رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مأساة حقيقية رواها له صديقه.. كيف نسج جوستاف فلوبير رائعته «مدام بوفاري»؟

جوستاف فلوبير
جوستاف فلوبير

رغم أنها روايته الأولي "مدام بوفاري"، إلا أنها حققت له شهرة كبيرة طافت في الغرب والشرق. إنه الروائي الفرنسي  جوستاف فلوبير، والذي تحل اليوم ذكري رحيله عن عالمنا٬ حيث توفى في مثل هذا اليوم من العام 1880. 

يصفه الناقد والمترجم د. ماهر فريد شفيق بأنه: أحد العمالقة تربعوا على قمة الأدب الفرنسي في القرن التاسع عشر٬ إلى جانب فيكتور هوجو، وستندال، وأونوريه دى بلزاك. إنهم الأربعة الذين جعلوا من ذلك القرن قرن الرواية الفرنسية بامتياز.

يتمتع جوستاف فلوبير بمكانة خاصة، فهو بما يشبه إجماع الآراء مبدع الرواية الأوروبية الحديثة، وذلك بأعماله «مدام بوفاري» (1857) «وسلامبو» (1862) و«التربية العاطفية» (1869)، فضلاً عن قصصه القصيرة التي تحمل عنوان «ثلاث حكايات» (1877)، وأشهرها «قلب بسيط».

وفي قراءة نقدية له عن جوستاف فلوبير يقول الناقد د. محمد زكريا توفيق: في عام 1846، توفي والد فلوبير. بعد ذلك بتسعة أسابيع، توفيت أخته كارولين أثناء الولادة. بعد وفاتهما، تلقى فلوبير ميراثاً كبيراً، ساعده على التقاعد والتفرغ للكتابة. كلف فلوبير فناناً بنحت تمثال نصفي لشقيقته كارولين. عندما ذهب إلى استوديو الفنان، التقى ب "لويز كولت"، الشاعرة المعروفة ذات الجمال الفاتن. كانت تجلس أمام النحات كموديل لكي يصنع لها تمثالا.

على الفور، وقع فلوبير في غرام كولت، وصارت بينهما علاقة غرامية صاخبة، أضحت واحدة من الأكثر شهرة في التاريخ الأدبي. رسائله العديدة إلى كولت، لها أهمية أدبية من حيث أنها تعكس صراعاته الداخلية، عندما كان يؤلف رواية مدام بوفاري. انتهت علاقة فلوبير ب كولت عام 1855.

وعن رواية مدام بوفاري يتابع توفيق: ظهرت رواية مدام بوفاري أول مرة عام 1856 كمسلسل في مجلة ريفو. ثم نشرت في شكل كتاب في العام التالي. ولأن أحداث الرواية كانت صادمةً للمجتمع الفرنسي في ذلك الوقت، حوكم فلوبير بتهمة الفجور.

لقد ذكر فلوبير في روايته أوصافا خارجة عن الأدب. صريحة تحكي ممارسات إيمّا بطلة الرواية للزنا والفجور بالتفصيل. لكن تمت تبرئته عام 1857، بذلك يكون قد هرب من حماة الفضيلة ورعاة الأخلاق الحميدة في ذلك الوقت.

وفي مقدمة ترجمته لرواية "مدام بوفاري"٬ يقول الكاتب الراحل حلمي مراد إن جوستاف فلوبير استلهم فكرة روايته "مدام بوفاري"٬ من قصة رواها له صديقه "بوييه"٬ عن مأساة  الطبيب "يوجين ديلامار" والتي كانت نواة عمله الضخم "مدام بوفاري"٬ كان صديقه الطبيب "يوجين ديلامار" طبيبا نوبتجيا في مستشفي "روان"٬ وكان متزوجا من أرملة تكبره في السن٬ فلما ماتت تزوج من ابنة حسناء لأحد المزارعين في قرية قريبة٬ وانتقل ليمارس مهنته في هذه القرية٬ لكن الزوجة الشابة كانت ذات طموح ونزوات. لقد ألفت منذ صباها أن تعيش في الخيال٬ واعتنقت فكرة: "أن ثمار الحقل المجاور أشهي مذاقا من ثمار الحقل الذي تملكه". فلم تكد تطرح بهجة الزواج الأولى وراء ظهرها حتي ضاقت بحياتها الراكدة المحدودة الأفق٬ وإن كلفها هذا زواجها وكنف زوجها "الغبي" كما وصفه جوستاف فلوبير في الرواية.

يتابع حلمي مراد في تقديمه لترجمة رواية "مدام بوفاري": وازداد بمرور الأيام نفورها من حياة الريف٬ وخوار أبقار المزرعة٬ ورائحة حظائر الماشية٬ فتطلعت إلي "فارس الأحلام" الذي ينقلها من تلك البيئة الكريهة إلي عالمها الخيالي المرموق٬ ومن ثم ألقت بنفسها في أحضان أول عاشق لاح في أفق حياتها٬ لكنه هجرها٬ فأرتمت بين ذارعي آخر. وظلت تتلقفها أحضان الرجال٬ وتتقاذفها رغباتهم العابرة٬ ثم ينبذونها٬ لتهوي من مذلة إلى مذلة٬ ومن ضعة إلى ضعة.

وهي أثناء ذلك كله تبدد أموال زوجها٬ وتقترض ويطاردها الدائنون٬ حتي تمسي حياتها خليطا بشعا من اليأس٬ والاضطراب٬ والجزع٬ ولا يخلصها من عذابها غير النهاية المفجعة التي اختارتها لها الأقدار ولزوجها. تلك كانت الخيوط الواقعية الأولى التي نسج منها جوستاف فلوبير قصته الخالدة "مدام بوفاري".