رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أجل تواصل سلسلة خلفاء القديس مرقس


«أيها المطارنة والأساقفة، صلوا جميعًا، وضعوا أيديكم على أبينا المُختار من الله»، هذا النداء يدوى فى أنحاء الكاتدرائية المرقسية الكبرى عند إقامة «أسقف الإسكندرية» الذى يجب أن يكون «مختارًا من الله».
حدث أن هذا النداء توقف فى الكنيسة منذ عام ١٩٢٨ عند إقامة الأنبا يؤانس بطريركًا لأنه كان مطرانًا، وظل هذا النداء متوقفًا حتى عام ١٩٥٩ عندما اختارت السماء الراهب الناسك «مينا البراموسى المتوحد» ليكون البابا كيرلس السادس البطريرك ١١٦.
فعلى مدى أكثر من ثمانين عامًا لم يُسمع هذا النداء. لكن فى ١٠ مايو ١٩٥٩ اجتمع المطارنة والأساقفة ووضعوا أيديهم على المُختار من الله، ومنذ هذه اللحظة حلت نعمة الروح القدس على الراهب المختار وصار أسقفًا حقيقيًا لمدينة الإسكندرية، ومن ثم أصبح بابا الكنيسة وبطريرك الكرازة المرقسية.
إن وضع اليد هو المحور الرئيسى لكل صلوات الرسامة، فيعد وضع اليد إقرارًا بالرسامة القانونية، وتكريمًا وإعزازًا لمن حصل عليها. فبعد دخول الراهب الناسك «مينا البراموسى المتوحد» إلى الكنيسة، قُرئت التزكية التى أعدها مجمع الأساقفة من أجل تقديم الراهب لنوال نعمة وضع اليد، وهنا شعر الجميع بأن هذا الراهب المُختار يتقدم نحو نعمة عظمى وموهبة سامية. وفعلًا صار هذا البطريرك فى طريق الرب وكان صادقًا فى حياته الرهبانية، التى لم يتخل عنها، كما كان أمينًا فى تمسكه بالقوانين والتقاليد الكنسية كميراث من آباء الكنيسة الأولين.
حدث فى عام ١٩٥٤، فى فترة حبرية البابا يوساب الثانى، البطريرك ١١٥، أن سجل المؤرخ الكنسى الأستاذ يسى عبدالمسيح مقالًا فى مجلة مدارس الأحد بعنوان «عدم قانونية اختيار البطريرك من بين الأساقفة»، وقام بكتابة مقدمة هذا المقال رئيس تحرير المجلة المسئول الأستاذ نظير جيد «فيما بعد البابا شنودة الثالث»، فقال: «هذا ليس رأيًا خاصًا ننشره للأستاذ الكاتب، وإنما هو رأينا جميعًا، ورأى الكنيسة كلها، عبّر عنه جميع هيئاتها، بل هو رأى القوانين والآباء والتاريخ الكنسى بشتى عصوره.. وما الأستاذ يسى فى هذا البحث إلا مُعبر عن هذا الرأى ومسجل له، تكلم بلسان الشعب جميعه، ونحن نؤمن بكل ما ورد فى هذا المقال من أفكار».
والبحث يتناول الموضوع بالإثباتات الآتية: البطريرك، كأسقف، تمنعه القوانين الكنسية من ترك إيبارشية إلى غيرها، أقوال العلماء فى اختيار البطريرك من رتبة غايتها قمص، التقليد الذى سارت عليه الكنيسة القبطية منذ تأسيسها حتى أوائل القرن الحالى، طقس رسامة البطريرك وما ورد فى كتاب تكريس البطاركة.
حدث أيضًا فى فترة حبرية البابا يوساب الثانى، البطريرك ١١٥، أن قام الراهب مينا البراموسى المتوحد، بشجاعة كاملة، وأرسل رسالة إلى البابا يوساب قال له فيها: «قداسة المطران المكرم الأنبا يوساب مطران كرسى جرجا وليس هو بطريرك الكرازة المرقسية أدام الله حياته. هذه الرسالة أكتبها لقداستكم، لى ثقة فى الرب أن تحوز القبول لديكم، قال السيد المسيح طوبى لصانعى الصلح والسلام فإنهم أبناء الله يدعون. فالآن أصبحت سلامة الكنيسة والشعب كله مفقودة، فألتمس باسم الرب أن تعقد مجمعًا مقدسًا وتعلن الخطأ الذى وقع فيه الآباء المطارنة الذين يطمعون فى الكرسى البطريركى. وبعد ذلك تنتخب لجنة للبحث فى الأديرة عن ثلاثة من الرهبان أتقياء مساكين بالروح مشهود لهم من الجميع وتنادوا بصوم ثلاثة أيام وتلقى القرعة الهيكلية. والذى يختاره الرب تجعله وكيلًا لقداستكم وبعد تمتعكم بالعمر الطويل والحياة الهنيئة يكون بطريركًا خلفكم. فإذا فعلت هذا أفرحت السمائيين والأرضيين. ويُكتب لك تاريخ بماء الذهب ويعطيكم الرب أجرًا سمائيًا وإكليلًا ممجدًا ويحسبك مع مصاف القديسين لأنك أنقذت الكنيسة من محنة شديدة».
حدث فى انتخابات ١٩٧١ بعد نياحة البابا كيرلس السادس فى ٩ مارس ١٩٧١ أن تكالب المطارنة والأساقفة على الكرسى البطريركى، وكانت الإسكندرية بكامل هيئاتها ضد هذا الصراع وكانت تنادى بضرورة التمسك بتطبيق القوانين الكنيسة، وقاد هذا الاتجاه أعضاء مجلس ملى الإسكندرية وكهنة الإسكندرية يتقدمهم الأب بيشوى كامل، كاهن كنيسة مار جرجس بسبورتنج، الذى أصدر نبذة بعنوان «شعب الإسكندرية اليتيم»، وأيضًا جمعية مار مينا للدراسات القبطية بالإسكندرية برئاسة د. منير شكرى.
ومما ورد فى نبذة الأب بيشوى كامل: «.. أما الآن إذا حدث أن عُين أحد المطارنة أو الأساقفة العموميين بطريركًا، فإنه سيُسمى بطريرك الكرازة المرقسية ومطران أو أسقف أبروشية التى رُسم عليها إلى الموت، ولا يمكن أبدًا أن يُسمى أسقف الإسكندرية، وعندئذ يحق لشعب الإسكندرية اليتيم أن يطالب بأب أسقف شرعى له. كيف يُرسم الأسقف مرتين؟! هل ستُعاد رسامة مطران أبروشية.. أو أسقف عمومى.. هل ستُعاد رسامته أسقفًا مرة ثانية على الإسكندرية؟ طبعًا لا.. لأن الأسقف لا يُرسم مرتين؟ إذن سوف لا تكون رسامة بل ترقية.. ويظل شعب الإسكندرية اليتيم محرومًا من وجود أب أسقف شرعى له. فما معنى رسامة مطران أو أسقف مرة أخرى على الإسكندرية ليكون بطريركًا، ونحن نؤمن بأن الرسامة لا تُعاد، هل بذلك نخدع الناس أم الله أم أنفسنا؟».
حدث فى انتخابات ٢٠١٢ أن قام بعض من شباب الإسكندرية المهتمين بالشأن الكنسى وأرسلوا العديد من الرسائل لقائمقام البطريرك، فى ذلك الوقت، ووضعوا أمامه العديد من النقاط القانونية الكنسية وهى: «١» القانون الكنسى واضح وصريح.. فلا تسمح إطلاقًا للأسقف بأن يكون بابا للإسكندرية. «٢» تقاليد الآباء واضحة وصريحة.. فمنذ القرن الأول حتى البابا كيرلس الخامس «القرن العشرين» لم تسمح القوانين إطلاقًا للأسقف بأن يكون بابا للإسكندرية. «٣» لائحة ١٩٥٧ غير الشرعية.. تأتى ببطريرك فقط ولا تأتى بـ«بابا للإسكندرية» كما حدث فى مخالفات أعوام ١٩٢٨، ١٩٤٢،١٩٤٤، ١٩٧١ ونرجو أن يكون القرن الحالى خاليًا من أى مخالفات لقانون الكنيسة. «٤» عند انتخاب القديس البابا كيرلس السادس عام ١٩٥٩ كانت لائحة ١٩٥٧ غير القانونية موجودة ولكن كان هناك رجل أمينًا لله بحق، فمنع تمامًا المطارنة والأساقفة من الترشح، فكانت عطية السماء لمصر وللكنيسة كلها راهب تقى وقديس اهتم برعاية شعبه بأبوة واضحة جدًا ما زلنا نتذكرها بكل الحب والفخر.
وأتذكر أنه فى يوم الأحد ١١ مارس ٢٠١٢ جلست مع المُرشح ليكون قائمقام البطريرك «قبل انتقال البابا شنودة الثالث بستة أيام، لأن حالته الصحية كانت متدهورة جدًا» وقلت للمُرشح ليكون قائمقام: «أرجو أن تحذو حذو الأنبا أثناسيوس وتقوم بنفس ما عمله فى انتخابات ١٩٥٩ التى أتت لنا بالبابا كيرلس السادس»، فقال لى بصريح العبارة: «أنا شخصيتى غير شخصية الأنبا أثناسيوس»!! يا للأسف، فقلت له: «نعم سوف تواجه اعتراضات من كثير من المطارنة والأساقفة لكن ثق أنك ستكون مسنودًا بقوانين الكنيسة وبصلوات آباء المجامع المسكونية بنيقية والقسطنطينية وأفسس». ولكنه ضرب عرض الحائط بكل الحديث الذى دار بيننا على مدى ٣ ساعات متواصلة!! ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هو ما وصلنا إليه وما نعانى منه.
إن هناك فى القوانين الكنسية نصوصًا تقطع الأساقفة الذين يقررون أمرًا يختلف مع روح أو نص القوانين الكنسية. إذ إن هذه المخالفة تمنع تواصل سلسلة خلفاء القديس مرقس كاروز ديارنا المصرية. لا بد أن تتوقف بل تنقطع سلسلة خلفاء القديس مرقس عندما يأتى أحد الأساقفة المحدثين ويفقد أبوته ويتتبع المختلفين معه حتى وهم خارج أرض مصر، ويضطهدهم أشد أنواع الاضطهادات وضميره لا يوبخه!! وعندما تضيع الأبوة من الكنيسة نفقد الأب الذى هو راعٍ صالح ومحب ومتمسك بالوصايا الإنجيلية. لكن!