رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يحيا الراديو.. بعد مرور 87 عامًا

في عيد الإذاعة المصرية، الذي يوافق آخر مايو 34، وهو التاريخ الرسمي لبث الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية بعد نحو تسع سنوات سبقته من عمل الإذاعات الأهلية، يتبارى الكتاب في ذكر ما للراديو من فضل على مجتمعاتهم بل وعليهم شخصيا. وتنتعش الذاكرة بأسماء أشخاص صنعوا لأنفسهم موضعا في القلوب، بأن رسموا البسمة على الشفاة، والوعي في العقول، و وجهوا الرأي العام نحو توجهات الوطن في مراحل عديدة بدأت منذ عهد الاحتلال مرورا بحقب كثيرة عاصرها الوطن بين ملكية وجمهورية وثورية وحتى مرحلة تثبيت الجمهورية، وصولًا إلى مرحلة الاستقرار التي نتهيأ فيها لتأسيس الجمهورية الثالثة. ووثق الراديو تقلبات عاشها الوطن ومواطنوه بين حرب وسلام وثورة وبناء وتقشف ونماء.
     في كل تلك المراحل -المبهجة أحيانًا والعصيبة أحيانًا كثيرة - كان الراديو هو ترجمان الوطن، حكامًا ومحكومين وكان كذلك هو بيت المبدعين وحاضنتهم الشرعية، وكان هو المحرض على الإبداع ومنصته واسعة الانتشار. وعلى الرغم مما قد يكون قد تعرض له الإعلام الرسمي المرئي من انتقادات مؤخرا، فقد ظل الراديو محافظا على رسالته بأن من الله عليه دائمًا بمواهب يشهد لهم كانت لديهم القدرة على ضبط الإيقاع وتصحيح المسار وتقديم ما يبهج ويفيد ويمتع.
    لم أستدرج أبدًا لهذا الجدل المتكرر حين يطرح السؤال الذي أكرهه ويردده البعض من غير ذوي الرؤية. إذ اعتاد البعض في مثل هذه المناسبة التي نحتفل بها على ترديد سؤال ساذج مفاده: وهل الراديو قادر على المنافسة؟ وهل يمكنه الاستمرار؟ وهنا أحيل السؤال للقارئ العزيز ليجيب على السؤال بنفسه. غير أن السؤال ينبغي-فيما أرى- أن يعدل إلى البحث في نسبة تفاعل الشباب مع الخدمة الإذاعية المقدمة، وإلى أي مدى تلبي هذه الخدمة تطلعاتهم؟  
   كنت وسأبقى ما حييت ممن يرفعون شعار "دع ألف زهرة تتفتح"، لهذا لم أكن أؤيد من يقول: "ولم كل هذا العدد من القنوات الإعلامية عامة والإذاعية منها خاصة؟" فالسوق متسعة ورحبة وقادرة على استيعاب المزيد، لا سيما في وطن بحجم مصر، بلغ تعداد سكانه من الملايين ما تجاوز المائة مليون نسمة، علاوة على ما يتمتع به هذا الوطن من زخم ثقافي وإرث حضاري ووفرة إبداعية تستوعب المزيد من المنصات الإعلامية. لكن تحفظي دائما، كان ولا يزال، هو أن تكون للخدمة الإذاعية هوية واضحة تجعلها في منأى عن التشابه والتكرار وتكون لها شخصية في الرسالة التي تحملها لمستمعيها واللغة التي تخاطب بها جمهورها، وهو الأمر الدي نجحت فيه إلى حد كبير بعض الإذاعات الحكومية، بينما تشابهت غيرها في كل شيء روحًا وأداء ورسالة.
    وبعد، فكل التهاني نقدمها للعاملين في وسيلة إعلامية أضافت لمجتمعنا وأشخاصنا فشكلت وجداننا، وترجمت أفكارنا وهذبت مفرداتنا وصنعت شخصياتنا. وتحية لكل من خدم خلف الميكروفون من أصحاب الفكر وصناع الوجدان.