رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: شفرة 30 يونيو «5».. 100 حكاية من قلب ثورة المصريين على الجماعة الإرهابية

محمد الباز
محمد الباز

 

الحكاية «21» فريق أبوالفتوح لياسر برهامى: القيادة الحالية للإخوان تستبطن تكفير المجتمع وتُبيح الجهاد ضده

ربطتْ بين جماعة الإخوان الإرهابية وحزب النور مواقف عديدة، وحكايات أعتقد أنها تستحق أن تُروى، وهى الحكايات التى ذكرها ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية، فى سلسلة من المقالات نشرها على موقعه «صوت السلف»، وهى المقالات التى يمكننا اعتبارها، تجاوزًا، جزءًا من مذكراته الشخصية. 

ما يجعلنى أثق فى حكايات ياسر برهامى أنه نشرها والشهود عليها لا يزالون أحياء، ومبلغ علمى أن أحدًا لم يخرج عليه أو يكذبه، بل اكتفت لجان الإخوان الإلكترونية بتشويهه، والإساءة إليه، والتعامل معه على أنه خان الجماعة. 

كانت الجماعة السلفية قد استقرت على عبدالمنعم أبوالفتوح ليكون مرشحها فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التى عقدت فى العام ٢٠١٢، وهو ما لم يعجب جماعة الإخوان التى كانت تعرف القوة الحقيقية للإخوان فى الشارع. 

اختارت الجماعة السلفية عبدالمنعم أبوالفتوح فرارًا من التمكين لجماعة الإخوان إذا اختارت محمد مرسى، وهو الذى فى رقبته بيعة للمرشد، ولا ترى الجماعة حل هذه البيعة حتى لو صار مرسى رئيسًا للجمهورية. 

ذهب خيرت الشاطر إلى الإسكندرية ومعه عدد من قادة الإخوان، أهمهم كان عبدالرحمن البر، الذى تعتبره الجماعة مفتيها، وقبل أن يتحدث الشاطر مع برهامى، واجه نائب الدعوة السلفية بما يأخذونه على الإخوان، وهو أن فى رقبة مرسى بيعةً. 

قال له: إن هناك تعارضًا خطيرًا لا بد من حله قبل أن نقبل بتأييد فرد من الجماعة فى الرئاسة، لأننا لا نريد ولا نقبل بيعة المرشد. 

لم يرد خيرت الشاطر على مأخذ برهامى، ربما لأن بضاعته فى الفقه زهيدة، اكتفى بأن دفع بعبدالرحمن البر، ليتحدث. 

يصف برهامى ما حدث بأن البر ظل يجادل مجادلة شديدة فى عدم التعارض، وأنها مثل أن الدكتور بديع عضو نقابة البيطريين تحت رئاسة فرد آخر، وهو المرشد فى الوقت نفسه، فلا تعارض. 

رد عليه ياسر برهامى قائلًا: فرق كبير لأن رئاسة الجمهورية تختلف قطعًا. 

وجد الشاطر أن ياسر برهامى يصر على موقفه، فأنهى المناقشة بأن أقر بالتعارض، وقال للموجودين: نحن لم نبحث هذه المسألة من قبل وسوف نبحثها. 

لم يترك برهامى الشاطر ليفكر كثيرًا. 

قال له: سوف أقترح عليك أحد حلين، إما أن يرد المرشد للمرشح الرئاسى بيعته، أو أن يكفر المرشح عن يمينه، لأن البيعة الخاصة أقصاها أن تكون بمنزلة اليمين، يكفى التحلل منها كفارة اليمين. 

رفض الشاطر الاقتراح الثانى، وهو أن يكفر المرشح عن يمينه لأن هذا كفيل بهدم الجماعة تمامًا، وقبِل على مضض وكنوع من المراوغة الاقتراح الأول وهو أن يرد المرشد على المرشح بيعته، وقد اكتشف برهامى أن قبول الشاطر بما قاله كان شكليًا فقط. 

انصرف وفد الإخوان وجلس رجال الدعوة السلفية مع فريق أبوالفتوح ليتعرفوا على برنامجهم الانتخابى، وكانت المفاجأة أن أحدهم قال لبرهامى إن القيادة الحالية للإخوان تستبطن تكفير المجتمع وتُبيح الجهاد ضده. 

استنكر ياسر برهامى ما قيل له، وواجه فريق أبوالفتوح بقوله: هل تقولون ذلك من أجل أنكم طُردتم من الجماعة؟، لكنهم أنكروا ذلك تمامًا وأكدوا ما ذهبوا إليه. 

ظل ياسر برهامى يستنكر ما قاله فريق أبوالفتوح عن القيادة الحالية للإخوان، إلى أن وقعت الوقائع وتبينت الحقائق، وظهر الخطاب التكفيرى العنيف الذى يرش بالدم من يرش مرسى بالماء، وأن قتلاهم فى الجنة وقتلى غيرهم فى النار. 

الحكاية «22» مرسى يعِد السلفيين بدعم مرشحهم فى انتخابات البرلمان.. ثم يتحالف لإسقاطه

كان خطاب جماعة الإخوان المعلن شيئًا مختلفًا تمامًا عن خطابها الخفى، أو الخطاب العملى الذى تطبقه على الأرض، وقد عانى كل من تحالف مع الجماعة من هذه الازدواجية، ولم يسلم منها حتى حزب النور، الذى حاول التنسيق مع الجماعة فى مراحل مختلفة. 

فقبل انتخابات مجلس الشعب الأولى التى جرت وقائعها فى آخر ٢٠١١، قام حزب النور بالتنسيق مع حزب الحرية والعدالة، وذلك كما كان يرى الحزب وقتها لمحاولة وضع ضوابط لعدم التنافس المذموم، ومحاولة ترك بعض الدوائر لمن يرونه مطلوبًا وجوده فى مجلس الشعب من الإخوان أو السلفيين. 

تحدث ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، إلى محمد مرسى الذى كان وقتها رئيسًا لحزب الحرية والعدالة والمسئول عن الملف السياسى داخل الجماعة، وحاول أن يصل معه إلى صيغة من التنسيق الذى يقره الطرفان، لكن مرسى رد على برهامى بقوله: «it is too late!». 

قالها محمد مرسى بإنجليزيته التى نعرفها عنه، وقبل أن يفيق ياسر برهامى من الصدمة، وجد محمد مرسى يقول له: لقد جئتم متأخرين جدًا، لقد نسقنا مع كل الأحزاب والقوى الليبرالية المتحالفة معنا، ولا نستطيع أن نعدكم بشىء. 

لم ييأس ياسر برهامى، اقترح على محمد مرسى مساندة المهندس عبدالمنعم الشحات، لأن الدعوة السلفية ترى أنه مناسب، ووجوده فى مجلس الشعب فيه مصلحة للجميع كما قال، ورغم أن مرسى وعد برهامى بمساندة الشحات وأنهم سينتخبونه، فإن الإخوان فعلوا عكس ذلك تمامًا، بل تحالفوا على إسقاطه، وتم التزوير بالطرق الخفية، التى لم يكن يعلمها السلفيون، لإفشاله فى انتخابات الإعادة. 

الحكاية «23» مكالمة منتصف الليل تكشف خطة الإخوان لتأسيس حرس ثورى لحماية مرسى

من بين ما كانت تخطط له جماعة الإخوان الإرهابية، أثناء وجودها فى الحكم، إيجاد بديل عن المؤسسة الرسمية المسئولة عن حماية الرئيس، كانت تريد استبدال الحرس الجمهورى بهيئة أقرب ما تكون إلى الحرس الثورى الإيرانى. 

ذات ليلة اتصل عصام دربالة، القيادى بالجماعة الإسلامية المتحالفة مع جماعة الإخوان الإرهابية، بياسر برهامى، بعد أن اشتدت مظاهرات واعتصامات المعارضين لمحمد مرسى، وقال له: لدينا معلومات أن اقتحام القصر الجمهورى سيكون خلال ساعات، وأنه يلزم حضور جميع الإخوة الليلة أو غدًا على الأكثر حتى نكون جميعًا أمام القصر لكى نحمى الرئيس، مع ضرورة أن يكون هناك مكان بديل لتأمينه، وأنه يلزم أن تكون الأعداد حول القصر تصل إلى مليون شخص لردع أى محاولة للاقتحام. 

طلب عصام دربالة من ياسر برهامى أن يحضر كل أبناء الدعوة السلفية وحزب النور وبقوة أمام القصر الجمهورى وخلال ساعات ودون إبطاء. 

كان ياسر برهامى صامتًا طوال الوقت الذى يتحدث فيه عصام دربالة، واكتفى بأن تعجب من طريقة التفكير، ومن طريقة توصيل المعلومات، هذا إذا كانت المعلومات صحيحة، ثم كيف يتولى عصام دربالة التنسيق والطلب الذى بدا وكأنه أمر، وما هى الصفة التى يتحدث بها؟ 

بعد أن أنهى عصام دربالة كلامه، قال له ياسر برهامى: إن هناك جهات مسئولة- كالمخابرات والحرس الجمهورى وقوات الجيش- حتى لو حدث تقصير من الداخلية، فهذه القوات الرسمية كافية، وهى المسئولة عن حماية الرئيس والقصر الجمهورى، ثم إن الرئاسة لم تطلب منّا ذلك، وأنا فى الحقيقة أستبعد صحة المعلومة التى ذكرتها، ولا أستطيع أن أطلب من الإخوة التحرك بهذه السرعة فى هذا الوقت من الليل، وبهذه الأعداد لمجرد احتمال لا ندرى مدى صحته ولا ندرى عواقبه. 

رفض ياسر برهامى المشاركة برجال الدعوة السلفية فى حماية القصر الجمهورى كما طلب منه عصام دربالة، وتواصل مع أعضاء مجلس إدارة الدعوة السلفية واتفقوا على صحة الرفض الذى سبق وأبلغ به عصام دربالة بشكل صريح. 

ما قاله عصام دربالة كشف له عن نية الإخوان تشكيل حرس خاص لمرسى بعيدًا عن المؤسسات الرسمية، وهو ما تم تكليف الجماعة الإسلامية به، وهو ما تم كشفه إعلاميًا، لكن قيام ثورة ٣٠ يونيو هو ما حمى مصر من هذه المحاولة التى كانت تريد بها الجماعة الإرهابية تقويض دور مؤسسات الدولة الأمنية. 

الحكاية «24» الدعوة السلفية لمكتب الإرشاد: لن تتمكنوا من حكم بلد تُعادون فيه الجميع

ظلت اللقاءات التى تجمع بين قادة مكتب الإرشاد وأعضاء مجلس إدارة الدعوة السلفية بالإسكندرية تتم فى القاهرة، وعندما بدأت الأحداث تتسارع على الأرض ضد الإخوان، وظهرت حركة «تمرد» للنور، دعا مكتب الإرشاد إلى لقاء عاجل مع الدعوة السلفية فى القاهرة. 

ولأول مرة يتمنع أعضاء الدعوة السلفية عن الاجتماع، وحاولوا أن يعطلوه، فأخبروا أعضاء مكتب الإرشاد بأنهم كانوا يطالبونهم برد الزيارة، وكانت المفاجأة أن مكتب الإرشاد قبِل الدعوة، وأخبروهم بقدومهم بوفد كبير إلى الإسكندرية. 

يصف ياسر برهامى خلفية الأحداث بقوله: كانت الأمور على الأرض فى طول البلاد وعرضها تتطور كل يوم من سيئ إلى أسوأ، بعد أن حققت تحركات حركة تمرد تفاعلًا كبيرًا فى الشارع المصرى لمسناه بأنفسنا، وتفاقمت مشاكل الانقطاع اليومى للكهرباء ولساعات طويلة، وأصبح من الأمور المعتادة أن تطول طوابير انتظار السيارات على محطات الوقود إلى أكثر من كيلومتر تنتظر نحو عدة ساعات وذلك لنقص الوقود، وقد تضاعف السخط الشعبى على الجماعة والرئاسة التابعة لها. 

كان على رأس وفد مكتب الإرشاد الذى وصل إلى الإسكندرية محمود عزت ومحمود حسين ومحمود غزلان وإبراهيم حسين، ومن الدعوة السلفية حضر الاجتماع الشيخ محمد عبدالفتاح، الملقب بأبى إدريس، وياسر برهامى وعدد من أعضاء مجلس الإدارة. 

كانت الرسالة الأساسية التى حملها وفد عزت للدعوة السلفية هى: لقد أتيناكم بمن يتخذون القرار داخل مكتب الإرشاد، فقولوا ما تشاءون. 

بدأ محمود عزت الكلام بقوله: نحن لم نحضر إليكم من أجل ٣٠ يونيو ولا غيرها، ولا التطورات السياسية، ولكن حضرنا من أجل تأكيد الأخوة فى الله. 

فرد ياسر برهامى عليه: نحن أيضًا نحرص على الأخوة فى الله، ولكن الوضع السياسى فى البلاد يحتاج إلى مراجعة ومناقشة ومناصحة. 

كان أعضاء الدعوة السلفية قد أعدوا ورقة بتكليف من مجلس الإدارة، تتضمن النقاط الأساسية التى لا بد من مراعاتها لتجنب الزلزال المتوقع فى ٣٠ يونيو، وكان مجلس إدارة الدعوة السلفية قد قرر عدم المشاركة فى المظاهرات مع أو ضد الإخوان، بحجة الخوف من سفك الدماء وحصول الاضطراب والفوضى فى البلاد، كما أعلنوا. 

لم يكن هذا هو الموقف النهائى للدعوة السلفية، فقد كانوا ينتظرون صدور بيان من القوات المسلحة يحدد موقفها من الأحداث، حتى تأخذ الدعوة السلفية موقفها النهائى. 

كان كلام محمود عزت مخيبًا لظن أعضاء الدعوة السلفية، ومع ذلك أصروا على طرح الورقة التى قاموا بإعدادها للطرح على وفد مكتب الإرشاد. 

كانت ورقة الدعوة السلفية تتضمن النقاط التالية: 

أولًا: ضرورة تغيير الخطاب التكفيرى العنيف الذى صار مستعملًا فى معظم فعاليات الجماعة ومن مؤيديها، واللقاءات الإعلامية لقياداتها وممثليها، لأن هذا الخطاب يؤدى إلى السقوط أضعاف عدم السقوط. 

علق محمود عزت على هذه النقطة بقوله: هذا الخطاب ليس خطابنا، فمحمد عبدالمقصود سلفى مثلكم، كلموه أنتم، وعاصم عبدالماجد من الجماعة الإسلامية وليس من الإخوان، وصفوت حجازى ليس من الإخوان وإنما هو تبع مجلس أمناء الثورة. 

رد عليه ياسر برهامى: وماذا تقول فى محمد البلتاجى.. أليس البلتاجى منكم؟ 

فرد عزت: البلتاجى غير ملتزم ولا يسمع الكلام. 

كان كلام عزت غريبًا بالنسبة لأعضاء الدعوة السلفية، لأنهم كانوا يعلمون جميعًا أن منصات الإخوان والقنوات التى يديرونها هم الذين يتحكمون فيها تمامًا، ولا يتكلم أحد إلا بما يريدون، ولو أرادوا منع ذلك لمنعوه. 

ثانيًا: ضرورة تغيير الحكومة لعدم قدرتها وقدرة رئيس الوزراء هشام قنديل على إدارة الأزمة. 

ثالثًا: لا بد من عدم الاستئثار بالسلطة، ولا بد من عدم تعيين أى محافظ إخوانى فى حركة المحافظين لتلافى السخط الشعبى. 

لم يستجب الإخوان لنصيحة الدعوة السلفية، ويعلق ياسر برهامى على ذلك بقوله: للأسف فى آخر ذلك اليوم كانت قد صدرت حركة المحافظين، وكان جميع الجدد من الإخوان، كأنهم لا يدركون بالمرة مدى السخط الشعبى- بل ومن كل مؤسسات الدولة- على هذا الأسلوب. 

رابعًا: لا بد أن يعرف الإخوان أن من يتظاهرون ضد الإخوان ليسوا جميعًا يحاربون الإسلام، فهناك فى الخارج والداخل من يحاربون الإسلام، ولكن ليس كل من خرج يطالب بمطالب اقتصادية وحياتية يحارب الإسلام. 

رفض محمود عزت هذا الطرح، وقال: بلى إنهم جميعًا يحاربون الإسلام. 

فرد عليه ياسر برهامى: لا شك أن هناك من يكره الإسلام، وهناك فى الخارج والداخل من يحاربون الإسلام، ولكن ليس كل من يطالب بحقه يريد النيل من الإسلام. 

خامسًا: لا بد أن يدرك الإخوان أن العداوة مع أجهزة الدولة والقوى الموجودة فى المجتمع لا يمكن أن تحقق نجاحًا، فالنزاع والعداوة صارا مع أجهزة القضاء والشرطة والمخابرات ورجال المال والأعمال والدولة العميقة والقوى السياسية المختلفة. 

حتى هذا الوقت- كما يقول برهامى- لم يكن قد ظهر للدعوة السلفية أن العداوة وصلت أيضًا إلى القوات المسلحة، بل كانوا يعتمدون على ما قاله محمد مرسى فى لقاء سابق معهم من أن العلاقة مع القوات المسلحة ممتازة بل فوق الممتازة. 

قال برهامى لأعضاء مكتب الإرشاد: لقد توسعت العداوة حتى أصبحت مع كل قطاعات المجتمع، وهذا لم يفعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، قط فى سيرته. 

رد عليه محمود عزت بقوله: نحن نتوكل على الله وننتظر المدد من السماء. 

فقال برهامى: والتوكل على الله لا ينافى الأخذ بالأسباب، ولا يمكن أن نتمكن من قيادة بلد نعادى كل من فيه. 

انتهى هذا الاجتماع إلى لا شىء على الإطلاق. 

ويضيف ياسر برهامى: فى الأسبوع التالى لهذا الاجتماع تمت الدعوة لمليونية رابعة العدوية، وبدأ الاعتصام المأساوى الذى أدى إلى ضرب الحركة الإسلامية بجراح غائرة حاولنا منعها بجهود كثيرة ومستمرة، ولكن سبق القدر مِن الله بهذه الجراح.

الحكاية «25» إخوانى للدعوة السلفية: الجماعة أقرب إليكم فلا تتركوها وحدها

بعد أن خرج الملايين فى مظاهرات ٣٠ يونيو، وتأكدت الدعوة السلفية أن الحشد هائل، وأن ما يردده الإخوان عن أن الأعداد التى خرجت ليست بالملايين مجرد كلام دعائى، وهو ما عرفوه من السلفيين فى المحافظات المختلفة، قررت الدعوة أن تصدر بيانًا تطالب محمد مرسى فيه بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة لتلافى الحرب الأهلية، واستجابة لرغبة الملايين التى خرجت. 

بعد أن انتهى ياسر برهامى من كتابة البيان قرر أن يعود إلى منزله، وكانت الساعة قد تجاوزت الواحدة من صباح يوم ١ يوليو ٢٠١٣، وقبل أن يدخل منزله، فوجئ بالأخ الذى كان ضمن فريق عبدالمنعم أبوالفتوح، وجلس معه أثناء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٢، ينتظره على محطة الأتوبيس القريبة من بيته. 

كان هذا الأخ هو نفسه الذى أخبر برهامى بأن القيادة الحالية للإخوان تستبطن تكفير المجتمع وتبيح الجهاد ضده. 

طلب الأخ، الذى كان يؤيد أبوالفتوح وانتقل إلى تأييد الإخوان، من ياسر برهامى أن يجلس إلى جواره، ولما جلس وجده يقول له: الإخوان أقرب إليكم من كل أحد، فلا تتركوهم فى هذا الموقف. 

فرد عليه برهامى: ألم تقل لى- منذ سنة تقريبًا- إن القيادة الحالية للإخوان تستبطن تكفير المجتمع والجهاد ضده؟ 

قال: للأسف هذه هى الحقيقة، ولكنهم أيضًا أقرب إليكم من غيرهم. 

فرد برهامى: لا.. بل عامة الناس ومنهم الجيش والشرطة أقرب إلينا ممن يكفر المجتمع ويرى القتال ضده. 

الحكاية «26» ياسر برهامى يرفض الذهاب إلى رابعة: لو شافونى هناك هيقتلونى

بينما كان ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، يعتكف فى مسجد الخلفاء الراشدين فى شهر رمضان، كان يستمع إلى أن المعتصمين فى رابعة يفتون بأن الاعتكاف فى رابعة أفضل من الاعتكاف فى المسجد الحرام. 

قابله وقتها أحد زملائه الأطباء، كان معه فى الكلية، وقال له إن الإخوان أدركوا أنه من الصعب جدًا عودة محمد مرسى وعودة الدستور، وأنهم يبحثون عن حل سياسى للأزمة التى وجدوا أنفسهم فيها، فإن كانت لا تزال هناك فرصة للتواصل والحل، فليُسهِم فى ذلك. 

تحدث برهامى مع صديقه كثيرًا فى قضية المفاسد والمصالح، وقال له إن سلوك الإخوان هذه المرة ليس كسلوكهم طيلة عدة عقود من الزمان منذ خرجوا من سجون عبدالناصر، وحين تواجدوا فى المشهد السياسى، وتكلم معه عن الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة فى مراعاة المصالح والمفاسد وموازنات القدرة والعجز. 

فاجأ الصديق ياسر برهامى بقوله: لِمَ لا تأتى لتقول هاتين الكلمتين الحلوين على منصة رابعة؟ 

فتح السؤال حوارًا بين برهامى وصديقه. 

برهامى: أتريد أن أقتل؟ إن كثيرًا من أو أكثر من فى الاعتصام يكفروننى أو يحكمون علىّ بالنفاق والخيانة. 

الصديق: الحقيقة أن الأكثر يرونك كذلك. 

برهامى: إذا كنت تريد أن أقول هاتين الكلمتين فابدأ بتغيير الخطاب المستعمل على المنصة بدلًا من التكفير والتخوين، كلم الناس أن المسألة اجتهادية وأن المخالف- أعنى نحن- مجتهدون مخطئون، وعندما يستقر فى نفوس الناس ذلك أحضر أنا هناك أدافع عن وجهة نظرى، وأقنعهم بأن اجتهادى هو الصواب وليس الخطأ، لكن مع استعمال العاطفة المؤججة بكلام أمثال عاصم عبدالماجد ومحمد عبدالمقصود وفوزى السعيد فلا يمكن أن يسمع كلامى أحد. 

الصديق: وهل تظن أننا لو أمرنا الناس بالانصراف سينصرفون. لن ينصرفوا لمجرد الطلب. 

برهامى: إن السبب فى ذلك هو طريقة الخطاب المستعمل أيضًا، فإذا غيرتم الخطاب تغيرت المواقف، ولكن على أى حال ما هو الحل السياسى الذى تراه؟ 

الصديق: مبادرة الدكتور سليم العوا. 

«كان سليم العوا قد طرح مبادرة للخروج من المأزق بأن يخرج الدكتور مرسى ويعلن تفويضه لشخصية يُتفق عليها لصلاحيات رئيس الدولة إلى أن تتم انتخابات رئاسية جديدة وفقًا للدستور الذى تم إيقاف العمل به». 

برهامى: هذا المطلب فى ظل بقاء الدستور معناه أنك تطلب من الناس أن يسلموا أنفسهم لأعواد المشانق أو السجن، فإن من يعطى التفويض فى ظل الدستور يمكنه إلغاءه فى أى لحظة بمجرد أن يتمكن، هل تتصور أن يقبل الطرف الآخر- بعد ما تمكن واستقر له الأمر- أن تعيده إلى نقطة البداية، أو أن يكون تحت رحمة تفويض يمكن إلغاؤه فى أى لحظة؟ 

الصديق: فماذا ترى من حل سياسى؟ 

برهامى: لو تم الاتفاق على شخصية يتم منح التفويض لها يكون ذلك مقترنًا بإعلان الاستقالة من الدكتور مرسى، فلا يصبح رئيسًا بعد التفويض، فلا يمكنه إلغاءه، فتعطى للطرف الآخر احتمالية التفكير فى الأمر. 

الصديق: أعطنى فرصة حتى نسأل مكتب الإرشاد.. هل يوافقون على هذا التعديل أم لا؟ 

ذهب صديق برهامى دون أن يعود إليه مرة أخرى بأى رد.. وكان هذا طبيعيًا جدًا. 

غدًا.. حكايات جديدة