبب في استثمارها ذاك هو أنها تريد الحفاظ على مستوى رفيع من معرفة القراءة والكتابة، لتضمن البيع في المستقبل للروايات التي فازت بجائزة "بلانيتا" Planeta، وسنرى من سيفوز. وعلى نحو خاص سنرى إذا كنا كلنا سنفوز.

6- لأنني أدافع عن البطء والسرعة في ذات الوقت، والقرب نسبيًّا من العميل
حانت لحظتنا..
استحوذت "أمازون" على كتبنا، فلنستخدم منطقها نفسه معها.
أولًا: بإقناع القرَّاء بحاجتهم إلى إيقاف الوقت، وأنهم ليسوا في حاجة إلى تحقيق رغباتهم في أسرع وقت، لأنه لو حدث ذلك، لن تكون هناك رغبة ولا أي شيء على الإطلاق. يجب أن تستمر الرغبة. ينبغي أن أذهب إلى المكتبة؛ أبحث عن الكتاب، أجده، أتصفحه، أرى إذا كانت الرغبة لها ما يبررها أم لا، ربما أترك الكتاب وأبحث عن آخر، حتى أجده أو لا أجده، فإذا لم يكن هناك، أرسل في طلبه، سيأتيني خلال 24 أو 72 ساعة، سأكون قادرًا على إلقاء نظرة عليه، وأخيرًا سأشتريه، ربما أقرأه أو لا أقرأه، وربما أدع رغبتي تهدأ لعدة أيام أو أسابيع أو شهور أو حتى سنين، سيكون في المكان الصحيح والرف المناسب، وسأتذكر دائمًا من أي مكتبة اشتريته ولماذا، لأن مكتبة بيع الكتب تعطيك ذاكرة لمشترياتك.


من ناحية أخرى، إذا اشتريت من "أمازون"، فالتجربة هي نفسها كل مرة، لأن الهالة المحيطة بكل كتاب تقرأه تصبح مشتتة وضبابية.
 

متى نتحكم في تلك الرغبة؟ ربما عندما تحين اللحظة ونتقدم خطوة إلى الأمام، لنضع قليلًا من كل شيء على الأرفف في المكتبة. دعونا لا نخاف من الخلط، فهو ما يجعلنا بشرًا. فلنضف القهوة والنبيذ إلى المكتبة، لنضع زجاجة نبيذ أرجنتينية بجانب الأعمال الكاملة لـ"بورخيس"، وأسطوانات مجموعة "مشروع جوتان"، و"أتيرنو"، وكل أفلام (فيلموغرافيا) "لوكروثيا مارتل"، والكتب التي نشرتها "إتيرنا كادينسيا"، وأسطوانات "مرسيدس سوسا"، وكتاب "الجوع" لـ"مارتين كاباروس" وثلاث سير ذاتية لـ"كارلوس جاردن" (على الرغم من أنه لم يكن أرجنتينيًّا). أو الأفضل من ذلك، دعونا ننسى الفئات القومية، لأننا كسرنا القيود الأرسطية. 

ولم تعد وحدات الزمان والمكان موجودة، ولا معنى للحدود في القرن الحادي والعشرين. دعونا ننظم الأرفف طبقًا للموضوع، دعونا نخلط الكتب بالرسوم الهزلية، والـ"سي دي" والـ"دي في دي"، الألعاب مع الخرائط، دعونا نستعر المزيج الموجود في مخازن "أمازون"، ولكن لنبدع في المعاني. خطط للقراءة والسفر. لأننا قد نعتمد على الشاشة، ولكننا لسنا أناسًا آليين. نحن نحتاج إلى المكتبات العادية حتى نستمر في رسم الخرائط لكل الأشياء البعيدة عنَّا التي تتيح لنا أن نصبح أنفسنا في هذا العالم.

7- لأنني لست ساذجًا
لا، أنا لست كذلك. أنا لست ساذجًا. أنا أتابع مسلسلات من إنتاج "أمازون". أشتري الكتب التي لا يمكنني الحصول عليها بأي طريقة أخرى على موقع "إيبرليبرو" (iberlibro.com) التابع لموقع (Abebooks) الذي اشترته "أمازون" عام 2008 إنني أبحث باستمرار عن المعلومات على "جوجل"، وأعطي دائمًا معلوماتي، التي تظهر بطريقة أو بأخرى على "فيسبوك" أيضًا.


أعلم أنهم الثلاثي الرائد في العولمة، وأعلم أنها سُنة الحياة الآن. ولكنني أومن أيضًا أنه عليَّ أن أقاوم ولو قليلًا بالمحافظة على طقوس معينة. 

بالتحدث مع مندوبي مبيعات المكتبات، وهذا له علاقة بالوقت. عندما أصفِّر وأنا أمشي من منزلي إلى المكتبة؛ فهذه الألحان هي الوحيدة التي أسمعها، وهي لا تنتمي إلى أحد آخر. أنا دائمًا أشتري الكتب المتوفرة من المكتبات مباشرة وخصوصًا المستقلة، تلك التي تربطني بها علاقة قوية. 
 

وهذا ما فعلته منذ عدة أيام. فعلى سبيل المثال، ذهبت إلى "نوليجو" (لا تقرأ)، وهي مكتبة لبيع الكتب في منطقتي، واشتريت كتاب "عن المدينة" للمعماري والمفكر "ريم كولهاس". وفي أثناء احتسائي فنجانًا من القهوة هناك، قرأت أنه "أحيانًا تُبسِّط مدينة عريقة وفريدة مثل "برشلونة" هويتها على نحو مفرط، تصبح عادية". 

أضاف وصف "شفافة" قابلة للاستبدال "مثل الشعار" وبالمناسبة، نُشر الكتاب عن طريق "جوستاف جيلي" في ذات المدينة، عندما لم يكن مكتبها الرئيس كما هو الآن.