رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليوم العالمى لغسل اليدين



كان عام ٢٠٠٨، هو العام الدولى للنظافة الشخصية والعامة والصرف الصحى. وخلال الأسبوع العالمى للمياه، الذى ينعقد، سنويًا، فى العاصمة السويدية ستوكهولم، خلال شهر أغسطس أو سبتمبر، تم إطلاق فكرة اليوم العالمى لغسل اليدين، وأقرتها الجمعية العمومية للأمم المتحدة وحددت منتصف أكتوبر، من كل عام، للتوعية بأهمية هذا الإجراء. وقد تفاجأ، لو عرفت أن مصر واحدة من ٧٠ دولة تحتفل، أو المفترض أن تحتفل، بهذا اليوم.
الاعتقاد بأن العدوى تنتقل من شخص إلى آخر، بشكل مباشر، ظل سائدًا، حتى اكتشف الطبيب جيرولامو فراكاستورو، سنة ١٥٤٦، أنها يمكن أن تنتقل عن طريق ملامسة الأيدى للأسطح أو الملابس.
وفى كتابه «توجيهات للخدم»، Directions to Servants، الصادر سنة ١٧٤٥، نصح جوناثان سويفت، المساعدين المنزليين بعدم إعداد الطعام قبل غسل أيديهم. ثم حقق لويس باستور تقدمًا هائلًا فى نظرية الجراثيم، وأثبت أن غسل الأيدى يحد من انتشار الأمراض. وبعده، قام الجراح البريطانى جوزيف ليستر بتحسين نسب وفيات المرضى، بمطالبته الجراحين، العاملين معه، بغسل أيديهم، وتعقيم أدواتهم بعد استخدامها.
سنوات طويلة مرت، حتى ربط الطبيب الأمريكى أوليفر وندل هولمز، سنة ١٨٤٣، بين عدم نظافة أيدى الأطباء وحمى النفاس لدى السيدات، وسلط الضوء على أهمية النظافة الشخصية لهيئة التمريض.
وبين عامى ١٨٤٤ و١٨٤٨، اكتشف الطبيب المجرى إجناز سيميلويس زيادة نسبة الوفيات فى جناح الولادة بمستشفى فيينا العام. وبعد أن فرض على الأطباء غسل أيديهم بالكلور، شهدت الفترة من ١٨٤٨ إلى ١٨٥٩ انخفاضًا فى معدل الوفيات. غير أن الأطباء لم يرحبوا بتلك الفكرة، لأنها تجعلهم سبب وفاة عدد كبير من النساء، كما أن سيميلويس فشل فى إقناع المستشفيات الأخرى بفرض غسل الأيدى على الأطباء العاملين بها!.
بدخول شركات صناعة الصابون على الخط، بدأ إطلاق حملات غسل الأيدى، إذ قامت شركة «Lever Brothers» سنة ١٩٢٠ بحملة «أيادٍ نظيفة»، دعت فيها الأطفال إلى غسل أيديهم قبل الإفطار، قبل العشاء، وبعد المدرسة. وجاء فى إعلان صابون «Lifebuoy»، سنة ١٩٢٧ أنه أفضل طريقة لمكافحة الجراثيم، مع صورة لأب يقول لابنه إن «الأيدى القذرة خطيرة». ولاحقًا، اتضح أن غسل اليدين بالصابون من أنجع الطرق وأقلها تكلفة للوقاية من أمراض عديدة.
كعادة كل شىء، يزيد عن حده، هناك أعراض جانبية للإفراط فى غسل اليدين. ومع ظهور فيروس «كورونا المستجد»، وانتشار النصائح بضرورة غسل اليدين، نقلت وكالة «سبوتنيك» عن ليودميلا سميرنوفا، أستاذة الأمراض الجلدية بجامعة «سيتشينوف» الروسية، أن غسل اليدين بالصابون لأكثر من ست مرات فى اليوم، يمكن أن يتسبب فى جفاف البشرة. واتفقت معها خبيرة التجميل جالينا كاشتانوفا، وأوصت باستخدام الكريمات الواقية للحفاظ على الجلد.
قبل «كورونا المستجد»، أكدت أبحاث عديدة أن الحرص على غسل اليدين بالماء والصابون يقلل من نسبة أمراض الأمعاء والإسهال بـ٣١٪ وأمراض المسالك التنفسية بـ٢١٪. ويفترض الباحثون أنه كان بالإمكان منع نحو مليون حالة وفاة، سنويًا، لو حرص الناس فى المجتمع على غسل اليدين بالماء والصابون. وطبقًا لما ذكرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن غسل اليدين «أحد أكثر المعايير الوقائية من انتشار مسببات الأمراض».
كمبدأ عام، فإن غسل اليدين يقى، بنسب متفاوتة، من الأمراض المحمولة جوًا، مثل الحصبة، الجدرى، الإنفلونزا، والسل. ومن الأمراض المُعدية، كمجموعة أمراض الأمعاء، التى تصيب سنويًا مليارى شخص، وتحتل المرتبة الثالثة فى قائمة أسباب الوفيات فى الدول الفقيرة. والمرتبة الثانية بين أسباب وفيات الأطفال، بـ١.٥ مليون وفاة سنويًا. كما أن فيروس «البوليو»، المتسبب فى شلل الأطفال، ينتمى إلى عائلة أمراض الأمعاء، أيضًا، وينتقل بواسطة لمس الفم بيد ملوثة.
يمكننا أن نقول، إجمالًا، إن اليدين النظيفتين تمنعان انتقال غالبية أنواع البكتيريا والفيروسات من شخص إلى آخر وبين أفراد المجتمع. وهناك نشرة أصدرتها منظمة الصحة العالمية توضح الطريقة الصحيحة لغسل اليدين، ستجدها على موقعها الإلكترونى. كما تدعو مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى فرك اليدين بالصابون لمدة ٢٠ ثانية، على الأقل، قبل شطف الصابون بالماء، مع تجفيفهما جيدًا، لأن الأيدى المبتلة تنشر العدوى بشكل أسرع.
ربما لارتباط نظافة الجسد بنقاء الروح، جرت العادة على وصف المسئول الأمين، النزيه، غير الفاسد، بأنه نظيف اليدين. ولأسباب منطقية، قانونية وسياسية، تقوم الحكومات الذكية بغسل أيديها من أى مسئول فاسد أو فاشل، بإبلاغ النيابة العامة عن جرائمه أو بالاستغناء عن خدماته. وعليه، ننتظر من الدكتور مصطفى مدبولى، الذى فاته الاحتفال بهذا اليوم العالمى، أن يغسل أيدى حكومته، فورًا، من وزير الدولة للإعلام ومحافظ الدقهلية.