رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«اللعب مع القروش».. رحلة بحرية غير شرعية بعيدًا عن الرقابة

سمكة قرش
سمكة قرش

قبل نهاية عام 2018 كان الغواص محمد الدالي، ينتظر مجموعة من السائحين العرب الذين يعشقون المغامرة، لكنها فريدة من نوعها، وهي الغوص في رحلة محفوفة بالمخاطر إلى نقطة يتواجد فيها عدد من القروش، ليلتقطون صورًا، ويلعبون معهم.

"اللعب مع القروش"، لم يكن اسم فيلم سينمائي لكن واقع لرحلات يذهب فيها البعض، إلى القرش عن طريق إعطائه لحوم ومواد غذائية تجعله يخرج لهم، لالتقاط صورًا معهم ونشرها عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

"الدالي" الذي تعتبر رحلة 2018 الأخيرة له، فقد هاجمه قرش شديد الخطورة، وكاد أن يفتك به، يؤكد أن هناك سائحين لا يهابون الموت، يحبون المخاطرة.. فمنذ أيام حدثت واقعة لم تكن الأولى من نوعها في مصر عندما تعرض ثلاثة أشخاص ضمن فوج رحلة بحرية لهجوم سمكة قرش أثناء قيامهم بالأنشطة البحرية بالقرب من منطقة غوص "الشارك ريف" بمحمية رأس محمد في محافظة جنوب سيناء، الأمر الذي أسفر عن وقوع إصابات بينهم.

وجهت وزارة البيئة بالتحقيق في الحادث وتشكيل مجموعة عمل من المختصين بمحميات جنوب سيناء لدراسة ملابسات الحادث، فيما تم إغلاق محمية رأس محمد ومنع الأنشطه البحرية لحين تتبع ورصد القرش المضطرب.. لم يكن الحادث هو الأول من نوعه في مصر، فقد تعرضت شواطئ مدينة شرم الشيخ لحادث هجوم سمك قرش عام 2010، ضمن سلسلة من هجمات القرش، ما أدى حينها إلى إصابة 4 سائحين وموت شخصجراءالحادث؛ وقد وقعت كل تلك الحوادث بالقرب من الشاطئ.


تكشف "الدستور" تنظيم رحلات بعيدًا عن الرقابة تُعرف باسم "اللعب مع القروش"، يبدأ فوج الرحلة بجذب أسماك القرش من خلال تقديم الطعام لها بهدف التصوير معها، فيما قد تم منع الرحلات بسبب مخالفاتها لقانون البيئة.

بحسب الأبحاث والدراسات فإنه ليس من طبيعة أسماك القرش الهجوم على الإنسان سوى في حالات نادرة، نتيجة تدخل العامل البشري والعبث بالبيئة الطبيعية لأسماك القرش واستفزازها خلال رحلات الصيد أو الغوص.

تواصلت "الدستور" مع إحدى شركات السياحة التي أعلنت عن برامجها عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وتضمن الإعلان رحلات مختلفة إلى شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم وغيرها من الوجهات السياحية المعروفة بتميز الحياة البحرية فيها.

يقول طارق حسني المسؤول عن تلك الرحلات في الشركة، إنه لا توجد رحلات بحرية لمشاهدة القروش لأن وزارة البيئة وقفت ومنعت تلك الرحلات، ولكن قبل إنهاء المكالمة أوضح المسئول عن التسويق أن الرحلات التي تنظمها الشركة هي رحلات بحرية يومية تبدأ من الساعة 8 صباحًا وحتى الساعة 4 عصرًا.


وأكد "حسني"، أن الغواص المسئول عن الرحلة أو القائد يكون غواص محترف وعلى علم بكل أماكن ونقاط الغطس المعروفة بتواجد الحيوانات البحرية فيها والقروش، معلقًا: " الرحلة بتطلع على مكان محدد بيتم الإعلان عنه حينها في أماكن موجود فيها الدولفين وأماكن فيها قروش عشان الزوار يتصوروا معاها، والرحلة بتبدأ تقريبًا من 400 جنيه فيما فوق على حسب موقع الغطس التي ستتوجه له الرحلة".

شركة آخرى أعلنت عن عدد من الرحلات السياحية إلى الغردقة وشرم الشيخ، والتي تتضمن برامج مختلفة عن الأنشطة البحرية ومنها رحلات يومية أو رحلات لمدة أيام تنطلق على مركب متوجهة إلى إحدى الجزر، التي تتميز بوجود أنواع عديدة من الحيوانات البحرية وعلى رأسها القروش.

وعندما سألنا الشركة عن تفاصيل أكثر حول طبيعة تلك الرحلات التي تنطلق يوميًا أو لمدة أيام، كان الرد أن بقية التفاصيل عن برامج تلك الرحلات مع الحجز للتأكد من جدية السفر والحضور.


في عام 2019 منعت وزارة البيئة تنفيذ كل أنشطة الغوص الإبتدائى تحت مسمى الغوص الاستكشافي أو ما يُعرف بـ "غوص الهواة"، على أن يُسمح بتنفيذ هذا النشاط فقط برًا من الشاطئ وفى مناطق الغوص الكائنة بمواجهة الفنادق والقرى السياحية فقط وذلك حرصًا على الحياة البحرية، وفقًا للمنشور رقم 24 الصادر عن جهاز شؤون البيئة ليتم العمل به بدءً من شهر نوفمبر 2019.

حظر الأنشطة البحرية في المحميات الطبيعية

وضعت وزارة البيئة عدد من الضوابط والاشتراطات لتنظيم حركة الأنشطة البحرية بما لا يضر البيئة؛ ومن أبرزها استبعاد الأنشطة البحرية من المواقع ذات الأهمية الإيكولوجية والجيولوجية أي في منطاق المحميات الطبيعية.

ويحظر القيام بأعمال من شأنها الإضرار بالكائنات البحرية في المنطقة أو صيد أو قتل أو إزعاج أيً من الأحياء البحرية أو الاتجار فيها.

كشفت مجموعة بيو البيئية العالمية أن قيمة السياحة البيئية البحرية كالغوص الترفيهي المتعلق بالقروش ومشاهدتها قد بلغت 47.5 مليون دولار على الصعيد العالمي، فيما انخفضت أعداد أسماك القرش بنسبة 90٪ أو أكثر في بعض المناطق.


طوسون: عقوبات وغرامات موقعة بسبب تجاوز ضوابط رحلات الغوص

على طوسون، واحد من أقدم غواصين شرم الشيخ، أكد أنه توجد مخالفات وتجاوزات من قبل بعض شركات السياحة ومراكز الغوص، وغرامات من الجهات المسئولة على عدد من الأماكن والغواصين تتضمن إيقافهم وسحب التراخيص ؛ بسبب خرقهم للضوابط واللوائح التي تحددها وزارة البيئة بشأن الأنشطة البحرية.


وتابع: "في رحلات بتطلع وتلاقي المدرب أو قائد الرحلة يقول للفوج اللي معاه هجيبلكم سمك قرش تتفرجوا عليه أو تتصوروا معاه ويبدأ بإلقاء الأطعمة لأنه عارف أن أي روائح مختلفة أو نفاذة بتجذب القروش، ودا طبعًا في منتهى الخطورة وكمان ممنوع، وكان في واقعة بالفعل حصلت من سنة وطبقوا العقوبات على المركب والمدرب، واحنا بنحاول إننا لو شوفنا دا نصور ونبعت لغرفة سياحة الغوص أو وزارة البيئة عشان المركب يتمنع أو المدرب بتعاقب ويتوقف".

أقدم الصيادين: رحلات غير شرعية والغرامة 50 ألف دولار

محمد عوض، أحد أقدم الصيادين في مصر، أكد أنه ليس من طبيعة القرش مهاجمة البشر؛ مرجعًا ذلك إلى أن الإنسان ليس من السلسلة الغذائية له، لذا عندما نسمع عن حوادث مهاجمة سمك القرش لشخص فهو نتيجة تدخل الإنسان في البيئة البحرية.

وكشف "عوض" أن الرحلات التي تنتطلق في أعماق البحر بهدف رؤية القروش والتي يُطلق عليها اسم "اللعب مع القروش" هي رحلات غير نظامية وغير شرعية، وقد تم منعها منذ حوالي سنتين أو أكثر، وأن مثل هذه الرحلات يتم تنظيمها بعيد عن أعين الرقابة وشرطة المسطحات البحرية وحماية البيئة؛ ومن يتم ضبطه ينظم تلك الرحلات أو حتى يشارك فيها فيتم توقيع غرامة مالية ضخمة عليه تصل إلى 50 ألف دولار تقريبًا.

كبير الصيادين أكد أن تلك الرحلات تنظم في الخفى بعيد عن الأنظار وعادةً ما يكون لها برامج مخصصة، وهي قائمة على تقديم طعام مختلف وغير مألوف لسمك القرش بهدف جذب أكبر عدد ممكن من القروش للمجموعة السياحية، ومن ثم بدء اللعب والتصوير مع القروش والتفاعل معها وغيرها من الأنشطة التي تغير من السلوك البحري لسمك القرش.


وحين تتوقف الرحلة عن تقديم الطعام للقروش، أوضح كبير الصيدين أن هنا يتغير سلوك القرش ويبدأ في مهجامة أفراد الرحلة ويعرضون حياتهم للخطر، بل ويبدأ القرش في مهاجمة الإنسان على الشاطئ بحثًا عن الطعام الذي كان يُقدم لهوبسبب توقف ما اعتاد عليه القرش من الإنسان.

من يخالف المنشور رقم 24 الصادر عن جهاز شئون البيئة السالف ذكره والذي يحظر رحلات غوص الهواة أو المستكشفين، يعد مخالفًا للقانون رقم 102 لسنة 1983 فى شأن المحميات الطبيعية، ويخضع لمواد العقوبات الواردة به، إضافة لإيقاف نشاطه داخل المحميات، كما يعد مخالفًا للمادة 9 مكرر من القانون رقم 85 لسنة 1968 التى قد تصل عقوبتها لإلغاء ترخيص وزارة السياحة.

98 واقعة هجوم لأسماك القرش عام 2015

أجرت جامعة فلوريدا عدد من الإحصائيات حول أسماك القروش، إذ شهد عام 2015 وقوع 98 هجومًا لأسماك القرش على أشخاص.


وبحسب الإحصائيات الصادرة عن الجامعة، قُتل 3 أشخاص بعضات أسماك القرش في إقليمي فرنسيين وهما "لارينيون ونوفل كاليدوني"، و3 أشخاص آخرين في مصر وأستراليا والولايات المتحدة.

الولايات المتحدة الأمريكية سجلت أعلى عدد هجمات أسماك القرش بـحوالي 56 هجمة منهم؛ 30 في ولاية فلوريدا يليها جنوب الولايات المتحدة ثم أستراليا التي شهدت وقوع 18 هجمة لأسماك القرش، ثم جنوب أفريقيا بعدد 8 هجمات، وفقًا لأرقام جامعة فلوريدا.

وبحسب الإحصائيات الصادرة عن الجامعة، قُتل 3 أشخاص بعضات أسماك القرش في إقليمي فرنسيين وهما "لارينيون ونوفل كاليدوني"، و3 أشخاص آخرين في مصر وأستراليا والولايات المتحدة.

مهند سليمان: تنظمها مراكز سياحية غير مرخصة

مهند سليمان، غواص بمدينة شرم الشيخ، كشف أن هناك أشخاص بالفعل يقومون بتنظيم تلك الرحلات والمعروفة باسم "اللعب مع القروش" ولكن في الخفاء بعيدًا عن أعين الرقابة، مؤكدًا أن المراكز التي تطلق مثل هذه الرحلات هي بالتأكيد غير مرخصة ويعمل بها أشخاص غير محترفين على الإطلاق؛ إذ أنه من المستحيل أن يطلق مركز غوص له اسمه ومكانته رحلات غير نظامية من الممكن أن تضر الحياة البحرية بل وقد تودي بحياة الإنسان.


أكد سليمان أن رحلات اللعب مع القروش من أخطر الرحلات البحرية التي يمكن أن تُنظم بسبب آثارها السلبية على البيئة والإنسان والسياحة؛ لأن المجموعة التي ترغب في خوض تجربة رحلة "اللعب مع القروش" من الممكن أن تتعرض للهجوم من قبل القروش التي جذبتها المجموعة عن طريق تقديم الطعام لها، فضلًأ عن كونهم أشخاص غير مدربين على التعامل مع القروش حال حدوث أي أمر خارج عن السيطرة.

تقدر هجمات القرش في العالم بـ 115 هجمة مؤكدة، منها فقط 66 هجمة غير مبررة؛ وتعد تلك الأقل مقارنة بمتوسط 84 هجمة غير مبررة على مدار الخمس سنوات الأخيرة، وفقًا لإحصائيات متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي لعام 2018.


غرفة سياحة الغوص: منع الأنشطة البحرية في مناطق تواجد القرش

إسماعيل محمد، الأمين العام لغرفة سياحة الغوص والأنشطة البحرية، أكد أن الغرفة تعمل بالتعاون مع الجهات المختصة المعنية على ملاحقة الكيانات الغير قانونية والتأكد من إتباع مقدمي أنشطة الغوص والأنشطة البحرية لمعايير الأمان والسلامة، مع التشديد على التزام المنشآت السياحية ومقدمي الخدمة من رحلات يخوت السفاري بعدم إطعام الأسماك أثناء القيام بأي نشاط بحري أو الصيد أثناء التواجد على اليخت وعدم السماح لطاقم القارب بإلقاء الطعام من اليخت لأن ذلك قد يجذب أسماك القرش، وفي حالة مخالفة ذلك يتم توقيع العقوبات المقررة من قبل الجهات المعنية.

أما عن الدور التوعوي، فأشار إلى أنه يُجرى العمل حاليًا من قبل غرفة سياحة الغوص بالتنسيق مع الجهات المعنية مثل قطاع حماية البيئة والمحميات بوزارة البيئة على تنظيم حملات للتوعية بمدى خطورة العبث بالحياة البحرية والبيئة بوجه عام، كذا أكدت الغرفة على عدم جواز حصول الغواصين المحترفين والمديرين الفنين في القطاع على بطاقة الغرفة أو مزاولة النشاط بالنسبة ليخوت السفاري إلا بعد الحصول على دورة التوعية الخاصة بالتعامل مع أسماك القرش والتي تُقدمها الغرفة لجميع الغواصين والمديرين الفنيين.

وزارة البيئة: وقف جميع الأنشطة البحرية في محيط الحادث

وبالتواصل مع المكتب الإعلامي لوزارة البيئة للرد على القيام بالأنشطة البحرية الممنوعة أكد أنه جار اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لردع القيام بأية أنشطة بحرية ممنوعة، فقد أكدت الوزارةأنه حاليًا تم وقف كامل الأنشطة البشرية في محيط حادث هجوم سمكة قرش على ثلاثة أشخاص بمحمية رأس محمد بجنوب سيناء،كإجراءً احترازيًا لضمان عدم تكرار الهجوم على آخرين،وطبقًا لما هو متبع عالميًا في مثل هذه الحوادث.

فيما أكدت وزارة البيئة أن جار البحث والتقصي وراء ملابسات الحادث من قبل فريق العمل المختص، الذي مازال يقوم بالتحقيق في الحادث واستكمال مهام عمله بهدف الوصول إلى أسباب السلوك العدائي لسمكة القرش التي هاجمت الأشخاص وتسببت في هذا الحادث، إذ أنه ليس طبيعيًا أن تهاجم أسماك القرش الإنسان إلا في حالات نادرة.

عام 2017 نُشرت إحصائيات سابقة لقطاع حماية الطبييعة بالبحر الاحمر عن برامج رصد أسماك القرش، إذ ينتشر بالبحر الأحمر نحو 26 نوعًا من أصل 400 نوع بالعالم من أسماك القرش، من بينها 4 أنواع من الأسماك قد تكون عنيفة أو خطيرة، وأنها غير موجودة بكثرة فى البحار.