رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تستطيع مزاحمة الصين...

«الإيكونوميست»: الهند أثبتت جدارتها في الاستثمار بالدول الفقيرة

استثمار الهند
استثمار الهند

 قالت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، إن الهند على الرغم من إثبات مهارتها وشعبيتها في مجال الاستثمار في الدول الفقيرة، مازالت لا يمكنها منافسة الصين ولا مزاحمتها هناك .

وأوضحت المجلة البريطانية، في سياق تقرير نشرته بهذا الشأن، أن "الدول الفقيرة تحاول تمويل جهود التعافي من تداعيات تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، دون زيادة ديونها أو اعتمادها على الصين، لكن حصة الهند في الاستثمار بهذه الدول تبدو ضئيلة مقارنة بالحصة الصينية لأن رجال الأعمال الهنود لا يحصلون سوى على دعم محدود من حكومتهم".

وأضافت أن "على الرغم من أن الهند ساعدت على تنظيم مؤتمر باندونج خلال عام 1955، الذي تمت خلاله مناقشة سبل التعاون بين الجنوب والجنوب، حيث كان رئيس وزراء للهند /جواهر لال نهرو/ أول من كان يؤمن بشدة بالتضامن لمكافحة الاستعمار ورفضه استخدام المشروعات في الخارج كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية، إلا أن الحكومات الهندية المتعاقبة لا تقدم في أحسن الأحوال سوى دعم محدود لجهود رجال الأعمال الهنود في الخارج، وكان لذلك تأثير على حجم الاستثمارات الهندية هناك".

وأشارت المجلة البريطانية إلى أن التجار الهنود بدأوا التنقل حول أطراف المحيط الهندي منذ مئات السنين، حيث جرى إرسال آلاف الهنود إلى أقصى أرجاء الإمبراطورية البريطانية للعمل في مجال الزراعة بموريشيوس ومد خطوط السكك الحديدية في كينيا، وأقام معظمهم هناك وأنشأوا مشروعاتهم الخاصة، ولحق بهم بعض مواطنيهم الذين قاموا برحلات طويلة بمراكب شراعية للوصول إلى أفريقيا" .

وتابعت المجلة أن حال المغتربين الهنود لم يكن على مايرام في بعض الأوقات، حيث قام الطاغية الأوغندي عيدي آمين خلال السبعينيات بطرد الآسيويين من أوغندا واستولى على ممتلكاتهم، لكن الوضع تغير مع مرور الزمن وسادت روح الألفة في التعامل معهم في أفريقيا لدرجة أن الحكومة الكينية اعترفت بالآسيويين واعتبرتهم يمثلون القبيلة رقم 44 فى كينيا".


وقالت: "إن رجال الصناعة الهنود تطلعوا بعد الاستقلال إلى العمل خارج حدود بلادهم للتحرر من الروتين فيها، وأصبح لشركة /تاتا موتورز/ الهندية على سبيل المثال مصانع ضخمة لتجميع السيارات ومركبات النقل في كثير من الدول، بما فيها جنوب أفريقيا وزامبيا وماليزيا، كذلك أصبحت شركة /بهارتي ايرتل/ الهندية واحدة من أكبر شركات الاتصالات العاملة في أفريقيا".


وأشار تقرير الإيكونوميست إلى أن "الكثير من مواطني زامبيا، مثل نظرائهم في كثير من الدول النامية الأخرى، أعربوا عن شكواهم علنا من الشركات الصينية التي تقوم باستثمارات كبيرة في بلادهم، وعلى الرغم من أن للهند هناك تواجدا تجاريا كبيرا، إلا أنهم لم يشكوا من ذلك".


وأوضح أنه "وفقا لبيانات جمعها الباحث بريما تشاندرا بالجامعة الأسترالية الوطنية، فإن رجال الأعمال الهنود أقاموا حوالي 4590 مشروعا في الخارج مقابل 395 مشروعا خلال عام 2000، وكانت الاستثمارات الأجنبية الهندية المباشرة في القطاعات التي تعتبرها الحكومات مشروعات استراتيجية، مثل الاتصالات والبنية الأساسية، موضع ترحيب ولم يتم النظر إليها على أنها تأتي في إطار مخططات جيو سياسية أو طموحات للهيمنة".


وتابع التقرير أن "تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (اونكتاد) أشارت إلى أن قيمة الاستثمارات الهندية المباشرة خلال عام 2019 بلغت حوالي 46 مليار دولار مقابل حوالي 40 مليار دولار عام 2010، وأن حوالي 30 مليار دولار من هذا المبلغ جرى استثماره في آسيا، بينما تم استثمار حوالي 13 مليار دولار أخرى في أفريقيا".


ولفت تقرير "الإيكونوميست" إلى أنه في الوقت الذي تتزايد فيه الاستثمارات الهندية، فإن قيمة الاستثمارات الصينية في الدول الفقيرة ارتفعت أيضا من 83 مليار دولار خلال عام 2010 لتصل إلى 645 مليار دولار خلال عام 2019.


ونبهت المجلة البريطانية إلى أنه على عكس الاستثمارات الصينية، فإن القليل من الاستثمارات الهندية المباشرة يأتي من شركات تسيطر عليها الدولة التي كثيرا ما ينظر إليها على أنها تعمل وفقا لاستراتيجية جيوسياسية ولتحقيق أهداف سياسة خارجية .

 

لا مجال للمقارنة

ونقلت "الإيكونوميست" عن الباحث جوناثان هيلمان بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن قوله: "ليس هناك مجال للمقارنة بين الهند والصين التي طرحت مبادرة الحزام والطريق لبناء بنية أساسية عالمية، بينما لم تكلف الحكومة الهندية نفسها عناء عرض رؤى اقتصادية كبرى مثل تلك المبادرة على سبيل المثال" .

وأكدت المجلة أن معظم الاستثمارات الأجنبية الهندية المباشرة تأتي من شركات خاصة تقيم مشروعات في الخارج لأغراض تجارية بحتة، ولا تُقابل الاستثمارات الهندية بالاستياء الذي تواجهه شركات صينية؛ نظرا لأن الشركات الهندية تشتهر بمحاولة العمل بجدية بدرجة أكبر من الشركات الصينية .

واستشهدت المجلة بتقرير أصدره البنك الدولي، عام 2006، بعد استطلاع آراء ممثلي حوالي 450 شركة في أفريقيا، وجاء فيه أن هناك شركات صينية تقوم بتوظيف حوالي خمس عمالها من الصين ودول أخرى بشرق آسيا، بينما جلبت الشركات الهندية أقل من 10% من عمالها من الهند، وفي الوقت الذي استوردت فيه الشركات الصينية 60% من الآلات الجديدة من الصين، فإن نظيرتها من الشركات الهندية استوردت 22% فقط من الهند".

ويؤكد الباحث الاقتصادي هاري برودمان أن هذا الاتجاه مازال مستمرا حتى الآن .
وأعربت "الإيكونوميست" عن اعتقادها بأنه ربما تكون هناك علاقة بين ذلك وبين الحقيقة القائلة بأن الكثير من الشركات الهندية مازالت تدار بطريقة عائلية، وأن مسئوليها التنفيذيين يشعرون بقلق بشأن سمعة مؤسسي شركاتهم والطريقة التي تنعكس بها أفعالهم على وطنهم الهند.


واختتمت مجلة "الإيكونوميست" تقريرها بتأكيد أن الهند أثبتت مكانتها كمستثمر يحظى بالشعبية والمهارة في الدول الفقيرة، لكن لا يمكنها أن تضاهي الثقل الصيني في مجال الاستثمارات الأجنبية، ومع ذلك فإنه يمكنها إعطاء دروس لمستثمرين آخرين فيما يتعلق بهذا الشأن .