رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عشرة أعوام على غزوة الصناديق




بعد انتفاضة ٢٥ يناير ٢٠١١ والإطاحة بالرئيس مبارك فى ١١ فبراير، تولى إدارة البلاد لمرحلة انتقالية مجلس عسكرى مؤلف من اثنين وعشرين قائدًا عسكريًا لمدة عام ونصف العام، وخلال تلك الفترة طرحت القوى المدنية ضرورة إعداد دستور جديد يكون تعبيرًا عن الوضع الجديد ومطالب انتفاضة يناير، لكن الإخوان المسلمين- وكان لهم ثقل تنظيمى فى الشارع- وافقوا على الاكتفاء بإجراء بعض التعديلات على دستور ١٩٧٠.
وكان دافع الإخوان إلى تلك الموافقة إدراكهم أنه إذا أجريت الانتخابات الرئاسية فى وقت قريب فسوف تنتهى لصالحهم، وبالفعل طُرحت التعديلات الدستورية للاستفتاء فى ١٩ مارس ٢٠١١، وحشد الإخوان قواهم كلها للتصويت بنعم على التعديلات، وكانوا يرددون: «نعم تجلب النِّعَم»، وصوّت أكثر من ٧٠٪ لصالح التعديلات، مما فتح باب الانتخابات الرئاسية سريعًا أمام الإخوان ليفوز بها محمد مرسى.
عقب ظهور نتائج الاستفتاء صرّح الشيخ محمد حسين يعقوب على الفور بقوله: «هى غزوة الصناديق»، وما جرى كان على حد قوله: «انتصار الدين»، ثم تكرم وأضاف: «البلد بلدنا.. واللى مش عاجبه عندهم فيزا أمريكا وكندا»، هكذا منذ اللحظة الأولى وقبل أن يصبح مرسى رئيسًا، قسّم الإخوان مصر إلى معسكرين على أساس دينى، ضاربين بفكرة الوطن عرض الحائط، ملوّحين بأن من لا يعجبه الوضع عليه أن يرحل إلى بلد آخر.
فى خطبته بمسجد الهدى بإمبابة قال الشيخ يعقوب بالنص: «متخافوش خلاص.. البلد بلدنا».. وسرعان ما كشف مرسى عن وجه الإخوان الفاشى حين أصدر فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢ إعلانه الدستورى السيئ الصيت الذى حصّن به قراراته من أى طعن ولا حتى من المحكمة الدستورية! فارتسمت أمام مصر صورة ديكتاتور قبيح وجاهل، وشاعت خلال فترة حكمه الأسود من يونيو ٢٠١٢ حتى يوليو ٢٠١٣ كل مظاهر البلطجة المُقنّعة بعبارات دينية.
وبالبلطجة هاجم الشيخ عبدالله بدر النجمة إلهام شاهين صائحًا علنًا أنها ملعونة سافلة! وبالبلطجة هاجم الشيخ أبوإسلام النجمة يسرا متهمًا إياها بمعاشرة عادل إمام مئة مرة، كأنما كان واقفًا بينهما يحصى عدد المرات! بالبلطجة مزق أبوإسلام إنجيل إخوتنا الأقباط، وتوعد بأن يجلب ابنه ليتبول عليه! بنفس الطريقة اعتدى أنصار الإخوان المسلمين على خالد صلاح، رئيس تحرير اليوم السابع، فى أغسطس ٢٠١٢ عند دخوله مدينة الإنتاج الإعلامى، وفى نفس المكان تم الاعتداء على يوسف الحسينى من قبل ذات المجموعات.
وبلغ الإجرام مداه حين كانت كفرالشيخ تحتفل بعيدها القومى فى ٤ نوفمبر، بحضور المحافظ الإخوانى سعد الحسينى الذى أطلق الكلاب البوليسية على الصيادين الذين جاءوا لمحاورته، فنهشت الكلاب لحم البسطاء، وعقّب الحسينى على ذلك بأن «الإخوان سيضربون معارضى الرئيس مرسى بالجزمة»!.. وفى حينه كتبت فى جريدة «الدستور» مقالًا بعنوان «الفاشية تدق الكعب».
وسرعان ما اتضحت على الملأ حقيقة الأكاذيب التى رددها الإخوان عن فلسطين والوطنية، وما زالت حية فى الذاكرة رسالة محمد مرسى لشيمون بيريز التى بدأها بقوله: «إلى صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل.. عزيزى وصديقى العظيم»، وبعد عام واحد تناثرت التصريحات عن أن الأقباط «أهل ذمة»، وأن مصر «بلد كافر لا ذمة له»، وامتدت قبضة الإخوان إلى الثقافة، ونصّ برنامج حزب «الحرية والعدالة» على أنه لا بد من «توجيه مسارات الإبداع الأدبى لخدمة قضايا المجتمع»، وصولًا إلى الحديث الصريح عن «ضوابط إدارة الحياة الثقافية».
وفى نوفمبر ٢٠١٢، نشرتُ فى «الدستور» مقالًا بعنوان: «الرئيس مرسى.. مظهر قرآنى وجوهر أمريكانى»، جاء فيه: «إن الرئيس مرسى يبدو مثل سحابة عابرة، عاجزة عن أن تمطر، وعاجزة عن البقاء فى الأفق.. يبدو الرئيس مثل اللحظة المؤقتة التى يقضيها المرء داخل المصعد، لا هو فى الطابق الأرضى حيث كان ولا وصل إلى طابق آخر.. لحظة انتظار مرهقة ومملة».. وقد انقضت تلك اللحظة، وأزاح الشعب الإخوان، ولم تبق سوى ذكريات عن ١٩ مارس التى عرّت تمامًا الطابع الفاشى الرجعى لتلك الجماعة الإرهابية.