رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سهير المصادفة: إن المخطوطات لا تحترق

سهير المصادفة
سهير المصادفة

قبل شهرين خصص الملحق الأدبي لصحيفة "لوفيجارو" ملفًا تمثل في نشر نوعية من الكتب باتت تحظى باهتمام القراء مؤخرًا، يتعلق الأمر بمخطوطات ومسودات بخط اليد، لدواوين شعرية وروايات شهيرة لكتّاب معروفين، تم طبعها في كتب كما وصلت مخطوطة للناشر؛ هكذا يمنح المخطوط المسودة فرصة للقارئ لولوج العالم الإبداعي للمؤلف في حميمياته من خلال مسوداته الأولى، من خلال تنقيحاته وملاحظاته، وخطه وإمضائه، وأحيانًا الرسومات التي يضعها على الهوامش. الآن لم يعد متاحًا لكتّاب معاصرين هذا النوع من النشر، لم يعد هناك أحد يكتب أعماله بخط اليد، لم تعد هناك مسودات.

الـ"الدستور" استطلعت آراء الكتاب والمبدعين حول الأمر٬ وهل يوافق الكاتب علي هذه التجربة أي نشر مسودات ومخطوطات أعماله في صورتها الأولي بخط اليد دون تنقيح أو تدخل؟ وهل ما زال هناك من يكتب بخط اليد أم بغيره وغيرها.

وفي هذا الصدد قالت الروائية سهير المصادفة: ما زلت أكتب بخط اليد، ولديَّ كل مخطوطات أعمالي، كنت أحتفظ حتى وقت قريب بالبروفات الأولى لروايتي الأولى "لهو الأبالسة"، كانت تشغل وحدها ثلاثة أدراج، وفضلت أن أحتفظ بالبروفة الأخيرة، قدمتها عام 2003، للنشر بخط يدي، لم أكن أكتب على الكمبيوتر بعدُ، النسخة التي قدمتها هي الثالثة المنسوخة من بروفتين تم حذف الكثير منهما أو إضافة جملة أو فقرة أو كلمة. ثم بدأت من روايتي الثانية "ميس إيجيبت" 2008، بكتابة الرواية بخط يدي أوَّلا، وبعدها أكتبها على الكمبيوتر وأعمل عليها حتى تكتمل فأطبعها ورقيًّا وأراجعها.

تابعت موضحة: فكرة "المخطوط" نفسها حاضرة في رواياتي بقوة؛ المخطوط الضائع، والمخطوط غير المكتمل، والمخطوط المسروق، والمخطوط الذي يفجر العثور عليه جريمة أو يقودنا إلى كنز، باختصار المخطوط الذي لا يحترق وفقًا لبولجاكوف في رائعته "المعلم ومارجريتا"؛ ففي لحظة يأس يحرق بطل الرواية المؤلف مخطوط مسرحيته، وحين يزور الشيطان موسكو يمد يده في نيران المدفأة ويعطي المؤلف كتابه، فيقول له: "ولكنني أحرقته"، فيرد عليه الشيطان بمقولة "بولجاكوف" الخالدة: "إن المخطوطات لا تحترق". أثناء الكتابة أكون مطمئنة للقلم والورقة أكثر، عندما خانني الكمبيوتر أثناء العمل على روايتي "رحلة الضباع" 2013، فجأة وجدت الشاشة سوداء، وضاع كل ما على الكمبيوتر من مقالات وصور والأهم البروفة الأخيرة للرواية، عدت بهدوء إلى المخطوطة، وإلى البروفة الأولى التي احتفظت بها على "فلاشة"، ولم أتعب كثيرًا لأنني وجدت الأسهم الحمراء والزرقاء على صفحات المخطوط تقودني من جديد إلى المحذوف وما يمكن إضافته.

ابتداء من رواية "بياضٌ ساخن" عام 2015، لن يرى أحدٌ مخطوطاتي، فلقد أصبحت أرسل الروايات عن طريق الإيميل، واستمر الأمر هكذا مع "لعنة مِيت رهينة" 2017، و"يوم الثبات الانفعالي" 2019، ولكنني أحتفظ بهذه المخطوطات، فكرت منذ سنوات أن أتخلص منها، خصوصًا وأن رواياتي طُبعت طبعات عديدة في دور نشر مختلفة، وبعضها موجود على الإنترنت، ولكنني احتفظت بها.

كل ما حدث أن الكتابة على الكمبيوتر وفرت عليَّ نسخ المخطوط أكثر من مرة، ولذلك استغرقت كتابة "لهو الأبالسة" خمس سنوات، والفرق بينها وبين روايتي الثانية "خمس سنوات" أيضًا، فلقد اختصر الكمبيوتر هذه المدة لعامين فقط لا غير، أي أن معدلي في النشر أصبح رواية كل عامين.

واختتمت مؤكدة: نعم، أوافق على نشر مخطوطاتي، وسأكون محرجة فحسب من كمية النجوم والرسوم والظلال والأسهم الملونة، وكشط فقرات كاملة رأيت أنها مجرد ثرثرة، وتغيير بعض العبارات حتى يستقيم الأسلوب متحاشيًا أن يكون مجرد لغة توصيلية للحكي، أو أخيرًا تغيير العناوين الأولى المقترحة لرواياتي، حتى أستقر على عنوانها النهائي، وعادة يأتي العنوان كما تأتي القصيدة مثل شهاب لامع وواضح ولا يقبل أبدًا سواه.