رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رضوي فرغلي تحكي عن دور المحرر النفسي في دور النشر وتعامل الكتاب معه (حوار)

جريدة الدستور

الدكتورة رضوى فرغلي أول محررة نفسية للأعمال الإبداعية في العالم العربي:
بتانة أول دار نشر مصرية وعربية لديها محرر نفسي
أغلب الكتاب كانوا يرفضون الإعلان عن خضوع أعمالهم للمحرر النفسي

ثمة مصطلحات تبدو جديدة، وغير مألوفة على المشهد الثقافي المصري والعربي، منها مصطلح «المحرر النفسي للكتب»، والذي صكته الشاعرة والقاصة دكتور رضوى فرغلي، ورسخته عبر الاشتغال على العديد من الأعمال الإبداعية والروائية لعدد من كتاب عالمنا العربي، منهم الروائي الفلسطيني ربعي المدهون، والروائي المصري الراحل مكاوي سعيد، حول تاريخ المصطلح، وأهمية وضرورة وجود المحرر النفسي في الإطار المؤسسي لدور النشر العربية.

تحدثنا عن هذا الدكتور رضوى فرغلي، المستشار النفسي لدار بتانة للنشر والتوزيع:

في البداية حدثينا عن وجود وممارسة وظيفة المحرر النفسي تاريخيًا في دور النشر العالمية؟
كل دور النشر تقريبا العربية والدولية لديها محرريها، قد لا يكون تحت اسم المحرر النفسي، لأن المسمى جديد نسبيًا فيما يخص الأعمال الإبداعية، وإن كان بعض دور النشر العربية ومعظم دور النشر العالمية يلجئون لشخص مختص في علم النفس أو الطب النفسي إذا كان موضوع الكتاب يدور حول أحد القضايا أو المفاهيم النفسية، كذلك يعمل المحرر النفسي لدى دور النشر الأكاديمية الكبرى حيث تحرير ومراجعة الأبحاث والكتب المتخصصة قبل نشرها.

وهذا مختلف عن المحرر النفسي الشامل الذي يستطيع مراجعة وتحرير الكتب المتخصصة وأيضا الكتابات الإبداعية والأدبية، كما يمكنه تدريب الكتاب المبتدئين على كيفية خلق شخصيات أعمالهم بشكل واقعي وعميق قابل للتصديق، وبناء عالم روائي أو قصصي متماسك نفسيًا، وغيرها من المهام المهنية، وهو لابد أن يكون مختصًا بعلم النفس وكذلك لديه خبرة وافية بالإبداع والأدب والفنون، وغالبا ما يكون هو في الأساس مبدع أيضًا، أي أن مفهوم المحرر النفسي هو مفهوم شامل يلتقي فيه علم النفس بالإبداع، وهو التقاء قديم وتاريخي ويكاد علم النفس أن يكون عصب كل العلوم والآداب والفنون.

هل هناك أنواع من الكتابات لا بُد من مروروها على محرر نفسي قبل النشر؟
هناك أنواع من الكتابات لا يمكن أن تنشر قبل أن تمر على المحرر النفسي، مثل: الروايات والقصص النفسية، منها أعمال الإثارة النفسية، وهي أعمال ليست حديثة حيث يرجع تاريخ الرواية ذات البعد النفسي إلى ما قبل القرن الـ 17 الميلادي، وأشهر هؤلاء وأبرزهم، الروسي "فيودور دوستويفسكي" خصوصا في روايتيه "الجريمة والعقاب "و"الأخوة كارامازوف"، وإن كان دوستويفسكي مدرسة في الكتابة التي تتناول شخصيات وأحداث ذات بعد نفسي وصراع اجتماعي، فإن في عصرنا الحالي، للأسف نلاحظ أن كثير من الكتابات وخصوصا ذات البعد النفسي، بها خلل واضح وتبدو سطحية وأحيانا بها أخطاء فادحة، لأن الكاتب لا هو يبذل الجهد الكافي في الإعداد لروايته ودراسة شخصياتها نفسيا واجتماعيا، ولا هو يعرضها على محرر سيكولوجي يضبط له إيقاع الرواية.

هناك من يقوم بنفس الدور في دور نشر عالمية؟

طبعا المحرر النفسي الأكاديمي في دور النشر الأكاديمية الخاصة أو التابعة للجامعات والمؤسسات النفسية الكبرى، أو المحرر التطويري الذي يمتلك قدرة وخبرة وثقافة على القيام بهذا الدور للأعمال التي تتماس مع القضايا النفسية، أما المحرر النفسي للأدب والإبداع، بمعنى أنه أخصائي نفسي أو معالج نفسي يعمل بالتحرير، فهم نادرين ولا أعرف منهم إلا الأمريكية "تمار سالون وتقوم بنفس الدور الذي أقوم به كمحررة نفسية للأدب والإبداع وهي فالأصل كاتبة وأخصائية نفس.


مارست رضوى فرغلي النقد النفسي عبر العديد من الدراسات التي اشتبكت مع الشارع والمجتمع، يبدو للمتابع لك أن اشتغالك في التحرير النفسي المتعلق بالأدب والفنون ظهر مؤخرًا؟

أنا مارست الكتابات النقدية في العديد من الدوريات والصحف المصرية والعربية، كتبت عن العديد من الأفلام التي تتناول قضايا سيكولوجية، أو محط اهتمامي مثل قضايا أطفال الشوارع وعمالة الأطفال، والعنف ضد المرأة والطفل، وقدمت كذلك العديد من الكتابات النقدية للعديد من الأعمال الروائية والقصصية إلى جوار ذلك قدمت قراءة سيكولوجية حول أعمال وسيرة الفنان التشكيلي المصري "عبد الهادي الجزار"، وقد نالت جائزة دار الصدى الإماراتية.

أما عن التحرير النفسي، فقد اشتغلت بشكل فردي مع أكثر من كاتب مصري وعربي، منهم على سبيل المثال الروائي المصري الراحل مكاوي سعيد، ومع الروائي الفلسطيني ربعي المدهون.

كيف جاءت فكرة وممارسة هذا الدور بشكل مؤسسي؟

دار حديث بيني وبين الناشر دكتور عاطف عبيد صاحب دار بتانة، عن عملي الفردي كمحررة نفسية وطبيعة هذا الدور، تلاقت أفكارنا حول هذه النقطة ولأنه إنسان ذكي جدا مهنيًا واجتماعيًا ولا يرضيه مجرد النجاح إنما يسعى دائما لأن يكون سباقا ومتميزا في عمله، ناقش معي أن نقدم ذلك بشكل مؤسسي، لتصبح بتانة أول دار نشر مصرية وعربية لديها محرر نفسي، إيمانًا منه بالارتباط التاريخي بين علم النفس والإبداع، وبالفعل تشرفت بالعمل كمستشارة نفسية لبتانة منذ أن تم الإعلان رسميا عن ذلك في 882019 وهناك مشاريع وخطة عمل أكبر وأوسع من مجرد التحرير النفسي للكتب.

وأستاذها دكتور حسين عبد القادر كواحد من أهم وأبرز المحللين النفسين المصريين والعرب، كان له الدور الأكبر في تحريضها وتشجيعها على احتراف هذه المهنة والعمل بها بحكم خبرته وعمله في مجال الفن والأدب بمراجعته العديد من الأعمال المسرحية والدرامية والمسلسلات.

تبدو فكرة محرر نفسي غريبة على المشهد الثقافي العربي كيف استقبلها جموع الكتاب المصريين والعرب؟
يحتاج الكاتب إلى مدقق لغوي لأن ليس كل المبدعين على نفس الدرجة من الدقة والخبرة اللغوية وكذلك إلى التحرير العام لكتابه، فما بالنا بجانب نوعي ودقيق ومتخصص؟ لذا يحتاج إلى المحرر السيكولوجي في تقويم وضبط بنية العمل الإبداعي وجوهره. فمثلا نحن أبناء ماضينا وخلفياتنا الثقافية والدينية والاجتماعية، وعلى الكاتب أن يخلق شخصيات أصيله وقريبة من القارئ، وتستطيع أن تؤثر فيه.

وعلى الكاتب أن يعرف خلفية هذه الشخصيات بطموحاتها وآمالها وهزائمها وتعقيدات واقعها وتشابك علاقاتها وتكوينها النفسي المركب، خصوصا إذا كانت إحدى هذه الشخصيات مصابة بمرض نفسي مثلا أو تعرضت أي نوع من الصدمة أو تعايش شخصا مضطربا أو منحرفا أو فنانا أو هي شخصية مدمنة أو تعمل بالبغاء.

وهل تمارس رضَوي فرغلي عبر كتابتها سواء في القصة أو الشعر هذا الدور على أعمالها؟
بالتاكيد أمارس ذلك على أعمالي، بشكل أكثر صرامة من ممارسته على أعمال غيري. ونشرت مع كبرى دور النشر المصرية مثل الدار المصرية اللبنانية (نشرت معها كتابين، أطفال الشوارع والصحة الجنسية، وهي من أحب تجارب النشر إلى قلبي) وبعد عرض الفكرة، والتفاهم مع لجنة دار النشر حول الشكل المطلوب للكتاب، كانت الملاحظات طفيفة جدا وأنا احترمتها، وهم أيضا احترموا جدا بعض الأشياء التي احتفظت بها كما هي لارتباطها العلمي والتخصصي.. كذلك تعاونت مع الهيئة المصرية العامة، في كتابي "عين ثالثة"وأتذكر أن دكتورة سهير المصادفة أثنت جدا ولجنة القراءة على ملخص الكتاب وأسلوبه ويحسب لها نشره في وقت قياسي، كل ذلك أرجعه إلى حرصي على ممارسة هذا الدور على كتاباتي. وهناك مجموعة قصصية لي قيد التحرير.

وما مدى صعوبة ممارسة كاتب يشتغل في هذا المهنة ومدي تأثيرها على أسلوب كتابته؟
أنا أعتبر مهنتي كمحللة ومعالجة نفسية، ميزة ونعمة كبيرة جدًا، فعبر كتابتي سواء شعر أو قصة ستجد البعد السيكولوجي واضح إلى حد كبير وربما هو ما ينتج كتابة مختلفة قريبة من الناس، فحتى ديوان الشعر الذي صدر حديثا بعنوان "رشوة للمساء" يتضمن عدة قصائد يظهر فيها البعد النفسي بقوة.