رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التراويح فى «السيدة زينب»: «نظرة يا أم العواجز»

التراويح
التراويح

حين تضيق بالمصريين الدنيا ينصحون بعضهم بالذهاب إلى الطاهرة، أم العواجز، فهى حفيدة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسبيلهم لنيل رضوان الله وتحقيق المعجزات، وفى شهر رمضان المبارك يتحول مسجد السيدة زينب والمنطقة المحيطة به إلى قبلة يقصدها الصائمون والراغبون فى قضاء ليلة رمضانية بأجواء كرنفالية تراثية. 

لم يستقبل المسجد المصلين منذ عامين، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، وهذا العام يعود المريدون والمشتاقون إلى رحاب السيدة زينب، فيعتقدون أن الدعاء أمام مقامها مستجاب، والصلاة فى مسجدها طقس رمضانى لا غنى عنه ولا يعوضه أى مسجد آخر. علقت الأنوار الخضراء حول المئذنة والقبة، وأنير لفظ الجلالة فوق المسجد باللون الأخضر أيضًا، واستعد أهالى المنطقة لتقديم الخدمة لضيوفهم من أهل القاهرة والمحافظات الأخرى، الذين اعتادوا على حضور رمضان فى مسجد السيدة زينب، ومنعتهم جائحة «كورونا» من الحضور العام الماضى.

مياه وعصائر مجانية.. والتزام بالتوقيتات المحددة من «الأوقاف»

قبل أذان مغرب أول أيام الصوم عاد بعض المظاهر الرمضانية التى كانت تعيشها مصر قبل انتشار فيروس كورونا، حيث اصطفت المنضدات الرمضانية، وعليها كل ما لذ وطاب من المشروبات الرمضانية الشهيرة، والمياه الباردة، ليروى الصائمون عطشهم، ولن يمر المصلون من أمام هذه المائدة دون الاختيار بين المشروبات أو أنواع التمور المختلفة.

يُصر أصحاب هذه المائدة الصغيرة على أخذ ثواب كل الصائمين، فينادون على واحد واحد منهم، ويعرضون عليه منتجاتهم المجانية، مرددين نفس الجملة «رمضان كريم اتفضل اشرب، خد تمر وكوباية عصير».

يختار الصائمون بين المشروبات الباردة التى تروى عطشهم، فمنهم من يختار العرق سوس، أو التمر هندى، وهناك جمهور السوبيا والكركدية، أما محبو البلح باللبن والتمر فسيجدون مرادهم أيضًا، ففى حضرة السيدة زينب الجميع سيرضى ويفطر على ذوقه الخاص.

ومن ينجح فى الإفلات من هذه المنضدات المنتشرة حول المسجد، سيجد مجموعة من الشباب المتطوعين الذين حملوا زجاجات العصير الكبيرة، ومعهم الكثير من الأكواب البلاستيكية البيضاء ذات الاستخدام الواحد، حتى يحافظ الجميع على الإجراءات الاحترازية.

وفى أكياس مغلفة صغيرة الحجم، وضعت مجموعة من حبات التمر ليحصل عليها الشخص الواحد، منعًا لاختلاط الأيادى، واستمر المتطوعون يعملون ويمرون بين الصفوف لسقى المصلين كخلية نحل لا تمل أبدًا، وكان الإقبال عليهم كثيفًا خاصة فى مرحلة الإفطار قبل البدء فى الصلاة.

وبعد أذان العشاء حصل الجميع على المياه الباردة استعدادًا للبدء فى صلاتى العشاء ومن بعدها التراويح، ولا سيما مع علم جميع المصلين بأن جميع الركعات ستصلى تباعًا دون استراحة ما بعد الركعات الأولى، ولا بد لهم من بعض العصائر والتمور حتى يخزن الجسد طاقته للصلاة المتلاحقة.

والتزم إمام مسجد السيدة زينب بالمدة المحددة لإقامة صلاة التراويح، تنفيذًا لتعليمات وزارة الأوقاف وحرصًا على صحة المصلين، ولهذا اقتصرت الركعات على آيات قصيرة، وصغيرة العدد حتى تنقضى صلاة العشاء والتراويح فى مدة لا تزيد على نصف الساعة.

ولهذا بعد انتهاء الصلاة تهافت المصلون على المياه والعصائر من جديد، لتعويض ما فقده الجسم من المياه أثناء الصلاة المتتابعة، وكلما زاد العدد ابتهج أصحاب الموائد والمتطوعون، فكم الأكواب البلاستيكة ينم عن الحسنات التى سيحصلون عليها، ولأنهم يدركون أهمية وجودهم سارعوا لتنظيم صفوفهم من جديد وخدمة أكبر عدد ممكن من المصلين.

ولا ينتظر المتطوعون أى أجر من المصلين، فقط يكفيهم الدعاء الصادر عن قلوبهم، ويفضلوت تلك الدعوة التى يرددها دائمًا كبار السن: «ربنا يسقيك من يد الرسول»، وعندها ينقضى يومهم وتنجز المهمة، فمن يحتاج لشىء بعد شربة من يد الرسول لا يظمأ بعدها أبدًا.

عمال المسجد للمصلين: التزموا بالإجراءات الاحترازية

قبل البدء فى الصلاة نبه إمام مسجد السيدة زينب وكل العاملين على المصلين أن يرتدوا الكمامات، ويحافظوا على المسافات الآمنة بينهم، وأنه لا داعى للتكدس فالساحة الخارجية للمسجد ستتحول إلى مكان للصلاة، إذا اضطرهم الأمر لذلك، محذرين من تكرار سيناريو إغلاق وزارة الأوقاف مسجد الطاروطى فى الشرقية، فى أول أيام شهر رمضان، بعد أن أقيم فيه أول تراويح وكانت غير منظمة بالقدر الكافى.

وقد أحالت الوزارة إمام المسجد والعاملين به إلى التحقيق بسبب عدم التزامهم بالضوابط الوقائية والإجراءات الإحترازية، وهو ما أثار خوف أئمة وعمال المساجد، فظل العمال يتحدثون عن هذه الواقعة الخاصة بإغلاق مسجد الطاروطى.

وطاف العاملون يكررون على المصلين: «إحنا مسجد كبير والعين علينا، لازم كلنا نلتزم بالإجراءات علشان المسجد ميتقفلش، ونكمل تراويح لآخر رمضان»، وطالبوا الجميع بالالتزام بالمسافات الآمنة، وبالفعل وقف المصلون متباعدين، وخرج الكثيرون منهم للساحة الخارجية للمسجد لأداء صلاة القيام.

وككل المساجد لم يسمح لأى شخص بالدخول من باب المسجد قبل التأكد من ارتدائه الكمامة وله سجادة صلاة خاصة به، ونظرًا للإقبال الكثيف على المسجد فى ثانى أيام التراويح لهذا العام حاول المصلون ترك مسافات آمنة، ولكنها ليست كبيرة للغاية كى يتسع المكان للجميع.

 

زيارة المقام وقراءة الفاتحة طقوس الزائرين المقدسة

يعرف المصلون ومريدو السيدة زينب، رضى الله عنها، طريقهم للمقام، فكأنه فرض على الجميع بأن يخصصوا جزءًا من زيارتهم للمسجد لدخول المقام، وقراءة الفاتحة لحفيدة رسول الله، والأمر لا يقتصر عند البعض بمجرد زيارة عابرة.

جلس محبو السيدة حولها، فالبعض جاء إليها طمعًا فى دعوة خاصة يريد من الله أن يحققها له فى لمح البصر، وآخرون يأخذون البركة بلمس المقام بأيديهم، أما أكثر المشاهد شيوعًا داخل مقام السيدة زينب فهم المداحون الذين يطوفون حول المقام، وهم ينشدون بعضًا من الأبيات الشعرية التى كتبت خصيصًا لزينب بنت على بن أبى طالب.

وانطلق أحد هؤلاء المداحين ينشد: «مَدُحُكم حُبىَ وَنَصِيبِى طَالِبين حُسن الخِتَامْ.. مَادِحَ الأَخَيارِ حَقًا يَنجُو فىِ يَوم القِيَامْ.. أَيُها الأَحبَابُ زُوروا سَلَموا عِندَ المَقَامْ.. انَهَا تَسمع وَتُبصِر وَ كَفَى رَدُ السَلامْ».

«مدد يا طاهرة يا أم العواجز».. كلمات يرددها زائرو المقام عندما يتحدثون مع صاحبته، وذلك لما اشتهر عنها ووصل من سيرتها باهتمامها بالضعفاء والمساكين والعجائز، ولهذا يلجأون إليها حتى بعد رحيلها عن الحياة، ظنًا منهم بأنها ستمد لهم يد العون والمساعدة.

يدرك عمال المسجد أهمية زيارة المقام بالنسبة للمصلين، ولهذا بعد انتهاء الصلاة لم يغلق العمال الأبواب ويطالبوا الجميع بالرحيل، وإنما سمحوا بخمس دقائق إضافية ليتمكن الزائرون من دخول المقام وقراءة الفاتحة لصاحبة المسجد والمقام.

 

كرنفال رمضانى حول الجامع: فوانيس.. مخللات.. ومطاعم للإفطار والسحور و«السهرات»

عقب انتهاء الصلاة التقى الرجال مع زوجاتهم عند مصلى السيدات لينطلقوا فى جولة رمضانية حول المسجد، حيث انتشرت متاجر الزينة والفوانيس، فمنطقة السيدة زينب هى المصدر الأول للفوانيس الرمضانية التراثية فى كل أنحاء الجمهورية، ومن هذه الورش يخرج الإبداع كل عام، فهم مسئولو البهجة وصناع الفرحة الرمضانية.

الفوانيس متنوعة ملونة تعطى لشهر رمضان طعمًا مميزًا، وتسمح لزائرى المنطقة بالاختيار بين الكثير من الأشكال والتصميمات المختلفة، وتعرض المتاجر على زبائنها بعض العرائس لشخصيات رمضان الشهيرة مثل بوجى وطمطم، وبكار وفطوطة، ويختار الأطفال بين شخصياتهم المفضلة.

وليست الفوانيس وحدها أو الزينة الرمضانية بجميع أشكالها هى المنتجات الوحيدة، وإنما الملابس والأزياء التراثية، وكذلك المخللات وجميع المواد الغذائية التى يحتاجها الصائمون طيلة الشهر الفضيل، ولهذا فالصلاة فى مسجد السيدة زينب هدف الكثير من السيدات حتى ينطلقن فى جولة للتسوق عقب الصلاة، فيحصلن على كل ما يردن وبأسعار مخفضة.

ونظمت المطاعم المحيطة بالمسجد وعلى امتداد الشوارع المحيطة سهرات رمضانية للباحثين عن البهجة وقضاء ليلة بالخارج تذكرهم بروح رمضان، فقد حرمهم فيروس كورونا من هذه الأجواء العام الماضى والجميع يشتاق إليها.

علقت المطاعم أنوارها ووقف عمالها يرحبون بزبائنهم فى مشهد تقليدى اعتاد عليه رواد السيدة زينب، ووقفت الأسر فى حيرة من أمرها أى من المطاعم تختار لقضاء سهرتها، عقب صلاة التراويح، وجلسوا جميعًا يتسامرون ويتذكرون هذه الأمسيات الرائعة، وكيف لا تحلو أوقاتهم إلا فى هذه الأجواء الرائعة.