رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا كتب الله على نفسه الرحمة ولم يكتب على نفسه الانتقام؟ «2»


انظر إلى كل شىء حولك تتجلى فيه آثار رحمته.. كأنك تراه.. كان إبراهيم بن أدهم يمشى فى بعض سكك المدينة، فرأى بابًا قد فُتح، وخرج منه صبى يستغيث ويبكى، وأمه خلفه تطرده حتى خرج فأغلقت الباب فى وجهه ودخلت، فذهب الصبى غير بعيد ثم وقف متفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذى أخرج منه، ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مُرتجًا، فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام، فخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك إلا أن رمت بنفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكى، وتقول: يا ولدى أين تذهب عنى، ومن يؤويك سواى؟ ألم أقل لك لا تُخالفنى، ولا تحملنى بمعصيتك على خلاف ما جُبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادة الخير لك، ثم أخذته ودخلت، فبكى إبراهيم بن أدهم لهذا المشهد، وقال: صدق رسول الله: «لَـلَّهُ أرحم بعبده من الأم الشفيقة بولدها».
- آثار الرحمة فى الكون:
انظر إلى رحمته فى تقسيم الليل والنهار، «وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (القصص: ٧٣).. تخيلوا لو أن الليل دائم أبدًا!! أو النهار دائم أبدًا!! «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء...» (القصص: ٧١).. «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ...» (القصص: ٧٢).
تخيل لو أتى الليل فجأة! أو أتى النهار فجأة! ماذا يحدث للكائنات؟ هل لك أن تتخيل الاضطرابات العصبية والاهتزازات التى من الممكن أن تحدث؟ «وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ» (التكوير: ١٧، ١٨).. تخيل لو فككت قطعتى حديد ماذا سيحصل؟ صوت مزعج جدًا.. تخيل انسيابية خروج الليل من النهار.. والنهار من الليل بجمال وأصوات عصافير دون أى إزعاج «يولج الليل فى النهار ويولج النهار فى الليل»، رحيم جميل حنون.
رحمة أخرى، وهى أن الله جعل الأشياء الأساسية التى هى قوام حياتك لا أحد يتحكم فيها أبدًا.. المياه من رحمته أن يُخزنها لك فى الآبار، ومن رحمته ألا يُنزلها كلها من السحاب المُحمّل بها، بل تصل لقمم الجبال فتتحول إلى ثلج على قممها يذوب فى الصيف.. الهواء لا أحد يراه فيتحكم فيه.
رحمة أخرى، وهى نزول المطر، يقول الله تبارك وتعالى: «وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ...» (الشورى: ٢٨)، «انظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا...» (الروم: ٥٠).. انظروا إلى الكون بطريقة جديدة غير التى تعودتم عليها.
تخيلوا لو أن الماء الذى ينزل من السماء ليس عذبًا.. مالحًا: «أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِى تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ* لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ» (الواقعة: ٦٨ ٦٩ ٧٠).. يقول الله تعالى: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ» (الملك: ٣٠).. أليست رحمة من الله أن يجعل الماء ينزل إلى الأنهار ليُحفظ فيها ولا ينزل إلى باطن الأرض؟!
- رحمته فى العلاقات الاجتماعية:
مَنْ الذى غرس فى الآباء والأمهات من لدن آدم إلى يوم القيامة فى كل الكائنات أن يرحموا أولادهم؟، المكان الذى حُفظت فيه وأنت جنين سُمى بالرحم، وصلة الرحم يقول الله عنها: «أنا الرحمن وهى الرحم اشتققت لها اسمًا من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته».. يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «للّه أرحم بكم من الأم الشفيقة».
من رحمته أنه مهما كثُرت ذنوبنا يعفو عنا.. «وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ...» (الكهف: ٥٨).. من رحمته إرسال النبى، صلى الله عليه وسلم.. «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء: ١٠٧).. الرحمة بلا حدود ولذلك انظر إلى دعاء النبى، صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنى أسألك رحمة تجمع بها شملى، وتلم بها شعثى، وتصلح بها أمرى، وترد بها غائبى، وتعصمنى بها من كل سوء، أسألك رحمة أنال بها شرف كرامتك فى الدنيا والآخرة».
الخلق الذى يخرج من هذا الاسم: ارحم الناس.. ارحم المرأة.. ارحم الغلابة.. ارحم أباك وأمك.. «ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء».. «الراحمون يرحمهم الله تبارك وتعالى».. «من لا يَرحم لا يُرحم».
صلة الرحم.. «إن الرحمة لا تتنزل على قومٍ بهم قاطع رحم».. بر الوالدين.. «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ...» (الإسراء: ٢٤).. عش بهذا الاسم فهو مدخلك لمنزلة الرضا عن الله.