رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكذوبة بطولات إفريقيا


فتحت عيني ع الدنيا، أواخر السبعينيات أوائل التمانينيات، لو رجعت حضرتك بـ آلة الزمن، سنة 1980، وسألت أي مواطن مصري: أندية الكورة بـ تتنافس على إيه؟ هـ يقول لك: بطولة الدوري العام، ويسكت. الدوري العام ونقطة. هي دي البطولة الوحيدة اللي يعرفها.
طب وكاس مصر؟ والسوبر؟ وبطولات إفريقية؟ والبطولات العربية؟ كوووول دا مالوش قيمة ولا وزن ولا أهمية، ليه؟
الكاس، هي البطولة الأصغر والأقل أهمية، القائمة على الحظ والصدف، واللي لما تكسبش الدوري، تحاول في الكاس، على أساس الموسم ما يعديش من غير بطولة.
دا كان ثابت في أذهان الجميع، لـ ذلك، ما كانش موقفك في الكاس مهم، طالما كسبان الدوري، إنت بطل الدوري، إنت بطل الموسم، تمام.
والبطولات التانية؟
السوبر، كان ولا في الخيال العلمي، إنه حاجة زي السوبر دي تحصل، فضلًا عن إنها تتسمى "بطولة"، أساسًا، إزاي تعمل بطل الدوري وبطل الكاس، راس بـ راس كدا عادي؟
بعدين، عرفت إنه دا مش حاصل بس في مصر وقتها، العالم كله كدا، إنجلترا الوحيدة اللي كانت بـ تعمل لقاء بين بطل الدوري والكاس، وهو لقاء شبه ودي، بـ يسمحوا فيه بـ ست تغييرات، وأجواء كرنفالية، واسمه "الدرع الخيري".
حتى لما بدأنا هنا نعمل السوبر دا، مع مطلع الألفية، (وكنت كبرت واتجوزت وخلفت) كان بـ يتقدم بـ اعتباره ماتش شرفي، ما أعرفش إمتى وإزاي، بقى فيه ناس تتكلم عنه بـ اعتباره "لقب".
المهم، نرجع سنة 1980، السوبر دا خيال علمي.
طيب بطولات عربية؟
عربية إيه يا أستاذ! أساسًا، معظم العرب، إن لم يكن كلهم، كانوا مقاطعين مصر كـ بلد، وكـ دولة، وفيه مشاكل سياسية ضخمة، فـ هـ ننظم بطولات كورة؟ ما كانش كمان وقتها، فيه فكرة اتحاد عربي لـ كرة القدم، الأفارقة أفارقة، والآسيويين آسيويين، فـ فاكس بطولات عربية.
تمام، طيب وإفريقيا؟
أهي دي بقى، اللي عايز أكلمك عنها، بـ التفصيل غير الممل، وأقول لكالدنيا مشيت إزاي في هذا المضمار.
بقى يا سيدي، بطولات إفريقيا لـ الأندية، بدأت 1964، وقتها، كانت الأندية المصرية تمًّا
متفقة على شيء واحد، وهو إن هذه البطولات عديمة النفع فاقدة لـ القيمة، أصلك هـ تروح تلعب في الأدغال، بـ لا عائد مادي، وبـ لا قاعدة شعبية لـ هذه البطولات، فـ بلح يعني.
لـ ذلك، كانت الأندية التي تحصل على بطولة الدوري هنا، ما تروحش تلعب في إفريقيا، وكان أولهم نادي الترسانة، الحائز على لقب الدوريموسم 1963، السابق لـ أول نسخ البطولة الإفريقية، ثم تبعه الزمالك في الموسم اللي بعده.
أول ناديقرر يخوض المغامرة، كان الأوليمبي السكندري، ويا عيني ما لحقش حتى يكمل نسخته، حصلت النكسة، والنشاط الرياضي كله تجمد سنة 1967.
ثم جاء المعلم، المعلم هو عثمان أحمد عثمان، وشركة "المقاولون العرب"، عثمان و"المقاولون"، كان له نشاط استثماري واسع في إفريقيا، واسع ويتسع كل يوم، ونظرًا لـ إنه هذا النشاط الاستثماري، متداخل مع أنظمة وحكومات إفريقية عديدة زاد نفوذه ومكانته هنا، وبقى له أدوار سياسية وأمنية، مخابراتية يعني.
الراجل، شاف إنه الأفارقة مجانين كورة، فـ ليه لأ ندوس في الحتة دي، ونشاركهم بطولاتهم، وبعثات رايحة وبعثات جاية.
إفريقيا لـ عثمان، غير إفريقيا لـ الأندية، ماهيش "الأدغال السمراء"، لأ، دي ملايين وسياسة ودنيا.
راح المعلم عثمان، تولى رعاية النادي الإسماعيلي بـ الكامل، وقدر يقنع عبدالناصر إنه يستثني الدراويش، من حكاية تجميد نشاط الكورة دي، عشان إفريقيا، فـ فضلًا لإسماعيلي لـ سنوات طويلة، يشارك في بطولات إفريقيا، تحت رعاية عثمان أحمد عثمان، وكسب نسخة منهم، هي نسخة 1969، اللي اتلعب النهائي بتاعها، 9 يناير 1970.
ثم رجع النشاط الكروي، لما مات عبدالناصر وجه السادات، ولما رجع النشاط 1971 - 1972، الموسم ما اكتملش، ثم الموسم اللي بعده، كسب غزل المحلة بطولة الدوري، فـ أنهى وجود الإسماعيلي في إفريقيا، وحل محله، ثم اشترك الاتحاد السكندري، بـ اعتباره بطل الكاس، ثم قامت حرب أكتوبر.
توقفنا برضه موسم، ثم عاد النشاط لـ الاستئناف موسم 1974 - 1975، هنا بقى، عادت الأمور لـ نصابها الطبيعي، ونصابها الطبيعي، هو فوز الأهلي بـ الدوري، لما الأهلي كسب الدوري، وبقى مطالبًا بـ المشاركات الإفريقية، الأهلي شارك على مضض، وبـ دون جدية، لـ درجة إنه في نسخة 1976، رحنا نلعب في الجزاير، من غير أعمدة الفريق الأساسي كلها.
ليه؟
لـ إنه ما كانش مقتنع بـ البطولات الإفريقية، اللي ما زالت عديمة النفع، تسافر وتروح وتيجي وأدغال وبتاع، والبطولة ما زالت بـ لا قاعدة جماهيرية، بطولة مالهاش وزن، ولما شارك الأهلي، شارك الزمالك.
إحنا كدا أواسط السبعينيات، بعد مشاركة الأهلي في نسختين، شاف إنه كدا كفاية، البطولات دي كفاية، مش هـ نشارك في إفريقيا مرة أخرى، قوم الزمالك عمل إيه؟
طبعًا، قرر هو كمان عدم المشاركة في البطولات الإفريقية، ولـ إنه الأهلي والزمالك، هم اللي بـ يكسبوا الدوري والكاس، ما شاركتش أندية المحلة والاتحاد وخلافه، فـ ماتت البطولة الإفريقية تمامًا تمامًا.
إحنا في سنة 1980، مفيش حاجة اسمها بطولة إفريقيا، لكن هنا فيه سؤال: أين المعلم عثمان؟ هل توقف نشاطه في إفريقيا؟هل انعدم احتياجه لـ نشاط رياضي؟
الإجابة: كلا البتة، إنما، اللي تغير هو علاقته بـ النادي الإسماعيلي، الراجل، كان متولي النادي بـ الكامل، لكنه لا "يمتلكه"، في النهاية دا نادي شعبي ملكية عامة، وهو حاول يلاقي صيغة، إنه يتملك النادي فعليًا، يشتريه يعني، لكن، ورغم نفوذه القوي جدًا داخل الدولة، اللي تنامى أيام السادات، لـ درجة إنه بقى أهم من رئيس الحكومة، ما قدرش يلاقي الصيغة دي، فـ قرر إيه؟
بـ الظبط، يعمل النادي الذي يملكه، وهو نادي "المقاولون العرب"، اللي كان عليه، إنه يبدأ من الدرجة الرابعة ثم التالتة، لـ حد ما وصل الدوري الممتاز، موسم 1978 - 1979.
طيب، هل عثمان عامل نادي المقاولين دا، عشان ينافس في الدوري وهكذا؟نيفير، هو عامله عشان أفريقيا، يبقى لازم الأندية المصرية، ترجع علاقتها بـ البطولات دي، ولازم البطولات دي تبقى مهمة، لكن دامش ممكن يحصل أبدا، طول ما النادي الأهلي مسقع لـ البطولة، لازم الأهلي يشارك، ولما الأهلي يشارك، الزمالك هـ يرجع يشارك، والمقاولين يشارك، وكلنا نشارك، والبطولة تبقى مهمة.
قدر عثمان يقنع السادات بـ أهمية دا، فـ السادات أقنع مسئولي الأهلي بـ دا، رجعنا سنة 1981، اللي في نص البطولة هـ يحصل اغتيال السادات، والأهلي ينسحب، جه مبارك، لكن المعادلة ما اتغيرتش.
هكذا، شارك الأهلي والمقاولين العرب، في نسخة 1982، 1982 دي، تقدر تعتبرها بداية علاقة المصريين بـ بطولات إفريقيا، خصوصًا، إنه الأهلي كسب أبطال الدوري، والمقاولين كسب أبطال الكاس.
من 1982 وحتى 1987، في الخمس سنين دول، الأهلي كسب خمس بطولات إفريقيا، من أصل 6 نهائي خاضهم، الزمالك كسب بطولتين، المقاولين كسب بطولتين، تسع بطولات في خمس سنين، غيروا خريطة البطولات عند المصريين، وبقى فيه حاجة اسمها "بطولة إفريقيا".
تقولها بـ صوت فخيم كدا: "بطولة إفريقيا"، تمام، دا بـ النسبة لـ "المصريين"، بـ النسبة لي أنا بقى كـ مؤمن المحمدي، هل حصل لي، ما حصل لـ المصريين؟
الإجابة في مقال تاني، لـ إنه دا عدى ألف كلمة، وكدا كتير.