رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد الخميسي: الكتابة بالقلم الرصاص تشبه الشوق إلى القرية والريف

احمد الخميسي
احمد الخميسي

قبل شهرين خصص الملحق الأدبي لصحيفة «لوفيجارو» ملف تمثل في نشر نوعية من الكتب باتت تحظى باهتمام القراء مؤخرا، يتعلق الأمر بمخطوطات ومسودات بخط اليد، لدواوين شعرية وروايات شهيرة لكتّاب معروفين، تم طبعها في كتب كما وصلت مخطوطا للناشر؛ هكذا يمنح المخطوط المسودة فرصة للقارئ لولوج العالم الإبداعي للمؤلف في حميمياته من خلال مسوداته الأولى، من خلال تنقيحاته وملاحظاته وخطه وإمضائه، وأحيانا الرسومات التي يضعها على الهوامش، الآن لم يعد متاحا لكتّاب معاصرين هذا النوع من النشر، لم يعد هناك أحد يكتب أعماله بخط اليد، لم تعد هناك مسودات.

«الدستور» استطلعت آراء الكتاب والمبدعين حول الأمر، وهل يوافق الكاتب على هذه التجربة أي نشر مسودات ومخطوطات أعماله في صورتها الأولى بخط اليد دون تنقيح أو تدخل؟ وهل مازل هناك من يكتب بخط اليد أم بغيره وغيرها.

وفي هذا الصدد، قال القاص والكاتب الكبير أحمد الخميسي: «شخصيا لا أحب ذلك، فالمسودات الأولى هي عملية تفاعل أدبي وذهني ونفسي لا أحب لأحد أن يطلع عليها، أحب له أن يرى النتيجة النهائية، كما نرى الأطفال لكن لا نرى العملية التي قادت إلى ذلك، ومع هذا ففي روسيا – ولا أدري هل ذلك معمول به في بلدان أخرى أم لا – هناك لديهم ما يسمى الطبعة الأكاديمية من أعمال الكاتب، وهي طبعة تضم كل ما يمكن العثور عليه من مسودات أعمال الكاتب إلى جوار أعماله، ولكنها لا تعد طبعة شعبية، هي طبعة لدارسي الفن والأدب».

وحول إن كان مازال يكتب بخط اليد، أضاف: «بالطبع كنت أكتب بقلم رصاص حتى برز في الأصبع الوسطى عندي ما يسمى كالو (ثؤلول) من شدة الضغط على القلم بين الوسطى والأبهام، وكان ذلك مرهقا جدا، لأني لا أستطيع أن أكتب إذا اتسخت الورقة أو شطبت فيها على كلمة، فكنت استهلك كمية مهولة من الأوراق والوقت، وحدث أن قصة ضاعت مني، فقدتها، اسمها «الأصوات» وكان ذلك وأنا في الثامنة عشرة، فحزنت جدا وقررت أن أتعلم الآلة الكاتبة لكي تكون عندي أكثر من نسخة من أي عمل، وفعلت ذلك، لكني كنت أكتب بالقلم الرصاص وأنقل النسخة الأخيرة على الآلة الكاتبة، لكن عندما ظهر الكمبيوتر انتقلت للكتابة عليه وكان ذلك وأنا في الأربعين تقريبا وكان الانتقال سلسا لأن لوحة المفاتيح فيه بنفس ترتيب لوحة الآلة الكاتبة، بلا شك الكمبيوتر أفضل وأسرع، لكن الكتابة بالقلم الرصاص تشبه الشوق إلى القرية والريف، قد لا تجدين هناك أحدث صيحة علمية لكنك تعشقين المكان والروائح».

«زمان كان ممكن مقارنة المسودات بالنسخ المطبوعة واكتشاف التغييرات التي يجريها الكتاب وهذا كان حقل نقدي بديع فهل خسر النقد والأدب هذا الحقل؟»، يقول الخميسي: «اعتقادي أن مقارنة المسودات بالنسخة النهائية من العمل الأدبي، أمر بالغ الأهمية من حيث تطور نظرية الأدب، ومن حيث استفادة الأدباء من ذلك، هذا مهم جدا، ولهذا اشرت إلى صدور طبعات أكاديمية في روسيا تضم الأعمال ومسودات الأعمال، أظن أن النقد سيكسب كثيرا بنشر المسودات حتى لو أفسدت الشكل الذي تلقى به القارئ العمل لأول مرة».

«أيضا كان يمكن للكاتب نفسه الرجوع للمسودات ويشتغل عليها لكن الآن بعد ما يحذف فقرة يكون مستحيل الرجوع لها فهل هذا يعد سلبيا أم إيجابيا علي العملية الإبداعية الكتابية؟»، يضيف الخميسي: «بالنسبة لمسودات الكاتب التي يمكنه الرجوع إليها فإنه يظل محتفظا بها إلى حين يقرر أنه لايمكن تحسين العمل في حالته الراهنة أكثر من ذلك، أنا أحتفظ بالمسودات وبروفات مكتوب عليها نسخة رقم واحد، ونسخة رقم 2، وعندي قصص قصيرة يصل عدد مسوداتها إلى عشرين، لكن إذا قرر الكاتب في النهاية أن العمل قد اكتمل، فإنه لا يعود للمسودات إلا في ما ندر، لأن باب التحسين مفتوح إلى ما لا نهاية ولا يمكن أن يعكف الكاتب على تجويد عمل واحد بلا نهاية».