"الحنة" زينة ودواء الغلابة فى خطر: مزارعو "الذهب الأحمر" فى أسوان يروون قصتهم (معايشة)
كيف أصابت كورونا "الذهب الأحمر" وحولت احتفالات مزارعيها لمآتم فى أسوان؟
"الدستور" مع مزارعي وتجار الحناء فى وديان النقرة والصعايدة والرديسية بأسوان
سكان 30 قرية يعيشون على الحناء بـ 2500 طن فى العام.. والمخازن مأزومة لعدم التصدير
انقطع الغناء فلا صوت يعلو فوق صوت الكساد الذي أصاب تسويق الحناء بسب كورونا، وكنت أتوقع أن أسمع صوت ناس أسوان وهم يغنون للحناء؛ النبات المقدس لديهم، كنت آمل أن أشاركهم رقصاتهم على إيقاع "الحناء يا الحناء يا قطر الندى" لكن جراحهم ابتلعت الصوت والرقص.. ولم يعد لديهم سوى البوح.. و"الدستور" تشاركهم البوح.
تلك المشاهد التى اعتدنا عليها نحن أبناء الأرياف، للفتيات والنساء يحملن الصوان المعباة بـ"الحناء" ومدججة بالشموع المضاءة لتحنية يدي العروسة وأقاربها وضيوفها من المعازيم، ايذانًا لـ "الليلة" التى تسبق حفل الزفاف، ولذلك أسموا تلك الليلة على اسم نبات الحناء، المعروفة بكونها زينة ودواء الغلابة فى مصر والكثير من دول العالم، فمن لا يملك مالًا "الحناء" تكفيه وتغنيه.
وعلى الرغم من التطور بين ألفية وأخرى لصنوف من المكياج ودهانات الوجه الذهبية والطينية، إلا أن "الحناء" لازالت لدى قطاع كبير من النساء والرجال تمثل ملامح من البهجة والانتشاء والفرح، فمهما خانها الزمن وعفا عليها الا أنها لا زالت موروثًا لا يمكن التخلي عنه بشقيه الديني والتاريخي.
وكمثل باق الصناعات وصنوف التجارة والزراعة، تأثرت الحناء الأسوانة المعروفه بزراعتها فى ثلاثة وديان أسوانية "وادي الرديسية، وادي النقرة، وادي الصعايدة" بظروف جائحة فيروس كورونا المستجد، وتحولت الاحتفالات إلى أزمة مستعصية على صغار الفلاحين والتجار، فقد امتلئت المخازن عن اخرها بمحصول العام الماضي الذين لم يتمكنوا من تصريفه لتوقف التصدير حتى الآن، وأصبح ثقلًا على كاهلهم بداية من المزارع وحتى الشركات.
يقول عبدالعظيم محمد أحد كبار تجار الحناء ومالك لثلاث ماكينات طحن الحناء، أنها ان تلك الزراعة قد اتقلت اليهم فى الخمسينيات، بعدما كانت تزرع فى محافظات بحري، نظرًا لاحتياجها لأجواء حارة وجافة وهو ما كان مناسبًا لها على أكمل وجه بعدما تغير الجو فى مناطق الدلتا، وتبدأ عملية زراعة "الحناء" فى شهر مارس من كل عام على هيئة عُقل تغرس عموديًا، ويتم حصدها على مرتين فى شهري يوليو وديسمبر.
يرتبط مصير سكان أكثر من 30 قرية أسوانية بزراعة الحناء ومستقبلها، وبحسب 6 من كبار المزارعين والتجار اللذين تحدثوا لـ"الدستور" فإن أسوان تورد نحو 2500 طن فى السنة من منتج الحناء المصري الذى ينافس إيران والهند والسودان، موضحين أن 80% من منتج الحناء يتم تصديره لدولًا عربية وأجنبية وشرق أسيوية، لكن أشهرها على الاطلاق كانت السعودية التى كانت معروفة بأنها تستورد معظم الحناء المصرية وكانت تُباع هناك لكل حجاج ومعتمري بيت الله الحرام، فلا هدية تضاهي الحناء الموجودة ببلاد الرسول، لافتين إلى أن أكثر الدول الأوروبية المستوردة للحنة المصرية هي ألمانيا.
يحتاج الفدان المنزرع بالحناء بحسب حمزة محمد من وادي الصعايدة إلى مالا يقل عن 60 عامل فى الفدان منذ حصده حتى تعبئته فى أجولة، كما أن الفدان يحصد فى العام نحو 3 أطنان من الحناء اذا كان مخدومًا عليه فى الزراعة، ويباع محصول الفدان الواحد بـ 9 الاف جنيه شاملًا الأوراق والعيدان.
مصطفى عيسى أحد تجار الحناء ومسؤول الوحدة المحلية فى وادي الرديسية يشير إلى أن صناعة هامة وتكميلية تعتمد على عيدان الحناء بعد نزع وفصل الأوراق عنها حيث يتم تربيطها حزم وشحنها لقرية "ميت كنانة" فى مركز طوخ بالقليوبية والذى يعمل كامل أهلها على تصنيع عيدان التمر حنة إلى "بورجيلات ومشنات واسبتة وشماسي وتندات"، ويقومون ببيعها لشركات ومعارض مخصصة لهذه الصناعات.
يشير رمضان حسن أنه على الرغم من أنه يقال أن صلاحية الحناء تدوم لـ 3 سنوات فقط، إلا أنها لا تفقد صلاحيتها أو لونها ورائحتها مهما مرت عليها السنون، موضحًا طبيعة نظام زراعة وجمع المحصول من الفلاحين إلى التجار وهى أنه يتم دفع جزأ مقدم من المال للفلاح لكي يساعده على زراعة وتحسين المحصول، ولذلك يشير أن الكساد عاد عكسيًا على التجار والفلاحين بدورهم
ويشكو رمضان من مرض غريب وجديد عليهم ظهر فى زراعات الحناء لم يتمكن الارشاد الزراعي من ايجاد حلًا له أو علاجه رغم العينات والتحاليل التي قاموا بها، مطالبًا وزارة الزراعة بالتدخل لحمايتهم بدلًا من أن تبور أراضيهم، كاشفًا عن أزمة أخرى وهى أن الكيماوي اللذين يحصلون عليه من الجمعية الزراعية للفدان لا يتخطى 5 أجولة فيما أن الفدان الواحد يحتاج لنحو 30 جوال وبذلك يشترونه من السوق السوداء بأسعار مضاعفة.
ويتدخل أحدهم فى الحديث مطالبًا بالاهتمام بميكنة ورزاعة التمر حنة لتعظيمة لأن الزراعة فى أسوان فى هذا السياق لا زالت بدائية للغاية ومتواضعة بالأدوات القديمة وهو ما يهدد بانحدارها وانقراضها.