رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طلعت رضوان يكشف الخرافات الشائعة عن «العالمانية»

طلعت رضوان
طلعت رضوان

عن الهيئة المصرية العامة للكتاب٬ صدر للباحث طلعت رضوان٬ كتاب جديد بعنوان "العالمانية والطريق إلى الاستقرار الاجتماعى". ومصطلح العالمانية يجب أنْ يــُـكتب بالألف (وفق أدق التعريفات العلمية) لأنه يعنى الانتساب للعالم الذى يعيش فيه البشر.. وأنهم هم الذين يــنظــمون شئون حياتهم الاجتماعية والسياسية والعلاقة بين سلطة الحكم وبين مجموع مواطنى الدولة.

وقد تعمّد أعداء التقدم ومواكبة روح العصرالحديث، وملاحقة متغيراته اللاهثة، تشويه المعنى العلمى لمفهوم العالمانية٬ وهم لايملكون إلاّ الصياغات الإنشائية التى تفتقد إلى الدليل المادى٬ ومن أمثلة ذلك القول الشائع فى كتاباتهم أنّ المجتمع العالمانى هو مجتمع ملحد، لايعترف بالأديان وبالتالى فهومجتمع مادى، يفتقد فيه الإنسان إلى البعد الروحى..إلخ.

بينما بنظرة متأملة وموضوعية إلى المجتمعات العالمانية فى أوروبا واليابان والهند وأمريكا إلخ، تؤكد على أنّ أعداء التقدم والحرية يتعمدون تشويه الحقائق وتزويرالوقائع. فإذا أخذنا مسألة (البعد الروحى) وناقشناها، فسوف نجد أنّ هذا البعد (الروحى) مكون أساسى من مكونات البشر، بغض النظرعن معتقداتهم الدينية٬ وسواء أكانوا يعتقدون بديانات سماوية أوفلسفات واجتهادات بشرية (كالبوذية إلخ) بل إنّ هذا البعد الروحى نجده أحد مكونات الإنسان بغض النظرعن معتقداته الدينية أوالمذهبية.

تابع طلعت رضوان مؤلف الكتاب في تصريحات خاصة لــ"الدستور": وعلى سبيل المثال فإنّ أعضاء أحزاب الخضر الذين يهتمون بالتصدى لأعداء البيئة، الذين يلوثون الطبيعة ويتسبــّـبون فى أضرار جسيمة بصحة الإنسان٬ هؤلاء الأعضاء ليس لهم أى دور فعال إلاّ فى ظل المجتمعات المؤمنة بمبادىء العالمانية، لأنهم أحرار فى مجتمع يعترف بحرية الإنسان فى التعبيرعن قناعاته الفكرية والسياسية والاقتصادية.

وحدث كثيرًا أنّ أعضاء أحزاب الخضر فى أوروبا تحدوا حكوماتهم، فنظموا المظاهرات المنددة بدفن النفايات النووية، سواء على أراضيهم أو على أراضى شعوب أخرى ووصل الأمرلدرجة أنّ أعضاء منظمة البيئة فى فرنسا (منذ عدة أعوام) ربطوا أنفسهم بأحزمة ناسفة وهدّدوا حكومتهم بالانتحارإذا مرّتْ سفينة كانت تحمل نفايات نووية. وبالفعل تراجعت الحكومة الفرنسية وانتصرأعضاء حماية البيئة. فإذا لم يكن النبع الحقيقى لهذا الموقف الحضارى هو (البعد الروحى) فبأية صفة ينظر إليه أعداء التقدم وأعداء الحرية وأعداء الحداثة وأعداء العالمانية التى سمحتْ آلياتها بممارسة حق التعبيرعن رؤاهم الإنسانية.

وأردف رضوان: والمتطوعون الذين يذهبون إلى مناطق المجاعات والكوارث الطبيعية ويُـقـدّمون المساعدات لضحايا الطبيعة ويُعرّضون أنفسهم لإنتقال الأمراض المعدية إليهم، وللإصابات الخطيرة وللموت٬ هؤلاء المتطوعون (نساء ورجال) هم أبناء ثقافة العالمانية ومنظمات حقوق الإنسان لم تنشأ إلاّ فى ظل المجتمعات العالمانية وإدانة الحروب وإحتلال أراضى الغير بالقوة المسلحة (مثل إدانة الحرب ضد الشعب الفيتنامى. وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى والشعب اللبنانى وإدانة الغزو العراقى لأراضى الشعب الكويتى ثم إدانة الغزوالأمريكى لأراضى الشعب العراقى إلخ) كما أنّ كثيرين من الفلاسفة أدانوا أمريكا فى حربها ضد الشعب الفيتنامى، وضرورة محاكمة المسئولين عن هذه الحروب من رؤساء الدول٬ وهى المحاكمات التى طالب بها وشارك فيها فلاسفة كبارأمثال الفيلسوف الإنجليزى برتراند رسل والفيلسوف الفرنسى جان بول سارتر وغيرهما. وشارك الكاتب المسرحى جورج برنارد شو(1856 – 1950) فى المظاهرات المندّدة بإحتلال الإنجليز لمصر وطالب مع غيره من الكتاب الأوروبيين بضرورة خروج الإنجليز من مصر كما أنّ المظاهرات القوية والمنظمة ضد العولمة٬ وسيطرة قطب واحد على العالم، قامتْ بها شعوب آمنت بمبادىء العالمانية والعلوم الإنسانية (من فن وفلسفة وأدب إلخ) وهى العلوم التى تــُـهذب النفوس وتعلى من القيم الروحية، أبدعها مفكرون مؤمنون بمبادىء العالمانية.

وقد حكى لى صديق متخصص فى (علم المصريات) وعاش فى السويد أكثر من عشرين عامًا، أنّ جارته السويدية كانت أمًا لثلاثة أطفال ومع ذلك ذهبتْ إلى الصومال وتبنت طفليْن وقال لى "كنتُ أراها..وهى تضعهما على المرجيحة فى حديقة بيتها وتداعبهما وتطعمهما بيدها، كما لو كانا قد خرجا من رحمها" فهل هناك قيمة روحية أكثرمما فعلته هذه الإنسانة التى تعيش فى مجتمع مؤمن بمبادىء العلمانية؟