رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسامة علي ماهر يكتب: الدليل العصري لفهم المرور المصري «2».. الأولوية للي يلحق!

 أسامة علي ماهر
أسامة علي ماهر

ألف مبروك على الإنجاز! أجمل التهاني على هذا المجهود الرائع. من نجاح إلى نجاح! هذه هي بعض العبارات الآلاف التي تلقيتها في كروت تهنئة بمناسبة حصولي على رخصة قيادة السيارة في كوكب السويد في تسعينيات القرن الماضي. لم تكن رخصة لقيادة سفينة فضاء لكن سيارة عادية.

طيب ليه الموضوع مكان يستحق كروت تهنئة؟ لأن ببساطة عشان الواحد ياخد رخصة عادية في السويد لازم يعدي على ثلاث اختبارات الأول اختبار قيادة على الجليد، نظرا لأحوال الطقس هناك والثاني هو اختبار نظري عن قوانين وقواعد المرور وكيفية القيادة في المواقف المختلفة وأخيرا اختبار عملي مع موظف من المرور على الطرق في المدينة. 

كان الطبيعي أن الواحد يسقط على الأقل مرة في السواقة على الجليد والعملي وأكثر من مرة في اختبار قواعد وقوانين المرور. لأن الامتحان عادة بيكون عامله واحد مختارينه بعناية وبيكون "لابد في الدره" وحاطط السؤال عشان يختبر معلوماتك عشان تعرف تقرأ الطريق وثباتك الانفعالي عشان لو طلعلك طائر العنقاء وأنت سايق شوية علم نفس عشان علاقتك بأهلك وأنت صغير بتأثر على منظوره للمشاة على حبة علم اجتماع عشان يحدد طبيعة علاقتك بالسواقين اللي جنبك. علشان كده لما نجحت ما كنتش مستغرب من كل كروت التهنئة ديه بالعكس كنت متوقع الأستاذ حمادة هلال يغنيلي والله وعملوها الرجالة وأنا بستلم الرخصة الأغنية ظهرت بعد كده بس برضوا.

حصولي على أول رخصة قيادة من كوكب السويد كان عامل أساسي لإصابتي بارتفاع ضغط الدم والعديد من الجروح والندبات الدائمة في أماكن متفرقة في جسدي لما ابتديت أسوق في القاهرة. طبعا مش محتاج أقول إن استخراج الرخصة نفسه تم بحمد الله بمنتهي اليسر لكن بدل كروت التهنئة كانت صورة الرخصة ككل صور الشعب المصري على البطاقات المصرية، كما جسدها الرائع أحمد حلمي في عسل أسود، كإني لسه داخل السجن أو ببساطة ده واحد تاني. 

مش مهم، المهم إني أقدر أسوق في شوارع المحروسة وأغني بالأحضان لكل المصريين وأسلم على كل اللي في الشارع وأوريهم الرخصة. بعد وقت قليل من السواقة خسرت علاقتي بناس كتير كنت بحبهم بسبب إنهم كانوا راكبين معايا وأنا بسوق بسبب إصراري على إني عاوز أناقش مع كل اللي بيسوقوا في مصر إنهم بيسوقوا غلط.

أصحابي كانوا بيضطروا ينزلوا يتخانقوا معايا ويضربوا الأعداء المروريين بس عشان خاطري لكن من جواهم هما عارفين إن اللي بيحصل عادي. بعد ثلاث حوادث على الدائري ودايرة معارفي بقي فيها بس الناس إللي بترفض أوصلها كان لازم أقف مع نفسي وأشوف أيه الغلط. ليه كروت التهنئة اتبدلت بضربة مطوة والورد أتبدل بفانوس مكسور حمادة هلال بقي يغني دايما دموع؟.

الموضوع أصعب من أنه يتلخص في مقالة أو كتاب لأن التفاصيل ممكن تاخد أكثر من كده بكتير. وأنا بحاول اكتشف الفرق لقيت إن المرور وسلوكيات الناس وهي سايقة هو انعكاس لحياتهم اليومية وأدوارهم في الحياة بصفة عامة وأن قواعد وقوانين المرور هي جزء من منظومة القوانين التانية اللي بتحكم علاقتنا ببعض. 

وأنا غارق في هذه الأفكار الفلسفية قفزت في ذهني مجموعة من أهم المحاور لتوصيف الاختلاف بين قيادة المركبات في كوكب السويد والسواقة في مصر. أحد أهم الإصطلاحات في القياده هي "الأولوية" وهي عبارة غير موجودة على الإطلاق في معجم السواقة في مصر. الأولوية يرمز لها بمثلث مقلوب أي الرأس للأسفل وقاعدة المثلث في الأعلى ومعناها إنك تعطي الأولوية المركبة في الطريق الذي أمامك بما فيها الميادين. يا نهار أسود "أنا فيه حد أولي مني؟".

اعتقد أن ده كان رد أول واحد سمع عن هذه اللافتة قليلة الأدب عندما طرحت ضمن تنظيم المرور في مصر. الأولوية في المرور ممكن إننا نتعامل معاها على أساس إنها واسطة حاجة بتقبل من شأننا حاجة عيب وبعدين هو ابن مين في مصر ده اللي هستناه وهو عنده أولوية وأنا لا؟ موضوع الأولوية هو من أوائل الدروس اللي اتعلمتها وأنا بسوق في مصر.

في أحد أحياء القاهرة الجديدة كنت سايق في أمان الله ودخلت الصينية "تعبير غريب على فكرة" وسايق بمنتهي الثقة وأمان الله على أساس أن الأولوية تاني للي في الصينية في جميع أطراف المعمورة. إذ فجأة عربية تعكر صفو سواقتي وتقريبا كنا هنضرب في بعض. وقفت كعادتي ونزلت علشان أتخانق لقيت الراجل قرفان مني جدا وبدأ بالجمل التقليدية زي مش تفتح وأنت اللي سايق بسرعة وتلاقي (حد من أفراد عائلتي) اللي جايبهالك وكلام كتير مش فاكره. 

فقلت خليك هادي واقنعه فقلت له حضرتك بغض النظر بس الأولوية للي في الدُوار. (هكذا يطلق على الصينية في بلاد الشام) فجأة الراجل ابتسم وسألني أولوية؟ ودُوار؟ يبقي حضرتك مش عايش هنا قلتله يعني. فرد عليا بحكمة "قاللي يا بيه الأولوية في مصر للي يلحق". هذه الحكمه ساعدتنيأاكثر من أي كتب أو مراجع في فهم المرور في مصر. بعدها انتقلت طريقة تفكيري تماما من التركيز على القوانين والقواعد وحتي الطرق إلى محاولة إني أجري بسرعة عشان ألحق!

د. أسامة علي ماهر
عضو سابق بالبرلمان السويدي