رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عزل رئيس سابق!


أيام معدودة، ويغادر الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، البيت الأبيض، حالمًا بأن يعود إليه، بعد أربع سنوات، غير أن خصومه يريدون قطع الطريق أمام عودته، بمنعه من الترشح للرئاسة مرة أخرى، ويسعون لاستغلال فقرة فى الدستور الأمريكى تتيح لمجلس الشيوخ أن يحرم الرئيس، أو المسئول، من تولى أى منصب فيدرالى، حال إدانته وعزله.
لا يزال ترامب يتمتع بتأييد ٧١٪ من الجمهوريين، بحسب استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك الأمريكية، بعد اقتحام مبنى الكابيتول، يوم الأربعاء قبل الماضى، الذى صار يوصف بالأربعاء الأسود. والأربعاء الماضى، وافق مجلس النواب على عزله، بأغلبية ٢٣٢ من أصل ٤٣٥ صوتًا، وتضمن القرار اتهامًا واحدًا هو «التحريض على التمرّد». ولكى تبدأ محاكمة العزل، من المفترض أن يتم إرسال هذا القرار إلى مجلس الشيوخ، الذى لن يستأنف عمله إلا يوم ١٩ يناير الجارى، ما يعنى أن الإجراءات أو محاكمة العزل لن تبدأ إلا بعد تنصيب جو بايدن.
بعد أندرو جونسون، سنة ١٨٦٨، وبيل كلينتون، سنة ١٩٩٨، قام مجلس الشيوخ الأمريكى، فى فبراير الماضى، بإسقاط قضية عزل ترامب، الذى كان أول رئيس فى تاريخ الولايات المتحدة يخوض انتخابات رئاسية بعد إجراءات عزله، وسيكون هو الرئيس الأول الذى يواجه شبح العزل مرتين، وأول من يواجه هذا الشبح بعد انتهاء ولايته. والهدف أعلنه تشاك شومر، زعيم الأقلية الديمقراطية فى المجلس، بمنتهى الوضوح: «ستكون هناك محاكمة عزل. سيكون هناك تصويت لإدانة الرئيس. وحال إدانته، سنصوت لمنعه من الترشح مجددًا».
استغرقت محكمات العزل الثلاث ٨٣ يومًا و٣٧ يومًا و٢١ يومًا، على الترتيب، وكان الديمقراطيون يريدون أن تنتهى المحاكمة الجديدة، أو الرابعة، فى أقل من أسبوع، غير أن ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية، رفض دعوة المجلس للانعقاد قبل موعده المحدد فى ١٩ يناير الجارى، وأكد أنه، حتى لو حدث ذلك، سيكون من المستحيل إنهاء المحاكمة قبل تنصيب بايدن، وشدّد على أن الأهم هو التركيز على الانتقال السلس للسلطة، وإقامة حفل تنصيب آمن.
يرأس مجلس الشيوخ مايك بنس، نائب الرئيس الحالى، الذى ستنتهى ولايته الأربعاء المقبل، أما زعيم الأغلبية، فهو الذى يحدد أجندة المجلس، وسيظل متحكمًا فيها حتى يؤدى جو بايدن اليمين، وتصبح الأغلبية من نصيب الديمقراطيين بعد تساوى حصة الحزبين، بواقع ٥٠ عضوًا لكل منهما، مع وجود صوت فاصل، هو صوت كامالا هاريس، نائبة الرئيس القادم، التى ستخلف «بنس» فى رئاسة المجلس. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن أعضاء المجلس يلعبون دور هيئة المحلفين، ولن يكون مسموحًا لهم خلال الإجراءات بالتحدث عنها لوسائل الإعلام، كما هى الحال فى المحاكمات المدنية. وليس معروفًا، إلى الآن، ما إذا كان كبير قضاة المحكمة العليا سيترأس جلسات المحاكمة، أم لا، لأن ترامب سيكون وقتها مواطنًا عاديًا وليس رئيسًا.
إدانة الرئيس، الذى سيكون سابقًا، تحتاج إلى موافقة ثلثى أعضاء المجلس: ٦٧ عضوًا من أصل ١٠٠، ما يعنى أن هناك حاجة إلى موافقة ١٧ جمهوريًا، على الأقل، للانضمام إلى كل النواب الديمقراطيين. وهذا شبه مستحيل، تأسيسًا على أن إجراءات العزل السابقة رفضها كل الجمهوريين، فى المجلس، باستثناء واحد. أما لو تحقق شبه المستحيل، فإن منع ترامب من الترشح مجددًا، أو إسقاط أهليته لشغل أى منصب فيدرالى، لن يحتاج غير الموافقة على بند منفصل، بأغلبية بسيطة، أى بـ٥٠٪ زائد واحد: أصوات الديمقراطيين زائد صوت نائبة الرئيس.
سيرفض مجلس الشيوخ، غالبًا، إدانة الرئيس بعد انتهاء ولايته. لكن سيظل ترامب، كما أشرنا، هو الرئيس الوحيد فى تاريخ الولايات المتحدة الذى واجه شبح العزل مرتين. بينما يقول التاريخ إن جون كينيدى، هو الرئيس الأمريكى الوحيد، الذى عارض البرنامج النووى الإسرائيلى، وحاول إرسال فرق تفتيش للتأكد من سلميته، والرئيس الوحيد الذى استجاب لتحذير الرئيس دوايت آيزنهاور من مخاطر هيمنة المجمع العسكرى الصناعى على الحياة السياسية الأمريكية، و... و... وفتح ملفات أخرى أغلقها نائبه ليندون جونسون، الذى تولى الرئاسة بعد اغتياله، وأعاد مفاتيح السيطرة إلى المجمع العسكرى الصناعى والشركات الكبرى المتحالفة معه!.
عيون العالم، التى تركزت على مبنى الكابيتول خلال اقتحامه، يوم الأربعاء قبل الماضى، وتركزت عليه، الأربعاء الماضى، خلال مناقشته إجراءات عزل الرئيس الخامس والأربعين، ستتركز عليه أيضًا، الأربعاء المقبل، الذى تحل فيه الذكرى الستون لاشتعال النيران فى المنصة الرئاسية خلال حفل تنصيب كينيدى، الرئيس الخامس والثلاثين، كما ستحل الذكرى رقم ١٨٠ لإصابة الرئيس التاسع، وليام هنرى هاريسون بالتهاب رئوى، وهو يلقى خطاب التنصيب فى الهواء الطلق، أدى إلى وفاته بعد ٣٢ يومًا. وكل انتخابات رئاسية أمريكية «نزيهة» وأنتم بخير!.