رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طرح النسخة العربية من «أسرار حميمة» في معرض القاهرة للكتاب

علاف الرواية في نسختها
علاف الرواية في نسختها العربية

صدرت عن دار العين للنشر والتوزيع٬ اليوم الأحد، النسخة العربية من رواية "أسرار حميمة"  للكاتبة القطالونية -شمال شرق إسبانيا- التي تكتب باللغة الإسبانية، نوريا أمات٬ ومن ترجمة وتقديم الدكتور طلعت شاهين. 

ويشير "شاهين" في مقدمته لترجمة الرواية: بدأت المرأة الكاتبة في إسبانيا تلعب دورًا مهمًا في الكتابة الأدبية خلال السنوات الأخيرة، وبرزت في مجال الرواية -بشكل خاص- كاتبات أصبحت أسماؤهن لا تقل شهرة عن أي كاتب من الكُتاب الذين تتداولهم أقلام النقد، مثل ألمودينا جراندي، وآنا رودريجيث فيشر، وروسا مونتيرو، ونوريا أمات، أو الشاعرة الروائية كلارا خانيس التي كانت روايتها الأكثر شهرة "رجل عدن" تدور في مناخ عربي، وكتبتها خلال زيارة لها لليمن للمشاركة في مهرجان صنعاء الشعري، كما اعتدنا على أعمالها الشعرية البارزة، وبشكل خاص ديوانها الشعري عن مجنون ليلى، تحت اسم "حجر النار"، الذي من المنتظر صدور ترجمته العربية قريبًا من المجمع الثقافي بأبو ظبي.

من الروايات التي يمكن أن نطلق عليها "الرواية النسائية" التي صدرت في الفترة الأخيرة، وجذبت الأنظار إليها بسبب إحكام نسقها، كانت رواية "أسرار حميمة" للكاتبة القطالونية -شمال شرق إسبانيا- التي تكتب باللغة الإسبانية، نوريا أمات، التي صدرت عن واحدة من أهم دور النشر في إسبانيا وأمريكا اللاتينية "الفاغوارا".

ويوضح "شاهين" “تعتبر هذه الرواية شديدة الخصوصية في موضوعها وطريقة المعالجة الفنية، إنها قصة تحكيها لنا فتاة ولدت في أحد الأحياء الراقية بمدينة برشلونة، وتحديد موقع أحداث الرواية له أهميته هنا، نظرًا إلى الصراع الدائر حاليًا في ذلك الإقليم بين اللغة الإسبانية الرسمية وبين اللغة القطالونية المحلية، التي انتشرت أخيرًا بقرار سياسي تسبب في الكثير من الجدل، تلك الفتاة تحاول أن تقص علينا ذكرياتها عبر الرواية، منطلقة من علاقتها بالكتاب والكتابة، فهي على الرغم من انتمائها إلى عائلة من الطبقة البرجوازية، فإنها متمردة بما يحمل معنى التمرد في قطالونيا من معانٍ، ومنها التمرد على الانتماء المحلي جدا الذي بدأ ينتشر بين كتاب الإقليم، حتى أصبحت اللغة السائدة للكتابة هي اللغة المحلية”.

في الوقت نفسه متمردة على أبيها، المتمرد هو أيضًا على أفكار طبقته ومجتمعه، الذي أورثها هذا التمرد من خلال حبه للكتب، لكنه كان بين رغبتين، رغبته في تمرد ابنته، ورغبته في أن تكون الابنة كما تمنى لها هو أن تكون، لأنه كان يفضل أن تكون ابنته "أمينة مكتبة" مثل ابنة عمتها، بدلا من تصديع رأسه بما تكتبه سرًّا ومحاولاتها أن تكون كاتبة محترفة، مما يخلق هذا الموقف من مشادات مع ابنته، محاولًا من ناحية اثناءها عن السير في الطريق الذي اختارته. بجانب تخوفه من رؤيتها لهذه المحاولات كضغوط يمارسها الأب عليها بسبب أنها يتيمة الأم منذ الصغر، وما يترتب على ذلك من تأثير سلبى بينهما.

تبدأ الفتاة حكايتها بتعلقها بالكتابة. لكن -تنفيذًا لرغبة الأب- تحاول أن تقلد ابنة عمتها، وتقرر أن تبدأ عملها أمينة مكتبة بالتدريب على تبويب وأرشفة مكتبة الأسرة التي توجد في البيت، ثم تقبل العمل بعد ذلك في مكتبة الجامعة التي تعمل فيها ابنة عمتها التي كانت تعتبرها الأسرة مثالًا على الفتاة الذكية.
لكن تعلق بطلة رواية "أسرار حميمة" بالكتابة يجعلها تكتشف أنها ليست من كارهى هذه المهنة فحسب، بل تتخيل أن كل "أمناء المكتبات" أعداء للكتب والكتابة. وتحاول أن تقنع نفسها بهذه الفكرة من خلال مراقبة زملائها وزميلاتها في العمل، وكيفية معاملتهم للكتاب. والقلق الذي كان يصيبهم عندما يلتقون بكاتب أو بشخص يدعي أنه يعمل في مجال الكتابة. وقد يصل بها الأمر إلى إعلانها عن هوايتها الكتابة لتحصل بالمقابل على عدائهم لها. وبالتالي تجد مبررًا لتركها هذا المكان الممتلئ بالكتب التي تعشقها، لكنها تكرهه بسبب العاملين به.

ــ كيف استطاعت بطلة "أسرار حميمة" إقناع والدها بممارسة الكتابة
تعلقها بالأدب الأجنبي هو تمردها الآخر الذي تبوح به بين الأسطر، وعشقها لكُتاب مثل تشارلز ديكنز وتشالوت برونتي. بينما تشير أحيانا إلى أكبر شعراء اللغة القطالونية "جوزيب فويس"، والذي كان مرشحًا لنيل جائزة نوبل للآداب. كانت تلتقي به بشكل شبه يومي، لأنه كان يمتلك محلًا لتصنيع وبيع الحلوى بالقرب من بيتها. وكانت من عاداته السير ما بين بيته ومحل الحلوى على الأقدام كأنها نزهة محببة إلى نفسه. 
يخضع الأب على مضض لرغبة ابنته في الكتابة، لكنه يحاول أن ينسى تلك الرغبة في احتساء كئوس النبيذ حتى فقد الوعي. مما يجعل بطلة الرواية تشعر بعقدة الذنب عندما يمرض الأب ويموت. وتتعامل مع هذه النهاية باعتبارها هي السبب في موته.

خلال رحلة بطلة "أسرار حميمة" مع الكتب والكتابة ورفضها الإفصاح عن أعمالها التي أبدعتها، تمزج مواقف واقعية مع مواقف متخيلة فيما يشبه التركيب السريالي. تقيم علاقات مدهشة وغريبة وشاذة مع شخصيات غير واقعية، منها تخيلها لواقعة زواجها من "بدرو بارامو" بطل رواية الكاتب المكسيكي "خوان رولفو"، التي تحمل اسم البطل عنوانًا. وتعتبر من أبرز الروايات التي أبدعها الكاتب المكسيكي، بل تعتبر روايته الوحيدة التي نال عنها الشهرة التي حظي بها. بعدها لم يعد إلى كتابة الرواية مكتفيًا بكتابة بعض القصص القصيرة. وربما كانت علاقتها المتخيلة ببطل الرواية، نابعة من الدور الذي لعبه في رواية خوان رولفو والمناخ المأساوي المحيط به الذي تحاول إسقاطه على مأساتها الخاصة بعد موت الأب.
لكن البطلة سرعان ما تتخلى عن "زوجها المتخيل" بدرو بارامو، لتعيش قصة حب مع "كارلس ريبا" الجراح عاشق الكتب والشعر. كما أنه ابن الطبيب النفسي الذي يمتلك "مستشفى المجاذيب" النفسي القريب من بيتها. وقد حاولت اقتحامه عدة مرات لتتعرف على ساكنيه، لأنه يشبه فندقًا فاخرًا. لم تتخيل أن نزلائه من المرضى، بل من الأثرياء الذين قرروا قضاء سنواتهم الأخيرة في راحة واستجمام بعيدًا عن ضجيج الحياة وضجرها.
لكن علاقتها بالجرَّاح الشاب لم تبدأ وتتطور بشكل طبيعي، مثل العلاقات الرومانسية الكلاسيكية التي تحدث في الواقع. أو تلك التي تتناولها الروايات وكتب الشعر والحب. وجدته فجأة إلى جوارها في الوقت الذي كانت تتخيل فيه حديثًا مع زوجها المتخيل "بدرو بارامو". الطبيب الشاب فاجئها بدعوة لتناول فنجان قهوة، في مكان غير موجود. عندما يعثران على ذلك المكان المتخيل، في أثناء حديثه عن الكتب وعشقه للقراءة، يطلب منها الزواج دون تقديم مبرر لهذا الطلب، وتقبل هي من منطلق التعرف على أسرته والمستشفى الذي يملكه أبوه. كان شيئا في نفسها يدفعها إلى تجربة حياة هؤلاء الأثرياء الذين يسكنون المستشفى، كأنهم يسكنون فندقًا من الدرجة الأولى.

ــبطل مجهول يرافق الكاتبة فمن هو ؟
في الرواية بطل مجهول يرافق البطلة كظلها، إنه "صوت" يحادثها وتحادثه، وكثيرًا ما يدفع بها إلى الطريق الذي اختارته عندما تقرر النزول عند رغبة الأب، أو تقليد ابنة عمتها. هذا الصوت ليس إلا "عقلها الباطن"، الذي يشبه الحارس الذي يدفعها باتجاه ما تحلم به، وليس بما هو ممكن في الحياة. تحاول الكاتبة من خلال استغلال وجود "الصوت" أن تكسر حدة "المنولوج" الذي يمكن للبطلة أن تقع فيه خلال حديثها عما تريد وما لا تريد، لذلك يكون حوارها مع "الصوت" عبر "ديالوج" يكسر هذه الحدة، ويعبر عن رأي الكاتبة في النهاية.

على الرغم من هذا، فإن رواية "أسرار حميمة" تعتبر "منولوجًا" رائعًا عن الحياة والموت وتجاورهما أحيانا. وامتزاجهما في أحيان كثيرة. رواية عن عشق القراءة والكتابة. رواية فريدة في الأدب الإسباني الحديث، تكشف عن تخطي هذا الأدب الأزمة التي وجد نفسه محاصرا بداخلها خلال فترة انتشار الواقعية السحرية في الرواية الأمريكية اللاتينية.
 

90505132_10221546568557304_8319112749091127296_n
90505132_10221546568557304_8319112749091127296_n