رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

آمنة نصير: وجود «التيارات الإسلامية» كارثة وخطر على الدين

الدكتورة آمنة نصير،
الدكتورة آمنة نصير،

قالت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بفرع جامعة الأزهر فى الإسكندرية، إن فكرة وجود تيارات تسمى نفسها «إسلامية» كارثة، معتبرة أن كل التيارات التى لقبت نفسها بـ«السلفية» لا علاقة لها بالسلف، بل يتمسحون فقط فى الأوائل. وروت الدكتورة آمنة، فى حوارها مع «الدستور»، جوانب من طقوسها فى شهر رمضان مع عائلتها، وأسرار عاداتها مع العبادة والابتهال خلال الشهر الكريم، موجهة بعض النصائح للمسلمين للسير عليها وللاستفادة من الأجواء العطرة خلال هذه الفترة المباركة.

■ بداية.. ما طقوسك فى رمضان؟

- أولادى وأحفادى يفطرون عندى يوميًا، وهم يفطرون معى كل عام، وهذا من طقوسنا الرمضانية، وفى فترة الصباح وحتى أذان العصر أكون فى المطبخ أحضر الإفطار، وبعد ذلك تنقطع صلتى بالناس وأنام ثم أقوم فى الـ١٢ صباحًا، ويكون هذا الوقت بينى وبين الله، وأتخذ زاوية داخل البيت وأقرأ قرآنًا وأدعو الله بما أشاء وأتمناه من خالقى العظيم إلى أن يأتى موعد السحور وأجد أحفادى ينادوننى لتناول الطعام، وبعد ذلك أصلى الفجر وأقرأ وردًا من القرآن الكريم.

ويوجد جو نفسى وروحانى مميز فى رمضان عن سائر الشهور الأخرى، لأنه شهر العبادة والطاعة لله عز وجل، وعندما تحين الساعة ٨ صباحًا أنزل إلى عملى. 

■ كيف كان رمضان مع أسرتكِ فى الصعيد؟ 

- الصعيد حالة وطعم خاص، والدى- رحمه الله- كان كبير العائلة، وكان لدينا مقرئ دائم طوال شهر رمضان، وملحق بالدوار غرفة لإعداد الطعام، ويقدم للناس فيها الأكل والشراب طوال الشهر.

وسهرة رمضان فى الصعيد تكون مثل الفرح، المواطنون يتجمعون من البلاد يباركون لبعض ويتبادلون التهانى، وكانوا يظلون فى الملحق إلى بعد أذان الفجر.

ورمضان فى بيت والدى له طقوس عز وخير وبركة، فالفقير والغنى يجلسان على مائدة كبار القوم، ولا يوجد فرق بينهما عند والدى، والحياة فى الصعيد أيام والدى كانت مختلفة وليست موجودة حاليًا، فالكرم والسخاء بلا تعقيد وبلا تنقية.

■ ما الأدعية التى تحبين سماعها؟

- أنا أحب جدًا الشيخ سيد النقشبندى، وكم أسعد بصوته وأحس بأن الدنيا من حولى بخير فقط عند سماعه، كذلك أحب الشيخ محمد رفعت وأشعر بأنه صوت من الجنة، ولا أملّ من سماعه أبدًا.. أنا لا أحب الأصوات الزاعقة، لكننى أجد الهدوء فى صوت محمد رفعت كأنه جاء من كوكب آخر، والشيخ عبدالباسط كذلك، فهو قارئ مبهر، لكن الشيخ محمد رفعت قارئ يمس قلبى وعقلى كأنه أستاذ عقيدة.

■ هل هناك نصائح توجهينها للمسلمين فى رمضان؟

- لا بد من عدم المبالغة فى تخزين الطعام فى رمضان، لأنه شهر صيام، ويجب أن يوجه البر والخير للمحرومين، والرسول- صلى الله عليه وسلم- كان كريمًا مع الناس ولكن فى رمضان كان كرمه كالريح المرسلة، لذلك يجب أن يقضوا رمضان فى قراءة القرآن وتنقية النفس والروح، لأن رمضان هو الغذاء الوحيد الذى تأكله الروح داخل الإنسان، وهى فرصة أن نغذيها بالأعمال الصالحة للتغلب على النفس الشريرة بداخلنا، فالصوم يعطى للنفس التقية القوة والهيمنة على السلبيات الأخرى فى الداخل، ونحن فى حاجة إلى أن نصل لذلك، وإلا سنخرج منه بالجوع والعطش، كذلك يجب الابتعاد عن النميمة وإيذاء الناس، وأتمنى أن تعود الشخصية المصرية التى تربيت عليها وأنا طفلة إلى المودة والسماحة والكلمة الطيبة.

■ لو تحدثنا عن الخطاب الدينى.. هل هناك جديد يقال فى هذه المسألة؟

- أذكر جملة قلتها فى مجلس الجامعة وأنا عميد للكلية، وكان المجلس يضم ٧٢ عميدًا، يومها كان رئيس الجامعة الدكتور عبدالفتاح الشيخ، وفى رأيى هو أعظم رئيس جامعة إلى الآن، وعندما سمح لى بالكلمة قلت: «يا عمداء جامعة الأزهر، هل أنتم قادرون على ألا تقتلعوا من جذوركم ولا تغتربوا عن مستجدات عصركم؟ وما بين عدم الاقتلاع وعدم الغربة مع المستجدات جسر طويل، فهل أنتم قادرون على السير عليه؟»، والحقيقة لم يرد أحد وانتظرت الرد فلم يأت جواب، وهنا تدخل الدكتور عبدالفتاح الشيخ وقال لهم: ردوا على سيادة العميدة، وإلى الآن لم يأتنى الرد.

والحقيقة أنهم ورثة جيدون جدًا ويعرفون قيمة ما ورثوه ويحرصون عليه بعقولهم وعيونهم، وهذا التقدير والتقديس لما ورثوه أعطاهم حالة من الاستغناء والإشباع لأنهم لا يريدون زيادة، وعندهم ما يكفيهم، وأشبه هذه الحالة بفيلم «الأيادى الناعمة»، فكان الرجل يرفض العمل لأنه عنده ما يكفيه، لكن لو جاع يومًا واحدًا يبحث عن عمل لتخشن يده، كذلك فهم العقول الناعمة التى ورثت ما يكفيها.

وعندما تعرض أى مشكلة، تجدهم يقولون فورًا «أبوحنيفة قال إيه»، و«أحمد قال إيه»، و«مين قال إيه»: ولا تجدهم يقولون مَن «مِن المعاصرين قال كذا»، هم باستمرار يرجعون إلى المدارس الأربع، لكن يقول «قدمت إيه»؟.. لا، ومن كثرة ثراء هذا الموروث ومن مدارس الفقه العظيمة أصيبوا بحالة من الامتلاء، وأشعرهم ذلك بأنهم ليسوا فى حاجة إلى إرهاق العقل واستخدامه، لأن الاجتهاد إرهاق للعقل، لذلك نحن أمة الورث والميراث، وأحيانًا الثراء الزيادة يكون مفسدة للمعاصر.

لذلك إلى متى سنظل ورثة؟ ومتى نضيف؟.. فالإسلام هو آخر الأديان ولا يوجد دين من بعده، فهو ختم النبوات السماوية، لكن الحياة لها كل يوم شأن، ولا تقف، وليست مجمدة عند ما كان فى عهده، صلى الله عليه وسلم، وتعرضت لهجوم عنيف، والحمد لله لدى جينات صعيدية قادرة على التصدى لذلك ولا تكترث.

■ الرسالات توقفت والرسول أبلغنا بكل ما أراده، لكن الحياة متجددة، والسؤال هنا: كيف نواجه مستجدات هذا العصر؟

- الله تبارك وتعالى يقول فى سورة البقرة، «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»، ولذلك أستشعر الحرج لأننا «مبلطين فى الخط»، ولا يستطيع أحد أن ينفض هذا الكسل ويقدم اجتهادًا رغم أن الحياة متجددة، لذلك انظر حولك كم من المستجدات حدثت منذ عهد الرسول إلى الآن، من صناعات معاصرة أو علوم مستحدثة أو من تكنولوجيات، لذلك الأمر يحتاج إلى مواجهة فكرية وعقدية، وأقول لهم: أين دوركم فيما استجد من حياة البشر من علوم وتكنولوجيا ومستجدات؟

■ إذن فكرة التجديد أصبحت حتمية؟

- لا بد من ذلك لكى تتم مواجهة المستجدات، نحن لدينا ميراث رائع من الممكن أن نقيس على بعض قضاياه، لكنه لا يفى بكل المستجد، إنما نأخذ منه ونقيس عليه فى الماضى، وما استحدث حاليًا يحتاج إلى عقلية أستاذ فلسلفة وفقه معًا، وأنا تخصصى الذى أعتز به هو الفلسفة والعقيدة.

وأريد أن أذكّر بأن اختلاف الفرق وانتشار علم الكلام وتوظيف المذاهب والمذهبية من أخطر ما يمكن، لدينا المعتزلة والسلفية والقدرية والأشاعرة وغيرها، كل فرقة خرجت حاولت أن تدعم عقيدتها، وحاولت لىّ عنق بعض النصوص، وهذا ترك لنا تراثًا مرهقًا للعقل المعاصر.

■ هل هناك أمل فى التجديد؟

- للأسف لا يوجد أمل، وأنا قلت للرئيس عبدالفتاح السيسى عندما تحدث عن تجديد الخطاب الدينى «متعشمش»، وقتها رد الرئيس بابتسامة، وعندما كرمنى العام الماضى قال لى: «لم أنس كلمتك وأنت تقولين متعشمش»، قلت له أنا بقول لحضرتك الحقيقة، هؤلاء الناس ورثة يعز عليهم أنهم يخونون الذى ورثوه، ولا أعرف حقيقة مَن الذى علمهم ذلك، ولا أعرف لماذا، لأن كل شىء يحتمل الصواب والخطأ لأنه فى الآخر رأى، والإمام أبوحنيفة الذى يستندون إليه قال: هذا ما قدرت عليه إن صلح معكم خذوه وإن لم يصلح اتركوه، وكذلك أحمد بن حنبل قال: هذا ما قدرنا عليه.. أصحاب المدارس نفسهم قالوا هذا الكلام ومع هذا نحن قدسناه.

■ ما رأيكِ فى فكرة وجود تيارات إسلامية؟

- كارثة.. كل التيارات الإسلامية التى لقبت نفسها بالسلفية لا علاقة لهم بالسلف، هم تمسحوا فى السلف، الحقيقة أن هذه التيارات حجر عثرة أمام الإسلام، الذى يحاول فيه الإنسان أن يجدد ويعتقد، هم للأسف استخدموا المصطلح استخدامًا فيه انتقام وعدم دقة، هم لم يدرسوا مَن هم السلف بالتحديد.

كما أنهم خلعوا من عباءة السلف وتركوهم بخيرهم كما قال النبى، صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرنى ثم الذى يليه ثم الذى يليه»، وكررها ٣ مرات، فلا هم تركوا السلف بما كانوا عليه ولا أضافوا إليهم، وأنا عانيت منهم داخل البرلمان، وكانت لى معارك كبيرة معهم، عندما تحدثوا عن ختان الأنثى وقفت أجادلهم ٣ ساعات، للأسف هم يحاولون أن يغلقوا الحياة على حسب ما فهموه من الرعيل الأول، ولم يدركوا أن الحياة كل يوم فى شأن جديد، فى الإنسان والأسرة والثقافة والسياسة والحياة الاجتماعية، وهذا التشدد سيخلق فريقًا من الناس يعتقدون أن الإسلام عقبة أمام التقدم، والحقيقة أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان.

لذلك لا بد أن نأخذ عظمة تراثنا ونناقش مستجدات عصرنا، ونحاول أن نوفق ما بين الماضى والحاضر بما يتواءم مع حاضرنا.

■ كيف نزيل المفاهيم الغربية المغلوطة عن الإسلام؟

- عشت تجربة عندما عملت أستاذًا زائرًا فى جامعة لايدن فى هولندا، وقتها طلب منى رئيس الجامعة تناول كوب قهوة فى مكتبه فوافقت، فاستغرب جدًا، وقال لى أنا بعتذر لأنى قلت فى حقك كلمة ليست جيدة، لأنه حينما رأى سيرتى الذاتية وبها صورتى بالحجاب فقال: «إيه الإرهابية اللى باعتينها لينا دى؟». وفى نهاية رحلتى أعطونى ظرفًا فرفضت بشدة، فحكى لى أحد المصريين أن أستاذًا جاء إلى هنا واختلق مشكلة لأنه اعتبر المال قليلًا.

وفى إحدى المرات طلبت منى طالبة أن أذهب لتناول الغداء عندها، ولما رفضت أخبرتنى بأن شيخًا يأتى لتدريسهم ويذهب لتناول الطعام يوميًا عند الطلبة وعلى نفقتهم، ووقتها تحسرت على ما يحدث من هذه التصرفات الدونية التى يقوم بها بعض المشايخ والأساتذة الذين يدرسون الإسلام فى الخارج، وهذه فضيحة من مبعوثى وزارة الأوقاف، لأن هناك من يقوم بإفطارهم ومن يقوم بإطعامهم، كذلك شاهدت بنفسى بعض الشيوخ يزوجون شبابًا بسيدات لأسابيع فقط، وهذا «قلة أدب».

■ البعض قال إنه لا وجود لما يعرف بالشريعة الإسلامية؟

- هذه حقيقة، هم قدموا نصوصًا وقصوا منها وقدموها للناس، وبعض التيارات تقدس هذه المصطلحات لكى يثبتوا هواهم، وثبتوا هذه المصطلحات حتى يصلوا إلى هنا، ووضعوا لأنفسهم مسافة من القدسية عجيبة ولا يتحملون أن ينتقدهم أحد رغم أنهم بشر يؤخذ منهم ويُرَد، وكل إنسان خطاء.

ما نحن فيه حاليًا عانت منه أوروبا لـ٦ قرون من جبروت الكهنوت الكنسى إلى أن قلبوا الكنيسة بما لها وما عليها، بعدما وصلوا إلى مرحلة العلم الرهيبة التى وصلوا إليها، وأنا أتمنى ألا يحدث هذا فى بلادنا، لكنهم لم يعوا هذا التاريخ حتى نتجنبه لعلمائنا ومؤسساتنا، والمسألة لا تحتاج إلى اجتهاد، لأننا لم نقف عند العهد الأول، هى فقط مجرد عملية حسابية ٢ + ٢ يساوى ٤.

والحقيقة ما يحدث الآن ليس فى الأزهر فقط حتى نكون منصفين، لكن ماذا حدث لرجال مصر؟ وأنا أتذكر وأنا فى شبابى كنت أرى رجالًا عظامًا فى مصر فى كل المواقع والمجالات، والآن لا يوجد، ماذا جرى للشخصية المصرية؟.. فالشخصية المصرية تراجعت كثيرًا فى كل المواقع، وأنا أقولها كأستاذ فلسفة وعلم نفس: إن الشخصية المصرية التى تربينا عليها منذ خمسينيات القرن الماضى ليست موجودة حاليًا.

د. آمنة نصير تتحدث لـ«الدستور»

- كم أحب ربى وأطلب منه بنوع من العشم الكبير جدًا، أنا فى علاقاتى بربى ممتلئة بالعشم والرجاء والمحبة، وأنا أحب ما يربطنى بربى على أساس الحب، وليس على أساس الخوف أبدًا، لذلك أنا أحب رابعة العدوية وهى تعبر عما أنا أعيشه، لأنها تحب الله لذات الحب وليس خشية من ناره أو طمعًا فى جنته، لذلك أنا أحب فلسفة رابعة العدوية جدًا ولى منها نصيب بسيط، بالطبع ليس بقوة رابعة ولا بعمقها.