رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الذكورة السامة «4»



كثيرًا ما يكون الجهل وعدم معرفة خصائص وسمات الآخر سببًا للتقليل من وضعه ومكانته، وقد كان نقص المعرفة العلمية بما حباه الله للإناث من قدرات وإمكانيات بيولوجية أحد أسباب الغطرسة والتكبر الذكورى، وسيادة أسطورة ضعف الإناث فى مقابل قوة الذكور.
لكن العلم الحديث جاء ومعه اكتشافات تنسف هذه المقولة وتقول العكس هو الصحيح علميًا، الإناث أقوى بكثير من الذكور، ويرجع ذلك فى الأساس إلى التركيب الجينى للإنسان.. فكل إنسان يملك ٤٦ كروموسومًا على هيئة أزواج، أى أننا نملك ٢٣ زوجًا من الكروموسومات، ومن هذه الكروموسومات ٢٢ زوجًا من الكروموسومات الجسميّة، وزوج واحد من الكروموسومات الجنسيّة، تحدّد الكروموسومات الجسميّة صفاتنا، مثل الطول، ولون الشعر، ولون البشرة، ومعدّل الأيض.. إلخ، فى حين أنّ الكروموسومات الجنسيّة تحدد جنس المولود، فهنالك كروموسومان جنسيان X وY.
لدى الإناث ٢٢ زوجًا من الكروموسومات الجسميّة وكروموسومان X، أى ما يعنى ٢٢+XX، فى حين أنّ الذكور لديهم ٢٢ زوجًا من الكروموسومات الجسميّة وكروموسومان X وY، أى ما يعنى ٢٢+XY، وهذا يؤكد أنّ الكروموسوم X هو كروموسوم أنثوى، فى حين أنّ الكروموسوم Y هو الكروموسوم الذكورى.
وقد اكتشف العلماء أن الكروموسوم X يحتوى على جينات تعتبر أساسية لنجاة الجنين، وبالتأكيد من دون الكروموسوم X سيموت الشخص، كل شخص يحتاج إلى ما لا يقل عن كروموسوم X واحد إذا امتلك الشخص YY، فإنّه لن يكون رجلًا خارقًا، بل سيصبح رجلًا متوفى.
ووجود كروموسومى «X» يمنح الإناث مزيدًا من التنوع الوراثى أكثر من الذكور المالكين كروموسوم «إكس» واحدًا، وبذلك تملك الإناث الكثير من التعقيدات الوراثية التى شرع العلماء أخيرًا فى فهمها واستيعابها.
فبامتلاك النساء كروموسومين من نوع «X»، فإنهن يمتلكن نسخًا مزدوجة من كل جين (مُورِّثَة)، أى أن لديهن احتياطيًا فى حال اختلال عمل أحدها، لعل هذا الاختلاف هو ما يغير بمهارة الطريقة التى تعمر بها الخلايا.
أما الذكور فليس لديهم ذلك الاحتياطى، النتيجة هى أن عمل العديد من الخلايا قد يصيبه الاختلال عبر الزمن، مما يجعل الذكور معرَّضين بشكل أكبر لمخاطر الإصابة بالأمراض، ويزيد ذلك قدرة النساء على المقاومة للأمراض، حيث يعانى الرجال بطريقة مختلفة عن النساء من الأمراض، بما فى ذلك «كوفيد- ١٩». حيث ترتفع نسبة الوفيات بين الذكور عن الإناث بشكل ملحوظ.
إن ما يظن الذكور أنه سر ضعف المرأة من الدورة الشهرية والحمل والولادة إنما هو منبع قوتها، فقدرة النساء على التناسل والحمل لمدة تسعة أشهر، ثم إرضاع أطفالهن وحمل هؤلاء الأطفال والعناية بهم أسهم على مر الآلاف، بل الملايين من السنوات، فى تطور جسم المرأة ونفسيتها وكيانها بأكمله، وغرس فى داخلها ما يدفعها دومًا للنجاة والتغلب على كل الصعوبات والبقاء.
يتساءل العلماء: تكيفت أجسامنا على مدى آلاف السنين مع بيئاتنا فما الذى قد يكون أعطى الجسد الأنثوى قدرًا أكثر بقليل من هذه القوة السحرية فى مسيرة تطورنا فى الماضى؟ وكيف ولماذا قد يكون أحد الجنسين قد طور من قدرته على البقاء على قيد الحياة بخلاف الآخر؟
وبالفحص الدقيق يجيب العلم: بالنظر إلى جميع أنواع العدوى المختلفة، نجد أنَّ النساء لديهن استجابة مناعية أكثر قوة، وإذا كانت هناك عدوى سيئة حقًا، فإنَّ المرأة تبقى على قيد الحياة بشكلٍ أفضل، وإذا كان الأمر يتعلق بمدة الإصابة تستجيب النساء بشكلٍ أسرع.
والسر فى ذلك يعود إلى مسببات الأنوثة، السر يعود إلى الهرمونات.. فالمستويات المرتفعة من هرمونى الأستروجين والبروجسترون يُمكن أن تحمى المرأة ببعض الطرق، وليس فقط من خلال جعل أجهزة المناعة لديها أقوى، ولكن أيضًا من خلال جعلها أكثر مرونة، ما قد يُساعدها فى الحفاظ على صحة الحمل، فنظام مناعة المرأة يكون أكثر نشاطًا فى النصف الثانى من دورة الطمث، عندما تكون قادرة على الحمل.. وقوة النساء وقدرتهن على البقاء تظهر من اللحظات الأولى لهن فى الحياة.
تقول جوى لاون، مديرة مركز صحة الأم والبالغين والإنجاب وصحة الطفل فى كلية لندن للصحة والطب الاستوائى: «عندما نكون فى وحدة حديثى الولادة ويوُلد صبى نعلم أنَّه من الناحية الإحصائية احتمالُ موته أكبر لكونه صبيًا فقط، وفى حالة تلقِّيهم نفس المستوى من الرعاية بالضبط، فإنَّ الذكور إحصائيًا يكونون فى خطر أكبر بنسبة ١٠٪ من الإناث، ما يجعل قوة الأطفال الإناث الكبيرة لا تزال لغزًا بشكلٍ عام، وتُشير الأبحاث التى نشرها علماء فى جامعة أديلايد الأسترالية عام ٢٠١٤ إلى أنَّ مشيمة الأم قد تأخذ سلوكًا مختلفًا، وفقًا لجنس الطفل، وتبذل المزيد من الجهد للحفاظ على الحمل وزيادة المناعة ضد العدوى. ولأسبابٍ غير معروفة، ربما تكتسب الفتيات قدرةً أكبر على البقاء على قيد الحياة فى الرحم.
إن التعريف بما يقوله العلم عن حقيقة ما تملكه النساء من قوة طبيعية فى تركيبهن البيولوجى هو محاولة لكسر وهم تفوق الذكور وتخليص الرجال من أدران الذكورة المسمومة التى تؤذيهم وتؤذى كل من يحيط بهم.
وللحديث بقية.