رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سيناريوهات الأيام المقبلة بين الفلسطينيين والحكومة الجديدة فى إسرائيل

الحكومة الإسرائيلية
الحكومة الإسرائيلية الجديدة

مر الاختبار الأمنى الأول للحكومة الإسرائيلية الجديدة بسلام نسبى، بعدما فشلت «مسيرة الأعلام» فى القدس المحتلة، التى أقرتها حكومة رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، فى إحداث الاضطرابات المتوقعة منها فى الأسبوع الأول من تولى حكومة التغيير، بقيادة نفتالى بينيت، رئيس الوزراء الجديد.

ورغم التوقعات بالرد على «مسيرة الأعلام» باضطرابات واسعة فى القدس وصواريخ جديدة من قطاع غزة، إلا أن الفلسطينيين اكتفوا بإطلاق البالونات المشتعلة على مستوطنات غلاف غزة، فيما ردت إسرائيل بحذر، وقصفت مواقع عسكرية لحركة حماس الفلسطينية فى القطاع دون وقوع إصابات.

ورغم ذلك، لا تزال التوترات، التى تسمح باشتعال الأوضاع مرة أخرى، قائمة بين الجانبين، فى ظل تمسك الطرفين بمطالب لا يقبلها الطرف الآخر، مع التعويل على الجهود المصرية لضبط الأوضاع والقيام بوساطة ناجحة تسمح باستمرار الهدنة ووقف إطلاق النار بين الجانبين لأطول وقت ممكن، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.

تفاهمات التهدئة تصطدم باستمرار إغلاق المعابر وملف الأسرى.. والفصائل تضغط بـ«البالونات الحارقة»

عودة التوتر كان على رأس أولويات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فى أسبوعها الأول، بسبب مسيرة رفع الأعلام الإسرائيلية فى مدينة القدس المحتلة، التى أقرها «نتنياهو» بالتفاهم مع حلفائه من المستوطنين واليهود المتشددين، لتكون بمثابة العبوة الناسفة الأولى فى طريق الحكومة، التى تم تشكيلها رغمًا عنه.

ورغم المسيرة، التى تمت بالفعل وسط حماية الشرطة التى تولت الفصل بين المستوطنين والفلسطينيين، وتضمنت تهجمًا من المستوطنين على العرب شرقى القدس المحتلة، مع اندلاع بعض المواجهات فى محيط المسجد الأقصى- إلا أن الحادث تم احتواؤه بشكل عام.

فمن جانبها، أطلقت حركة «حماس» عدة تهديدات، لكنها استخدمت فيها لغة «أكثر ضبابية»، حسب المراقبين، من تلك التى استخدمتها فى مايو الماضى، أثناء التصعيد الأخير، مع الإشارة إلى أن «حماس»، ورغم وقف إطلاق النار الذى تم بجهود مصرية، لا تزال تمتلك أسبابًا متنوعة للغضب، من بينها تأخير تحويل المنحة المالية من قطر، واستمرار إغلاق بعض المعابر مع إسرائيل، التى تريد ربط التسهيلات بإحراز تقدم فى مسألة الأسرى والمفقودين.

وقال مراقبون إن الاختبار الجديد لحكومة التغيير سيأتى قريبًا جدًا، خاصة إذا أصرت إسرائيل على عدم تحويل المال القطرى إلى «حماس»، ولم تتراجع عن مطلبها بمنع تعاظُم قوة الحركة، مع ربط موضوع الأسرى والمفقودين بالموافقة على إعادة إعمار غزة، منوهين بأن حركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى» ستحاولان فى هذه اللحظة فرض مطالبهما على إسرائيل عبر إطلاق مزيد من الصواريخ والبالونات الحارقة ضد مستوطنات غلاف غزة.

ولفت المراقبون إلى أن «حماس» مستمرة بالفعل فى إطلاق البالونات الحارقة من القطاع نحو غلاف غزة، مع تنظيم مظاهرة صغيرة على الحدود، والتأهب لتحريك «خلايا الإزعاج الليلية»، للقيام بأعمال استفزازية على الجدار، معتبرين أن ذلك يعد خطوة لكشف النوايا وردود أفعال الحكومة الجديدة، قبل خطوة إطلاق الصواريخ.

وأشاروا إلى أن الحكومة الإسرائيلية ترى فى إطلاق البالونات أداة تحاول بها «حماس» ممارسة الضغط من أجل رفع القيود عنها، ما استدعى استعداد الجيش الإسرائيلى لسيناريوهات تصعيد أكثر خطورة فى الفترة المقبلة.

ونوهوا بأن ارتفاع وتيرة العنف سيضع الحكومة الجديدة أمام مُعضلة، خاصة بعدما أعلنت الحكومة السابقة عن السعى لترسيخ ميزان ردع جديد فى القطاع، يقوم على الرد بعنف على أى هجوم من «حماس»، خاصة أنه يأتى فى الوقت الذى لا يستطيع فيه نفتالى بينيت السماح لنفسه بالظهور بمظهر الضعيف أو المتردد تجاه أى استفزازات، وسط حصار «نتنياهو» له من مقاعد المعارضة. 

وذكروا أن وضع «بينيت» كان وراء اتخاذ قرار شنّ غارات على مواقع لمسلحين من حركة «حماس» فى قطاع غزة، بعد تعرض غلاف غزة لوابل من البالونات الحارقة. وقال عدد من المراقبين إن حكومة «بينيت» ما زالت تتمسك بالشروط الإسرائيلية لاستمرار التهدئة، كما لا تزال تعارض تدخل «حماس» فى عملية إعمار غزة، وتفرض قيودًا على مساحة الصيد المسموح بها على شواطئ القطاع، وتمنع خروج البضائع الفلسطينية عبر المعابر، ما يضغط على «حماس» للمحافظة على صمود اقتصاد القطاع، مع الأمل فى تلقى مزيد من الأموال من قطر فى وقت قريب.

وأفادوا بأن إسرائيل بادرت، فى الوقت نفسه، بتخفيف بعض القيود على خروج ودخول البضائع والبريد من وإلى قطاع غزة، بعدما سمحت بخروج الصادرات الزراعية وصادرات المنسوجات من القطاع إلى الضفة الغربية، ما يسمح نسبيًا بتخفيف التوتر.

تعويل على الجهود المصرية.. وانعدام الرغبة فى الحرب لتحجيم أى تصعيد محتمل بين الجانبين

فى خلفية المشهد المرتبك، تعوّل الحكومة الإسرائيلية الجديدة وقادة حركة «حماس» الفلسطينية على الوساطة المصرية للتصدى لأى تصعيد محتمل، رغم أن وقف إطلاق النار، الذى تم بجهود مصرية منفردة، نص على الهدوء مقابل الهدوء، دون إضافة تفاهمات أخرى حتى الآن، فى ظل الظروف السياسية وتغير الحكومة الإسرائيلية.

وقالت القناة الإسرائيلية الـ١٣، فى تقرير لها، إن وفد إسرائيل، الذى زار القاهرة الأسبوع الماضى، أبلغ «حماس»، عن طريق الوساطة المصرية، بأن استمرار إطلاق البالونات الحارقة سيعنى أن وقف إطلاق النار لن يستمر.

وحسب التقرير، فقد طلبت مصر من إسرائيل إظهار ضبط النفس، وهو ما استجابت له الحكومة الإسرائيلية الجديدة، خاصة أنها لم تبدأ عملها بشكل فعلى ولم تتحدد بعد سياستها بشأن غزة، مع الإشارة إلى أنه يمكن استئناف المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين حال المحافظة على الهدوء.

ونقلت القناة عن ضابط إسرائيلى سابق فى جهاز الاستخبارات العسكرية «أمان» قوله: «إن التوتر الأمنى القائم بين حماس وإسرائيل قد يستدعى الحاجة إلى مزيد من الجهود المصرية، مع مواصلة جهود الوساطة التى تبذلها».

كما قال إيهود يعارى، محرر الشئون العربية فى التليفزيون الإسرائيلى على «القناة الـ١٢»: «إن جولة القتال فى غزة أظهرت مصر وسيطًا وحيدًا بين إسرائيل وحماس».

وقال مراقبون إن التعويل على الوساطة المصرية يأتى جنبًا إلى جنب مع إدراك الجانبين أن قيام أى حرب جديدة ليس فى مصلحة أى منهما.

وأوضح المراقبون أن الحكومة الجديدة فى إسرائيل ترى أنه لا مصلحة فى الدخول فى جولة تبادل إطلاق نار، حتى ولو كانت قصيرة، لأنها يمكن أن تعرقل الحياة الاقتصادية وتؤدى لتضاؤل مخزون السلاح الدقيق والغالى الثمن، كما أنها ستثير انتقادات دولية، خاصة من طرف واشنطن، فى ظل سعى إدارة الرئيس الأمريكى، جو بايدن، للتهدئة فى الشرق الأوسط، كى يتفرغ لمواجهات أخرى مع الصين وروسيا.

وأفادوا بأن اهتمام إسرائيل بإنجاح الجهود المصرية يأتى أيضًا وسط رغبة فى التوصل لتسوية طويلة الأجل مع قطاع غزة، تسمح بإعادة إعمار القطاع، والتخفيف من الضائقة الحياتية لسكانه، حتى لا تنفجر الأوضاع، بسبب تفاقم الأزمات الإنسانية، ما يصعب السيطرة عليها.

وأشاروا إلى أن «حماس»، من ناحيتها، ورغم أنها ترغب فى تسويق نفسها كحامية للقدس، وأنها وحدها من تستطيع الرد عسكريًا باسم الفلسطينيين، إلا أنها تدرك جيدًا أن أى عملية جديدة لن تخدم مصالحها، خاصة أنها تحتاج لمزيد من الوقت لإعادة بناء شبكة الأنفاق الأرضية التى تدمرت فى التصعيد الأخير، وأيضًا لاستئناف عملية تصنيع الصواريخ قبل جولة جديدة من القتال. 

وأكد المراقبون أن مماطلة أى من الطرفين فى التوصل لاتفاق، أو العمل على بدء جولة جديدة من القتال سيضعهما فى مواجهة صعبة مع مصر، كما سيعرقل من عملية إعمار القطاع، مشيرين إلى أن ذلك يجعل التصعيد الجديد أمرًا مستبعدًا خلال الفترة المقبلة.