رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمهات الأدباء 3| علاقة أنيس منصور بوالدته: أنقذته من الموت مرتين

أنيس منصور
أنيس منصور

على الرغم من تلقيب الأديب الراحل أنيس منصور بأنه «عدو المرأة» إلا أنه اعترف أكثر من مرة أنه يقدر ويؤمن بوجود المرأة في الحياة، والدليل على ذلك ما قاله في أحد لقاءاته التليفزيونية: "نعم أحب المرأة.. فهى التى استطاعت بذكائها وتسامحها ورقتها، وفى نفس الوقت بقوة شخصيتها واحتوائها، أن تجذبنى بخيوط حريرية ناعمة من حياة العزلة لأصبح مخلوقا اجتماعيا يتفاعل، وينعم بالزواج ".

كانت علاقته بوالدته غريبة للغاية، فكان مرتبطا بها بشكل أكبر من والده، وأوضح محمود فوزي مؤلف كتاب "أنيس منصور ذلك المجهول": لكثرة تنقل الأب من مكان إلى آخر كان أنيس مرتبطا بأمه أكثر، لأنهم نشئوا في عزلة، مجموعة من الأغنام الخائفة من الذئب.. والذئاب تقترب لماذا؟ لا يعرف ولكن يصحو وينام على الخوف من الناس ومن الزمن.. فكل الناس لهم أنياب.. وكل لحظة لها عقربان.. وكلها قد أعدت نفسها للهجوم عليهم.. ولم يسأل نفسه في أي وقت ولماذا عليهم وحدهم؟ وماذا عليهم وحدهم؟ وماذا عندهم حتى يغرى الناس بالاحتشاد والتعبئة ضده؟ لم يسأل نفسه ولا أحد في أي وقت.. ولكن لا يكاد يمضي عام حتى يكونوا قد انتقلوا من بلد إلى بلد.. كأنهم جزيرة عائمة وسط محيط هائج مائج.. المحيط يتهدد.. المحيط يعلو ويهبط.. وهم متلاصقون معا.. خائفون معا.. حول الأم الرءوم.. لا يعرفون إلا هي.. ولا رأي إلا لها.. ولا حكمة إلا عقلها.. فهي التي تعرف كل شيء.. وهي التي تتنبأ بكل شيء.

لم يعرف الكثيرون أن العلاقة التي تربط أنيس منصور بوالدته قوية ومؤثرة جدا، فلقد أنقذته الأم من الموت مرتين؛ الأولى حين كانت مريضة وذهب ليشتري لها الدواء وركب الترام ووقف على سلم الترام وفجأة وجد الصيدلي يجلس في الترام، فأسرع داخلا إليه ليقدم إليه الروشتة، في الوقت الذي دخل فيه الترام جاء أتوبيس مسرعا واصطدم بالترام ووقع الثلاثة الذين كانوا يقفون على السلالم صرعي تحت عجلات الأتوبيس.

أما المرة الثانية فكانت عندما كلفت جريدة الأهرام الصحفي أنيس منصور عام 1951 بالسفر إلى إيطاليا لإجراء بعض التحقيقات الصحفية، وتعود أنيس أن يحفي عن أمه حين يركب طائرة أنه مسافر فكان يقول لها: إنني مسافر إلى الإسكندرية، وحزم أنيس حقائبه وتأهب للسفر وجاء قريب من العائلة يقول له: أمك مريضة.. وفي حالة خطيرة.. ولا تسافر.

واعتذر أنيس عن رحلته ولم يسافر على الطائرة التي سقطت بالممثلة المصرية كاميليا التي كانت على موعد مع الملك فاروق في روما؛ بحسب ما جاء في كتاب "أنيس منصور ذلك المجهول".

ويقول أنيس منصور عن تأثير الأم في حياته: "العلاقة التي تربطني بأمي غريبة.. فهي تحبني بطريقة مختلفة عن حبي لها".

ويتابع: "وكل ما يهم أمي وكل ما يهمني لا تعرف أمي عنه أي شيء.. فهي لا تعرف ماذا أعمل ولا ماذا يقلقني أو يخيفني، وإذا كنت مريضا فإنني لا أفتح فمي وأقول: آه.. وإذا كان المرض شديدا فإنني أختلق أي قصة وأهرب من البيت وأنزل في أحد الفنادق.. فأمي لا تتصور أبدا أنني من الممكن أن أمرض أو أتعب أو أتعذب.. إنها تحزن في عجز كل ما تملكه أمي هو بضع ملايين من الدموع ومثلها من الدعوات.. ثلاث مرات في اليوم.. وهذا هو الطب القديم الذي لا تؤمن به من الأمعاء ولا المعدة ولا الأعصاب".

ويؤكد: "أنا أحمد الله أن أمي لا تعرف عني شيء ولا تعرف ما يصيبني في جسمي أو نفسي وإلا لكانت كارثة علي أنا.. فكل ما يصيب أمي.. يصيبني بعدها بلحظات.. إنني أبالغ في متاعبها.. وهي أيضا.. هي ترى متاعبها ضئيلة جدا ولكني أراها خطيرة.. ولكن حب أمي يعذبني جدا.. إنها سلبتني أعز ما أملك.. سلبتني حريتي".

ويضيف: "أنني أصبحت أشعر أنني حارس لابنها.. الذي هو أنا.. بأنني حامية.. بأنني أمانة.. في عنقي.. بأنني "عهدة" يجب أن أسلمها إلى صاحبتها وهي والدتي.. بأنني يجب أن أصون نفسي يجب ألا أمرض ألا أتعب.. أتقلب في فراشي".