رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لندنستان.. احجز مقعدك فى الجنة بـ٥٠ جنيهًا إسترلينيًا!

البريطانيين
البريطانيين

 

لا يزعج البريطانيين نسب ملكتهم إليزابيث إلى النبى محمد، وأصلها الإسلامى، بقدر ما تزعجهم مجموعة شباب تتجول ليلًا داخل الشوارع الجانبية بمنطقة فى لندن، أغلب سكانها مسلمون، وتأمر البريطانيين بعدم شرب الخمر، والالتزام بالأزياء المحتشمة، وتفصل «الكابلز» غير المتزوجين، وتطلب منهم الالتزام بشريعة المنطقة «المسلمة». 

المنطقة المشهورة بأغلبيتها المسلمة تحمل اسم «توتينج»، حين تعبر طرقها، تجد النفايات فى كل مكان، خارج الصناديق المخصصة لها، أمام المسجد الكبير، على نواصى الشوارع، التى تضم مصليات سنية وحسينيات شيعية وزوايا صوفية، لا شىء يلفت النظر لها من الخارج، لا لافتات ولا «يافطات». 

يتسامح المتشددون، وسلفيو بريطانيا مع الصوفية، يشجعونها ولا يعتدون على زواياها المنتشرة بجميع المدن الأوروبية، أو يكفرون أهلها، كما يحدث فى العواصم العربية، فالاثنان هناك يكملان بعضهما؛ الصوفية جذَّابة، وطقوسها الروحية تغرى أصحاب الديانات الأخرى بالتحول إلى الإسلام- أو التبرع للإسلام- أكثر من طقوس السلفية المتشددة، التى تحول الإنسان إلى ماكينة تفرز طقوسًا وشعارات وصلوات وتنفذ فتاوى بلا قلب. ثلاثة أرباع مسلمى بريطانيا «الجدد» بدأوا رحلتهم الدينية من زوايا الصوفية. 

كانوا يبحثون عن الجنة بأسهل الطرق، فدخلوا زاوية لا تختلف كثيرًا عن زوايا شارع المعز، أناشيد وهتافات وابتهالات وعمائم خضراء وفتة ولحوم وحضرات ورقص يجعل أقدامك على أراضى لندن، وروحك فى السماء، ومفارش ومقاعد من الحرير تستضيف «المؤلفة قلوبهم» لتغريهم بنعيم الإسلام.

وفى ركن التبرعات قائمة بأسماء الموعودين «الجدد» بدخول الجنة، وشروط وضع اسمك بينهم، أول شرط أن تدخل الإسلام، والثانى أن تدفع ٥٠ جنيهًا إسترلينيًا تبرعًا «حوالى ألف جنيه مصرى!»، والثالث ألا تخرج من المِلة أبدًا، وها أنت- الآن- حجزت مقعدك فى الجنة، هنيئًا لك. 

وفى رمضان، تتحول «تبرعات دخول الجنة» إلى ملايين تنفق على الحملات الإعلانية التى تطلب تبرعات للمسلمين، حتى إن باصات لندن الحمراء الشهيرة تكتسى، مع بداية الشهر الفضيل، بلافتات «سبحان الله»، و«الحق ثواب رمضان»، وفى الأسفل «تبرّع الآن»، ورابط موقع إسلامى.

ولأن أغلب المسلمين فى بريطانيا هنود وباكستانيون هاجروا من نار الانفصال بين البلديْن الآسيويين إلى مدن إنجليزية، اخترعوا علاجًا نفسيًا بالقرآن، كالعلاج بالطقوس البوذية والهندوسية والطب الصينى، ويمكن أن تدخل أى مسجد فى بريطانيا لتجد مكتبًا للمسئول عن التداوى بالقرآن.

ستسأل: وكيف يترك بلد علمانى متقدم طقوسًا دينية وشيوخًا وملتحين يحكمون حياة البشر؟.. لن أقدم لك إجابة، سأقدم حكايات أخرى عن حياة المسلمين فى بريطانيا. 

حين تدخل قاعة محاضرات ببعض جامعات بريطانيا، ستجد جانبًا للطلاب الرجال، وجانبًا للطالبات، فالأسر الإسلامية حاضرة ومتشددة ولها كلمة مؤثرة، وتقيم دروسها ومحاضراتها.

وفى الشوارع ترى فتيات لا تتجاوز أعمارهن سبع سنوات فى حجاب أسود، حلوى مغطاة يكافح أهلها الاغتصاب بـ«الطرحة والجلباب»، وفى الغالب يكون الأهل باكستانيين أو أفارقة تزيدهم الغربة فى بلاد أوروبية تشددًا وقربًا من الإسلاميين، الحضن الدافئ الذى يشعرهم بدفء أوطانهم، فقيمة الحجاب أنه يميز المسلمين عن غيرهم، وليس «زيًا إسلاميًا» فقط.

يحكى صديقى «محمد»، الذى درس الماجستير بلندن، أنه حضر خطبة الجمعة لأول مرة منذ وصوله، فسمع إمام المسجد يصيح فى مكبر صوت بالشارع: «سبب حوادث التحرش هو عدم ارتداء النساء الزى الإسلامى، والمسلم الحق لا يجوز أن يقرأ مذكرات باراك أوباما، ولا يجب أن يقرأ سوى سيرة النبى محمد». 

وصفت شبكة «بى بى سى» هذا الإمام بالإرهابى، فأقام دعوى قضائية يتهمها بتشويه سمعته. خسر القضية، وأصبح «إرهابيًا بحكم محكمة»، لكنه يقدم خطبه ويقود الصلوات بمساجد لندن حتى الآن. 

لا تتدخل بريطانيا «الدولة» فى حياة المسلمين، تتركهم لحالهم قلقًا من صياحهم المستمر بتجريدهم من هويتهم، فالمجتمع الإسلامى قوى، يخشى الجميع غضبه وزوال أصواته الانتخابية، والإحصاءات تقول إن الإسلام أسرع الأديان انتشارًا فى بريطانيا، واسم «محمد» أصبح الأكثر تسمية للمواليد فى لندن، والأرقام تؤكد أنّ الإسلام سيهيمن على بريطانيا قريبًا، حتى إن أى مسئول يخاف من سؤال طفلة مسلمة إن كانت ترتدى «الطَرْحة» بمزاجها أم بمزاج ولى أمرها، كى لا يتهمه أهلها بدعوة الطفلة لتغيير دينها.