رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فقه بني إسرائيل (1) .. كيف يرى اليهود الله؟

صلاة يهودي
صلاة يهودي

الله واحد .. لكن عند من يعبدونه ليس كذلك، وعند اليهود ليس كذلك بطبيعة الحال، دراسات ومراجع كثيرة تناولت نشأة الديانة اليهودية وتطورها، في محاولات لتأريخها أو لانتقادها، ورغم لك مازال الغموض يحيط بجوانب عديدة منها.

أحد الجوانب "الغامضة" في الديانة اليهودية، هي فكرة "الإلوهية"عند اليهود، أو بشكل أكثر تحديداً. كيف يرى اليهود الله؟ ، وكيف يرون عقيدتهم ؟، وكيف يرون أنفسهم؟ شعب مختار أم معتنقو ديانة توحيدية؟ 

بدأت عند موسى وكتابها التوراة

اليهودية هي أقدم الديانات الإبراهيمية، بدأت أثناء رحلة خروج بني إسرائيل من مصر، بدأت رسمياً في جبل سيناء حين تسلم النبي موسى عليه السلام الوصايا العشر، التي تعتبر لب الشريعة اليهودية "الموسوية" – نسبة إلى موسى-  والتي تجمع بين فرائض العبادة والعمل الصالح بين بني البشر.

بعد وفاة النبي موسى وأخيه هارون عليهما السلام تولى قيادة بني إسرائيل من بعدهما يوشع بن نون وبعد وفاته قاد الشعب اليهودي طبقة من القضاة كان آخرهم شاؤول "طالوت". على مدى القرون، تطورت الديانة اليهودية، وتغير شكلها، وتطور فكرها وشريعتها وطقوسها.

اليهودية من المصطلحات التي تسبب اختلافاً في دلالتها، ظهر المصطلح للمرة الأولى في العصر الهيليني للتمييز بين عقائد وممارسات اليهود، والعبادات الموجودة في الشرق الأدنى، فأول من أشار إلى عقيدة اليهود باليهودية هو المؤرخ اليهودي الأغريقي يوسيفوس فلافيوس، للفصل بين عقيدة أهل مقاطعة يهودا مقابل عقيدة سكان مقاطعة هيلاس. فالمصطلحان بدءا كاسمين جغرافيين قبل أن يشيرا إلى النسقين العقائديين.

الكتاب المقدس لليهود هو التوراة الذي أنزل على موسى، لكن أحكام وشرائع التوراة تشرحها الشريعة الشفوية، وهي الشرح الحاخامي لنصوص التوراة والذي سجل لاحقا في التلمود.

الله عند اليهود: يهوه

اليهودية هي أقدم ديانة توحيدية بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، والله في اليهودية واحد أحد، ومفهوم الإله في اليهودية هو ذلك المستمد من الأسفار الأولى في التوراة، فالله هو فرد صمد قادر رحيم عادل خلق الناس لتعدل وترحم بعضها بعضا، وجميع الناس تستحق أن تعامل باحترام وكرامة.

التوحيد يظهر في شهادة الإيمان اليهودية أو دعاء "اسمع إسرائيل": "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد". 

عند خروج بني إسرائيل من مصر، ظهر إله اليهود "يهوا" الذي عرفه بني إسرائيل أنه إلهاً لزمن وجودهم في مصر في الفترة الواقعة بين إبراهيم وموسى.

بعض المصادر ترى أن الآله لم يكن معروفا باسم يهوه قبل موسى عليه السلام، ومما يدعم الرأي أننا لانجد اسماء عبرية تقترن بيهوه قبل موسى وإنما نجد اسماء كثيرة تقترن بجزء من هذا الاسم بعده. 

ترسم التوراة صورة "يهوه" بأكثر من شكل، فأحياناً ينظر اليهود إلى الآله كإنتماء قبلي فينظروا إليه كفرد من أفراد القبيلة التي ينتمون اليها بصلة الدم فهو لهم بمثابة الأب. فيصفه التوراه:" يسير أمامهم في النهار عمود سحاب، وليلاً في عمود نار ليضيء لهم الطريق".

وفي صورة أخرى تقدمه التوراه كأنه "غير معصوم ويندم على فعلة، ففي التوراه يوجه الرب الكلام إلى صموئيل:" ندمت إني جعلن شاؤول ملكاً لأنه رجع من ورائي ولم يقم كلامي"، بحسب سفر صموئيل الأول- الإصحاح الأول. وأيضاً مثل:" "وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة عند هبوب ريح النهار". “فحزن الرب انه عمل الإنسان في الأرض. وتأسف في قلبه”.

في بعض الأوقات تم انتقاد "يهوه"، رغم انه كان متعصباً لليهود، وينصرهم ظالمين أو مظلومين، ولكن في أوقات أخرى، بدأ الأنبياء اليهود يرفعون من قدر إلههم بكل عبارات التبجيل الأخلاقي، مثل:" إنه اله عادل ورحيم ومحب لشعبه المسكين إسرائيل، ويقول إشعياء على لسان يهوه:"لأني أنا الرب محب العدل مبغض المختلس بالظلم.واجعل أجرتهم أمينة واقطع لهم عهدا أبديا".

التوحيد: إله واحد لليهود

في أوقات أخرى، يتم الحديث عن الإله باسم "إيلوهيم"، فذكرت التوراة أن إبراهيم عليه السلام يعبد "إيلوهيم"، وهذه الكلمة بالعبرية بصيغة الجمع، وهو ما دفع بعض العلماء إلى الاعتقد أن لليهود أكثر من آله، لكن في تفسير آخر، قيل أن صيغة الجمع للتفخيم.

لكن من الملاحظ أن الأسفار المكتوبة بعد ذلك بكثير أصبحت تستخدم اللقب المفرد "ايل". ولكن ما ينفى تلك الفكرة، ويدعم فكرة التوحيد، النص التوراتي في سفر الخروج "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي" ويتكرر النص حرفيا في سفر التثنية أيضاً.

ثم تطور تأكيد التوحيد، حيث أصبح يهوه بشكل واضح إلها مطلق للكون كله، لا إله سواه، هو صاحب القدرة المطلقة على الكل سواء كانوا يهودا أو لا،  ففي سفر إشعياء: "أنا الرب وليس آخر.لا إله سواي، نطّقتك وأنت لم تعرفني".