رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«دبلوماسي تحت الطلب».. كيانات وهمية تمنح لقب «سفير النوايا الحسنة» بالطرق السيئة

مراكز التحكيم الوهمية
مراكز التحكيم الوهمية

"هل ترغب في الحصول على لقب دبلوماسي فريد؟ هل وددت يومًا أن تجتمع بشخصيات شهيرة في المجتمع، وتجلس معهم على منضدة واحدة، وتدعو العديد من الأفراد لحضور اجتماعات دولية؟ الأمر بسيط ما عليك إلا أن تلتحق بدوراتنا التدريبية لتصبح سفيرًا دوليًا للنوايا الحسنة في غضون أيام، وتستلم كارنيهك فورًا الذي يحمل صفتك الجديدة".

تلك هي الصيغة التي تنشر بها مراكز الشهادات الوهمية، إعلاناتها على وسائل التواصل الاجتماعي موهمة راغبي الحصول على الألقاب الدبلوماسية المزيفة، في الحصول عليها، ومنها لقب سفراء النوايا الحسنة.

 

تحت إدعاء الاجتماع لحضور مؤتمر دولي كبير، كان الترويج لأحد مراكز بيع الشهادات الوهمية للقب سفير النوايا الحسنة، والذي من خلاله تم ظبطه والكشف عن القائمين عليه واتضح أنهم عصابة تكونت من أربع أفراد بمحافظة القاهرة استخدموا أساليب الاحتيال والنصب لإيهام المواطنين بإمكانية الحصول على العديد من الألقاب الدبلوماسية، بل واستخراج كارنيه يفيد بحملهم لها، وذلك من خلال إنشاء وإدارة مواقع إلكترونية احتيالية على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك- إنستجرام" وتدشين حملة إعلانية دعائية لهذا المهرجان الدولي المُزمع وإقامته بإحدى القرى السياحية بالجيزة "بدون تصريح" والزعم كذلك بأن إقامته ستتم تحت إشراف ورعاية العديد من الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات وحضور عدد من المشاهير ورجال الأعمال وبتغطية مجموعة من القنوات الفضائية– خلافاً للحقيقة- وذلك بقصد جمع تبرعات وأموال من المواطنين وأصحاب الشركات والمؤسسات الكبرى تحت زعم المشاركة في ذلك المهرجان الدولي الوهمي لدعم مؤسسات الدولة.

 

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي انتشرت فيه "جروبات" تروج لمراكز منح الألقاب الدبلومسية المزيفة مثل المستشار والحقوقي ، والناشط السياسي، على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي زعمت منح هذه الألقاب لملتحقيها مقابل بضع آلاف من الجنيهات.

 

“الدستور” قامت بتجربة حية بالتواصل مع أحد هذه "الجروبات" لإثبات كيف يمكن في خلال أيام قليلة فقط الحصول على لقب دبلوماسي كبير ـ دون تحمل عناء ما يتطلبه هذا اللقب من دراسة وخبرات، ومؤهلات مختلفة، فهنا لا يهم سوى المؤهل المادي فقط.   

 

"تقدر تحصل على شهادة موثقة من وزارة الخارجية المصرية ومختومة بختم النسر، وكمان ماجستير مصغر فى التحكيم الدولى والماجستير المصغر فى العلاقات الدبلوماسية والقصنلية كل ده بمبلغ 2000 جنيه فقط" كان ذلك هو إعلان أحد الصفحات عن الشهادة المزعومة.

 

شروط الحصول على "اللقب المزيف"

 

تواصلت محررة “الدستور” مع صاحب هذه الصفحة المعلنة، وشرح صاحب الصفحة للمحررة المطلوب تحديدًا ممن يرغب في الحصول على تلك الألقاب صاحبة المقام، وهو صورة البطاقة الشخصية وأربع صور شخصية وصورة مؤهل دراسى إن وجد، وذكر أسماء لاثنين من المحاضرين أحدها عضو هيئة تدريس إحدى الجامعات بنها والآخر دكتور جامعي، واستكمل أن الدورة ستكون عن بعد عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي موضحًا أن مدتها ستة أيام مقسمة على أسبوعين بإجمالي 30 ساعة، وأكد أنه من خلال الالتحاق بهذه الدورة تستطيع أن تكون سفيرة للنوايا الحسنة أو مستشارة حسبما ترغب. 

 

بصورة بطاقة و2000 جنيه تحصل على “اللقب”

 

 بخصم 50% حاليًا تستطيع الحصول على شهادة معتمدة من المعهد العربى للدراسات التابع لجامعة الدول العربية وشهادة معتمدة بختم النسر ومصدق عليها من الخارجية المصرية، وكارنيه عضوية معتمد بلقب "مستشار العلاقات الدبلوماسية والقنصلية" وكارنيه عضوية معتمد من أكاديمية القادة العرب بلقب “مستشار التحكيم الدولى”، وكذلك سفير النوايا الحسنة التكلفة شاملة الشهادات 2000 جنيه فقط بدلاً من 4000 احجز الآن،.. التسجيل من خلال الضغط علي الصورة أو إرسال رقمك فى رسائل صفحة وسيتواصل معك أحد مستشارينا فى أقل من 24 ساعة، كانت هذه صيغة أخرى لأعلان على صفحة أخرى من تلك الصفحات لبيع شهادات الوهم.

بالتواصل مع هذه الصفحة تبين أن الأمر لا يختلف كثيرًا عن سابقتها فيما تطلبه من أوراق بسيطة لتمكن من له لارغبة في ذلك، أن ييحصل على لقب بيه أو باشا بأسام قليلة.

تواصلت كذلك "الدستور" مع بعض ضحايا مراكز منح شهادات وألقاب "البيه" (سفير النوايا الحسنة) و"الباشا" (مستشار التحكيم الدولي) كان بينهما مصطفى أحمد حسين خريج كلية تجارة الذي صرح للدستور أنه فور أن رأى إعلان أحد هذه الصفحات، جذبه وجعله يفكر في أن يحقق ما كان يطمح في تحقيقه منذ سنوات وهو الوصول لمنصب راقي، يستطيع من خلاله ممارسة العديد من الأعمال المجتمعية.

 

ضحايا: إيقاف ضابط كشف لي أن الكارنيه وهمي

 

يقول مصطفى إنه فور أن حضر الدورات التي تقدم لها للحصول على هذا اللقب والتي لم تزيد عن مدة ساعتان خلال ثلاثة أيام، تم شرح بها بعض المعلومات العامة وقام بدفع مبلغ 2000 جنيه دون أى امتحانات، كما حصل بعدها على كارنيه يحمل صفة “سفير نوايا حسنة”.

وأضاف أنه اكتشف الخدعة التي مر بها  بالصدفة عندما استوقفه أحد الضباط أثناء قيادته للسيارة، وطلب منه إظهار بيان شخصية، ليتابع بقوله: فور أن رأى الكارنيه سخر مني قائلًا هذا الكارنيه لا فائدة منه وما هو إلا انتحال شخصية، بل وقال كذلك فإنه سوف يقبض عليّ بهذه التهمة ولكن بعد محاولات عديدة معه واستعطافه نبهنى لعدم استخدام هذا الكارنيه مرة أخرى.

 

كان يعتقد كذلك أحمد حسين محام حر أن الالتحاق بهذه المراكز مفيد في مجال عمله فتقدم لأحدها عبر الانترنت وسدد الرسوم، موضحًا أن لقب “سفير النوايا الحسنة” مغر جداً بنسبة لمحام جديد، ولكن بالتحاقه بهذه الدورة أكد أنه لم يجد فيها أي جديد ولكنه حصل على الكارنيه كما وعد، إلا أنه فوجئ بأحد زملائه يؤكد له أن هذه المراكز ما هي إلا مراكز وهمية، تبيع الوهم للمواطنين بل وتعرضهم للمساءلة القانونية وعليه أن يتخلص من هذا الكارنيه المزيف، بل وكشف له أيضًا العديد من القضايا التي تم رفعها على المراكز المشابهة من قبل ضحايا آخرين. 

 

محامي: لا يجب إطلاق لفظ “مستشار” إلا على أعضاء الهيئات القضائية فقط

 

 أكد محمود غنيم المحامي بالنقض والإدارية العليا لـ "الدستور" أن تلك "الجروبات" ماهي إلا وسائل للنصب والاحتيال، مؤكدا أن لقب “مستشار” أو “قنصل” أو “محكم دولى” لا يمنح من جهات غير رسمية ولا معترف بها ولابد أن يكون تراخيص هذه الدورات في يد النقابة فقط، ويكون هناك حق أصيل للنقابة بمقاضاة من يتجاوز فى منح الألقاب والشهادات الوهمية، وناشد الدولة التدخل لأن كل فترة يتم النصب على الناس من حاملى هذه الكارنيهات.

 

كما طالب ألا يطلق لفظ مستشار إلا على أعضاء الهيئات القضائية فقط وأن من يحمل كارنيه مستشار تحكيم دولى يتحمل مسئوليته، مضيفاً أنه لابد أن يكون الاتحاد الدولى للتحكيم مشهراً من جامعة الدول العربية أو وزارة العدل.

 

الجدير بالذكر أن مثل هذه المراكز قد خالفت قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 الذى وصف العاملين في هذا المجال بلقب “محكم” فقط وليس “مستشاراً” كما تعد تلاعباً بما نص عليه قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 وتعديلاته رقم 142 لسنة 2006 الذي خص القضاة وحدهم بلقب “قاض” إذ تتحايل المراكز على هذا اللقب بإضافة كلمة “اتفاقى” كما تمثل الألقاب الدبلوماسية مخالفة لقانون السلك الدبلوماسي رقم 45 لسنة 1982 المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 2009، كما أن المراكز غير معتمدة لدى وزارة العدل وتحصل على تراخيصها من الشئون الاجتماعية.