رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

استعمال «الإخوان» فى سنغافورة!

 

برنامج «إعادة تأهيل المتطرفين»، الذى تقوم سنغافورة بتطبيقه، منذ ١٨ سنة، مهدد بالفشل، بعد أن قرر مستعملو «جماعة الإخوان» إرسال قادتها إلى هناك. إذ تقول معلومات، شبه مؤكدة، إنهم بدأوا تصفية استثماراتهم فى تركيا وفى عدة دول أوروبية، تمهيدًا للانتقال إلى تايلاند، ماليزيا، إندونيسيا، و... و... وكان عجيبًا وغريبًا أن تنضم سنغافورة إلى قائمة الملاذات أو الجحور، مع أنها أغلى مكان فى العالم، ومقصد الأكثر ثراءً على وجه الأرض.

جزيرة صغيرة، فى جنوب شرق آسيا تخلصت من الاحتلال البريطانى، سنة ١٩٦٣، وانضمت إلى الاتحاد الماليزى، الذى طردها، سنة ١٩٦٥، بسبب قلة مواردها، والصراعات الداخلية على أساس عِرقى. وعليه، أعلنت سنغافورة عن استقلالها وانضمت إلى الأمم المتحدة، واقتربت من حركة «عدم الانحياز»، الذى قادتها مصر والهند ويوغسلافيا، وبدأت مسيرة نهضتها التى قادها، لى كوان يو، زعيم «حزب العمل الشعبى» الاشتراكى، أول رئيس وزراء لها بعد الاستقلال. 

بعد أن كانت، منذ نصف قرن، مليئة بالقاذورات والمستنقعات والبعوض، باتت سنغافورة، منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضى، من أنظف مدن العالم، وصارت مركزًا للسياحة العلاجية، وقفز دخل الفرد فيها من ٤٣٥ دولارًا، سنة ١٩٦٠، إلى ٨٠ ألف دولار العام الماضى. وحسب تصنيف مجلة «فوربس»، تعد بورصة سنغافورة من أكبر مراكز التداولات المالية فى قارة آسيا.

حفاظًا على ما حققته، وبسبب قربها من إندونيسيا وماليزيا، تبنت سنغافورة خططًا طويلة الأجل لمكافحة التطرف، بدأت فى أبريل ٢٠٠٣ بإنشاء «فريق إعادة التأهيل الدينى»، الذى أجرى منذ تشكيله أكثر من ١٥٠٠ جلسة مع المتطرفين المحتجزين وأسرهم. وفى سبتمبر الماضى، نشر «المركز الدولى لدراسة التطرف» التابع لجامعة «كينجز كوليدج» البريطانية دراسة مهمة عنوانها «إعادة تأهيل المتطرفين فى سنغافورة: الماضى والحاضر والمستقبل»، أعدها الدكتور شاشى جاياكومار، رئيس «مركز التميز للأمن القومى»، ومنسق برنامج «قضايا المستقبل والتكنولوجيا» بكلية «إس. راجاراتنام» للدراسات الدولية فى سنغافورة. 

قادة جماعة «الإخوان» أثرياء طبعًا، وبإمكانهم الإقامة فى أغلى مكان فى العالم، لكن كيف سيعيشون فى بلد له تجربة ناجحة فى مكافحة التطرف وإعادة تأهيل المتطرفين ويفرض عقوبات على البصق فى الشوارع وتوسيخ الحمامات العامة؟!

التاريخ يقول إن بريطانيا أرسلت إلى سنغافورة، منتصف ستينيات القرن الماضى، فريقًا يضم خبراءً من وزارة الخارجية وجهاز المخابرات «إم آى ٦» وإدارة الحرب النفسية فى الجيش البريطانى، لشن حرب دعائية ضد الزعيم الإندونيسى أحمد سوكارنو. وكانت منشورات «جماعة الإخوان»، هى أبرز الأسلحة المستخدمة فى تلك الحملة الدعائية، التى انتهت بالإطاحة به، فى مارس ١٩٦٧، حسب وثائق سرية بريطانية، تم الإفراج عنها منذ سنتين تقريبًا.

خرجت «الجماعة الإسلامية» فى سنغافورة من رحم «شبكة دار الإسلام»، التى ظهرت فى إندونيسيا، منتصف أربعينيات القرن الماضى، وهى حركة أسستها المخابرات البريطانية، أيضًا، لمناهضة الاستعمار الهولندى، وتحول نشاطها، بعد الاستقلال، إلى محاربة ما وصفته بـ«العدو الداخلى». ثم شهدت صراعات داخلية وانقسامات، تشكلت على إثرها «الجماعة الإسلامية»، التى تفرعت عنها مجموعتان أو خليتان، تابعتان إحداهما فى ماليزيا، والأخرى فى سنغافورة، قادها إبراهيم مايدين؛ الذى كانت لديه خبرة سابقة فى أفغانستان.

يأتى مسلمو سنغافورة، عدديًا، فى الترتيب الرابع بعد البوذيين والمسيحيين، وغير المعتنقين لأى دينٍ: الملحدين، اللادينيين أو الكفار. والوزير المسئول عنهم، هو ماساجوس ذوالكفل، الذى يتولى أيضًا، فى مفارقة عجيبة، حقيبة «البيئة»، والذى قال منتصف يونيو ٢٠١٩ إنّ «المجتمعات المسلمة على مستوى العالم تمرّ بأوقات عصيبة، لكنّ مسلمى سنغافورة فى وضعٍ أكثر سعادة، ويمكن أن يكونوا نموذجًا لأقرانهم فى الدول الأخرى». 

قطعًا، سيختلف هذا الوضع، وضع المسلمين وغيرهم، قبل حلول يونيو ٢٠٢٢، على الأكثر، لو لم تدرك السلطات فى سنغافورة خطورة «جماعة الإخوان» وتقوم بتقييد أنشطة قادتها فور وصولهم، لأن تلك الجماعة الضالة، كما لعلك تعرف، قادرة على تحويل الذهب إلى رماد، ولها تجارب عديدة فى تخريب البلاد وإفساد العباد. وربما لهذا السبب، أرسلها مستعملوها إلى هناك.