رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خالد أبو الليل يكشف علاقة المجتمع القناوي بـ«السيرة الهلالية»

السيرة الهلالية
السيرة الهلالية

صدر حديثا عن دار حروف للنشر والتوزيع  الطبعة الثانية من كتاب "السيرة الهلالية  دراسة للراوي والرواية" للباحث والأكاديمي  خالد أبو الليل . 

يقول دكتور خالد ابو الليل لـ"الدستور"، أن "السيرة الهلالية في محافظة قنا: دراسة للراوي والرواية"، هو العنوان الأصلي لهذه الدراسة .وعندما تكون الهلالية موضوعًا لإحدى الدراسات فلابد أن تستثار في أذهاننا أسئلة شتى، على رأسها سؤالان ملحان، هما: ما الذي كتب لهذا العمل المطوَّل ـ دون غيره من السير الشعبية العربية الأخرى ـ البقاء والاستمرارية لقرون طويلة حتى وقتنا الراهن؟؟. ثم ـ وهذا هو السؤال الثاني ـ كيف لهذا العمل المتسع مكانًا؛ (إذ يشمل مكان أحداثه معظم ـ إن لم يكن كل ـ أنحاء الوطن العربي آسيويًا وأفريقيًا، ودولاً أفريقية مثل "الحبشة" ـ أثيوبيا حاليًا ـ، وأخرى أوربية مثل "قبرص واليونان"، وأخرى أماكن مجهولة اكتفى الراوي بالإشارة إليها)، والممتد في زمان أحداثه (الذي يشمل أجيالاً متعددة)، وفي زمان روايته (فالرواية المدونة الواحدة تستغرق آلاف الصفحات.

كما تستغرق الرواية الشفاهية الواحدة مئات الساعات، التي قد تمتد للعام)، والمتسع ـ أيضًا ـ في أعداد شخصياته وقضاياه....، كيف لهذا العمل المتسع أن تستوعبه ذاكرة إنسان؟؟. ونظرا لأن الدراسة اتخذت من محافظة قنا مجالا جغرافيا لها، فإن هناك تساؤلا ثالثا فرض نفسه على الباحث، هو: ما خصوصية رواية السيرة الهلالية في مجتمع قنا؟.

ويضيف أبو الليل: "لقد انطلقت الدراسة من محاولة الإجابة عن التساؤل الثالث، فخصصت له فصلها الأول، وذلك من خلال دراسة العلاقة بين الهلالية والمجتمع القناوي، فلمست تلك الخصوصية على مستويات عدة، منها دورة حياة الإنسان والعادات والتقاليد والنظام القبلي والألعاب الشعبية في قنا، ومدى انعكاس تلك الظواهر الاجتماعية في السيرة الهلالية. ثم انتقلت في الفصول التالية للإجابة عن التساؤلين الآخرين.

ويشير إلى أنه "قد يثير البعض عددًا من القضايا الأخرى المهمة، حول قضية النوع الأدبي Literary genre ، والعلاقة بين الهلالية والتاريخ، ومدى اتفاق الهلالية ـ كنص أدبي شعبي ـ مع ما تنوقل في كتب التاريخ عن تاريخ هذه القبيلة وحروبها. كذلك قد تستثار قضية أسباب تعاطف الجمهور مع قبيلة بني هلال، رغم ما تناقله المؤرخون حول همجيتهم ووحشيتهم، حتى أصبحوا رمزًا للدمار والخراب، وتكفي - شاهدًا على ذلك-  وقائع الخراب التي حدثت على أيديهم في شمال أفريقيا في القرن السادس الهجري.

ويلفت أبو الليل إلى أنه "رغم كثرة هذه الأسئلة وأهميتها، فإني آثرت ـ في دراستي الحالية ـ الإجابة على الأسئلة الثلاثة السابقة، وذلك لسببين، أولهما: أن هذه القضايا التي أشرت إلى بعض منها، قام عدد من الدارسين بمعالجتها. عالجها عبد الحميد يونس في كتابه "الهلالية في التاريخ والأدب الشعبي"، ومحمد فهمي عبد اللطيف في "أبو زيد الهلالي"، وأحمد شمس الدين الحجاجي في كتابيه "مولد البطل" و "النبوءة أو قدر البطل"، وفي عدد من مقالاته، التي ركزت على السيرة، على اعتبارها ـ كنوع أدبي ـ تمثل أحد الأصول التي بزغت عنها الرواية العربية. كما عالجها فاروق خورشيد ومحمد رجب النجار في عدد من دراساتهما المتعددة، ومحمد حافظ دياب في "إبداعية الأداء"، ومحمد حسن عبد الحافظ في رسالته "روايات السيرة الهلالية في محافظة أسيوط". هذا إلى جانب معالجة عدد من الدارسين الغربيين لها، مثل ليونز ودوايت رينولدز، وسوزان سليموفيتش، وأنيتا بيكر، وبريچيت كونللى.

السبب الثاني: أن الدراسة الحالية لن تنطلق ـ بالفعل ـ من هذه الأسئلة، ولكن هذا لا يعني أنها ستتجاهلها كلية. فهي انطلقت من تساؤلات الدراسة الثلاث الرئيسية، ولكنها توقفت ـ في ثناياها ـ عند هذه القضايا، على نحو مباشر تارة، وغير مباشر تارة أخرى. أى على النحو الذي تطلبته طبيعة الدرس العلمي، دون أن يعني ذلك أن هذه  الوقفات كانت دائمًا وقفات عابرة. فالقارئ لهذه الدراسة سيتعرف على الدور الاجتماعي للسيرة الهلالية من خلال الفصلين الأول والخامس، وعلى الدور التاريخي لها في الفصل الثالث. وفصول الدراسة كلها مجتمعة ستعرفنا ـ إلى جانب الإجابة على تساؤلات الدراسة ـ على خصوصية الهلالية كنوع أدبي شعبي، من حيث الأداء والرواة (هواة ومحترفين)، والسياق الذى تؤدى فيه، والمضمون والشكل (الشعر والنثر).

ويوضح أبو  الليل " لم تنطلق هذه الدراسة ـ في تساؤلاتها ـ من فراغ، وإنما كانت هناك لبنات ارتكزت عليها، تمثل بعضها في دراسة الأمريكية "أنيتا بيكر" للنسخ المدونة، و "سوزان سليموفيتش" في "تاجر الفن"، و "دوايت رينولدز" في "الشعراء البطوليون"، وفي الإشارة السريعة ـ والمهمة ـ لعبد الرحمن الأبنودي في مقدمة أحد أجزاء "السيرة الهلالية".

ويشير أبو الليل إلى أن " الدراسة تقع في جزئين، الجزء الأول يتكون من مدخل يتضمن الدراسات السابقة، والمنهج الذي تبنته الدراسة، والدليل اللغوي لقراءة النصوص الهلالية المجموعة. كما يتضمن هذا الجزء خمسة فصول، أولها: "السيرة الهلالية والمجتمع القناوي"؛ بهدف دراسة العلاقة بين مجتمع الدراسة- محافظة قنا- والسيرة الهلالية. 

والثاني هو "العمل الميداني: الصعوبات"والمشاكل، الذي استعرض فيه المؤلف تجربته الميدانية في جمع نصوص السيرة الهلالية من قنا. 

ويدرس الفصل الثالث "السيرة الهلالية بين الهواية والاحتراف". وقد لمس هذا الفصل الاختلاف بين أداء الهلالية عند الرواة الهواة والشعراء المحترفين، وكيف أن الاختلاف بينهما لا يتمثل – فقط – في مجرد التكسب المادي الذي يتحصل عليه الشعراء المحترفون، وإنما هناك عدد من الاختلافات المهمة بينهما التي تتجاوز هذا الاختلاف الضيق، وهو ما لمسته الدراسة من خلال عدة عناصر: الرواة، النص الهلالي، الجمهور، السياق الأدائي، زمكان الرواية. 

ويدرس الفصلان الرابع والخامس "السيرة الهلالية بين المدون والشفاهي"، غير أن أولهما يدرسها على مستوى "الشعر والنثر"، فتوقف عند الأشكال الشعرية والنثرية التقليدية (مثل القصيد والزجل) والمستحدثة ( مثل استخدام الموال في روايتها، المربع) في رواية الهلالية الشفاهية، والطريقة التي يحفظ بها الرواة الهلالية، ودور الارتجال، وهنات الذاكرة، وإيقاع الشعر الهلالي وقافيته. أما الفصل الأخير فيدرس الهلالية على مستوى "الأحداث والشخصيات"، فيقارن بين الأحداث في الهلالية المدونة والشفاهية، مثل الريادة والتغريبة، كما يقارن بينهما من حيث شخصيات الأبطال، والدور الذي تلعبه المرأة فيهما وصورها المتعددة.

أما الجزء الثاني فهو بمثابة الملاحق التي يرفقها المؤلف بدراسته.