رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اعترافات الكبار.. نجيب محفوظ: الموت كان دائما يغزو خيالى

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

بدأ الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ حياته بكتابة المقالات لأنه كان يعد نفسه للاستمرار في دراسة الفلسفة، إلا أنه بعد عامين من تخرجه أي عام 1936 تحول للأدب، وبدأ في كتابة رواياته، لأنه وجد نفسه هناك، ووجد أنه يستطيع التعبير عن الحياة والشعب من خلال الروايات لا المقالات.

التكوين الأدبي لنجيب محفوظ كان نتيجة لقراءة الكثيرين من الأدباء العرب والأجانب، فمن العرب تعلم من طه حسين وعباس العقاد وسلامة موسى وتوفيق الحكيم، ومن الأجانب تولستوي، ودستويفسكي، تشيكوف، جيمس جويس، كافكا، شكسبير، وغيرهم، لقد تعلم من طه حسين ثورته الفكرية، كما أعطاه نمائج مختلفة من فن القصة مثل قصة الترجمة الذاتية في الأيام وقصة الأجيال في شجرة البؤس، ومن قراءة العقاد تعلم الإيمان بقيم معينة؛ أولها قيمة الفن الأدبي كفن رفيع لا كوسيلة للتكسب في المناسبات، وثانيها قيمة الحرية الفكرية في الديمقراطية، ومن قراءة قصة "سارة" للعقاد اكتشف أول مثل للقصة التحليلية، ومن سلامة موسى تعلم الإيمان بالعلم والاشتراكية والتسامح الإنساني.  

تراجعت عن كتابة الشعر لافتقادي ملكة الحفظ

اعترف نجيب محفوظ في صفحات من مذكراته التي كتبها الناقد والكاتب رجاء النقاش، أنه كان أمامه طريق ممهد هو طريق الشعر، وكان يحبه وكتبه بالفعل، وكان في إمكانه الاستمرار، خاصة أن الشعر له تراث عريق في الأدب العربي، بل هو كما يقال - بصدق - ديوان العرب، وأوضح: السبب الأساسي الذي جعلني أتراجع عن كتابة الشعر هو افتقادي لملكة الحفظ التي يقوم عليها الشعر.

وتابع: كانت الرواية هي الفن الذي وجدت نفسي فيه، وكانت أعمالي الأولى عبارة عن روايات تاريخية كتبتها تأثرا بقراءاتي في التاريخ الفرعوني القديم، وعندما بدأت قراءاتي تتسع وتتعمق خاصة في الأدب الحديث قل حماسي للكتابة التاريخية، بل مات الحماس في داخلي، بعد أن أدركت أن المسألة أخطر وأعمق، وأن الرواية يمكن أن يكون لها دور مؤثر في معالجة قضايا المجتمع والتعبير عن هموم الناس ومشاكلهم، ومن هنا اتجهت إلى الرواية الواقعية.

شخصية كمال عبدالجواد تشبهني

في حديث له بمجلة "آخر ساعة"؛ اعترف الأديب نجيب محفوظ بأن شخصية كمال عبدالجواد في "الثلاثية" تشبهه إلى حد كبير، موضحا أن كمال يعكس أزمته الفكرية، وكانت أزمة جيل فيما يعتقد، وردا على سؤال "هل كان كمال عبد الجواد يمثل شخصية اللامنتي كما يذهب بعض النقاد أو أنه ينتمي إلى عقيدة فكرية حددتها اهتماماته التي ذكرتها في الرواية"، قال: ربما كان كمال لا منتميا، ولكنه لا منتمي من نوع خاص إذ أنه نزع إلى الانتماء بشكل واضح وإنساني، وأن يكن غير محدد المعالم.

وفي كتاب "صفحات من مذكرات نجيب محفوظ"، اعترف أيضًا نجيب محفوظ بأن شخصية كمال عبدالجواد تتشابه معه إلى حد كبير، حتى في قصة حبه الأول، وإن كان كمال استطاع الوصول إلى حبيبته، مستطردا: “في الفترة التي سبقت زواجي عشت حياة عربدة كاملة، كنت من رواد دور البغاء الرسمي والسري، ومن رواد الصالات والكباريهات، ومن يراني في ذلك الوقت لا يمكن أن يتصور أبدا أن شخصا يعيش مثل هذه الحياة المضطربة، وتستطيع أن تصفه بأنه حيوان جنسي، يمكن أن يعرف الحب أو الزواج، كانت نظرتي للمرأة في ذلك الحين جنسية بحتة، ليس فيها أي دور للعواطف أو المشاعر، وإن كان يشوبها أحيانا شيء من الاحترام، ثم تطورت هذه النظرة وأخذت في الاعتدال بعدما فكرت في الزواج والاستقرار”.

ميزانية الثقافة كانت سبب فشل مشروعي مع يحيي حقي


في حوار بمجلة "إبداع" بعددها الصادر بتاريخ 1 يناير 2002، قال نجيب محفوظ: "تعرفت إلى يحيى حقي عندما نشر رواية "قنديل أم هاشم" التي كانت بحق مفاجأة كبيرة لي، فأحببت أدبه، وشعرت أنني إزاء فنان كبير بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأظن أنني التقيت به في "نادي القصة"، وعندما تولى فتحي رضوان وزارة الإرشاد القومي، واختار يحيي حقي مديرا لمصلحة الفنون، نصحه بأن يستعين باثنين يرضى عنهما تماما، يعنيانه على أداء مهامه، وليكونا الأستاذ علي أحمد باكثير وأنا، فلما عرض علينا الأمر، رحبنا طبعا، وكنت وقتها في وزارة الأوقاف، فانتدبت للعمل معه أنا وباكثير، وبعد فترة اختارني مديرا لمكتبه، وأوكل إلى أحمد باكثير مسئولية القسم الخاص بالمسرح".

وتابع: “ظللنا نعمل معه حتى أعفى الأستاذ فتحي رضوان من منصبه، وتولى وزارة الثقافة الدكتور ثروت عكاشة، ثم تسألني عن مشروعي الفكري والثقافي الذي اغتنمت فرصة وجودي مع يحيى حقي لتنفيذه وتجسيده، فأقولك لك بكل صراحة كان مشروعا كبيرا، ولكننا كنا نشكله ونكونه كجماعة لا كأفراد، فهو يخص مجتمعا بأكمله، بيد أن العقبة التي حالت بيننا وبين إنجازه على نحو مرض، كانت الميزانية الهزيلة المخصصة للوزارة، فمشروعتنا التي حلمنا طويلا بها، ورمينا من ورائها إلى إشاعة الموسيقى وإنشاء الكونسرفتوار، وتشييد معاهد للمسرح والسينما والباليه وسواها من الفنون الراقية التي تسهم في بناء الإنسان الجديد الذي نأمل وجوده في مجتمعنا المنشود، كانت ميزانيتها تتجاوز المليون، وما إن نرسلها إلى مجلس الوزراء للحصول على موافقته، وصرف المبلغ المرجو، حتى نفاجأ باختصارها إلى 60 ألف جنيه فقط لا غير، ينفق منها على جوائز السينما 40 ألف جنيه، ويذهب الباقي إلى النقابات الفنية كإعانة لها تمكنها من الوفاء باحتياجاتها الملحة، وتنتهي بذلك الميزانية، ويتعثر المشروع الطموح، ثم نبدأ المحاولة السابقة من جديد، مع بداية كل عام، فلا نحصل إلا على 60 ألف جنيه فقط، وهكذا دواليك، لذا لم نستطع تحقيق كل ما كنا نتطلع إليه ونصبو من أمان وأحلام”.

أنا رجل منظم.. والموت كان دائما يغزو خيالي


"أنا رجل منظم والسبب في ذلك بسيط، أنا موظف وأديب، ولو لم أكن موظفا، لما كنت أخذت النظام بعين الاعتبار، كنت فعلت ما أشاء وفي أي ساعة أشاء، لكنني في هذه الحالة، على أن أستيقظ في ساعة معينة، وأكون في الوظيفة في ساعة معينة، ويبقى لي من اليوم ساعات معينة، فإن لم أنظم هذا اليوم سأفقط السيطرة عليه".. هكذا اعترف أديب نوبل في حوار له بمجلة "الثقافية" بعددها رقم 83 الصادر بتاريخ 1 يناير 2013".

وتابع: “من الممكن أن أنظم أوقاتا، وقد تستجيب روحك أحيانا، وأحيانا لا، لكن عندما تعودها ستستجيب، وأكتب عادة عند المغرب، ولا أذكر أنني كتبت أكثر من 3 ساعات، وفي المتوسط أكتب مدة ساعتين، يوميا لأني أكون قد أمضيت يوما ليس سهلا، أستريح قليلا ثم أعود لأبدأ عملا جديدا”.

كان لنجيب محفوظ رأي في فكرة الموت، إذ أكد في حوار له بمجلة "الهلال" بعددها رقم 9 الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 1965، قائلا: "الموت كان دائما يغزو خيالي بإلحاح وبإثارة، ومجموعتي "دنيا الله" تتميز فيها فكرة الموت بطابع انتصار الإنسان على الموت، وأنني أجد فرقابين مواجهة الموت بالبكاء كأن الدنيا تزلزلت، وبين مواجهته بالدهشة والتساؤل والحيرة، الموت فيه عنصر محير ولا معقول، وهذا العنصر يتضح بشكل حاسم في الموت الجزافي".