رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الهارب».. قصة تشيخوف عن كذب الكبار

تشيخوف
تشيخوف

يتأثر الكاتب بمهنته كثيرا ربما لأنه أدرى بشؤونها من غيره من منطلق أهل مكة أدرى بشعابها، وقد يكون ذلك ناتج عن دوافع داخلية لا يعرفها الكاتب نفسه، فيجد قلمه تلقائيا يخرج ذاته على الورق، وهذا ما يمكننا أن نلاحظه فى قصص تشيخوف.

فالطبيب كان موجودا دائما، سواء كان هو بطل القصة أو جزء منها لكنه فى كل الأحوال شخصية مؤثرة فى الأحداث، كما أن فكرة المرض وعنابر المستشفيات ظهرت كثيرا فى أعمال تشيخوف، ومنها قصة "الهارب" التي تحكي عن سيدة ريفية تأخذ ابنها باشكا الذى لم يتجاوز العاشرة إلى المستشفى ولما يدخلا على الطبيب فيكشف عن ذراع الطفل المصاب بدمل، يقوم الطبيب بتوبيخ الأم لأنها أهملت ذراع ابنها حتى تقيح، ثم يأمر بحجز الطفل فى المستشفى ولكي يقنعه قال له أنه سيأخذه فى نزهة فى الغابة وسيريه الثعلب وغيره من الحيوانات بعد قليل، فوافق باشكا أن تنصرف والدته بينما يبقى هو بالمستشفى.

ولما الطفل دخل العنبر وجد من يسعل ومن يتأوه ومن يصرخ لموت مريض فى العنبر، كانت هي المرة الأولى التي يرى فيها باشكا رجلا ميتا محمولا على الأعناق، وسأل عن صديقه الطبيب الذى وعده بزيارة الغابة فلم يجبه أحد، ولما جن الليل لم يقدر باشكا على البقاء داخل المستشفى أكثر من ذلك فاستغل انشغال الممرضة بموت العجوز فخرج من العنبر ونزل للدور الأرضي، ودخل غرفة الطبيب فلم يجده فركض خارج المستشفى وظل يركض بلا وجهه وهو يصرخ من الرعب بسب الظلام الدامس الذى أحاط به، والذى جعله لا يعرف الذهاب إلى بيته.

وفى ظل الخوف الشديد لمح مصباحا من بعيد، فجرى نحوه ولما وصله كان قد فقد قدرته على الحركة فسقط مغشيا عليه فى الصباح خرج الطبيب من بيته، فوجده أمامه بلا حراك فقال أنت ياباشكا تستحق الضرب فعلا، ربما أراد تشيخوف من قصة الهارب، أن يقول إن الكبار يكذبون ويخدعون بينما الصغار مازالوا أنقياء أبرياء يصدقون من يقال لهم.