رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نيكولاس شاكسون يواصل كشف فساد عالم «الأوف شور»

جريدة الدستور

يواصل الصحفي البريطاني نيكولاس شاكسون٬ كشفه لقصص الفساد في عالم الأوف شور من خلال كتابه" هربت ولن تعود.. مافيا إخفاء الأموال المنهوبة" والصادر عن مشروع مكتبة الأسرة٬ وترجمته الدكتورة في فاطمة نصر، متضمنًا شهاداته عن رئيس الجابون الأسبق عمر بونجو٬ أصبحت الجابون مستقلة عام 1960 فيما كانت في بداية ظهورها بلدا إفريقيا نفطيا واعدا٬ وركزت فرنسا اهتماما خاصا عليها، وكانت ثمة حاجة لنمط الرئيس الصحيح زعيم أفريقي حق٬ كاريزمي قوي ماكر٬ وموال لفرنسا تماما لدي الحاجة٬ وكان بونجو المرشح المثالي، كان ينتمي إلي مجموعة إثنية شديدة الصغر ولم يكن له قاعدة دعم داخلية طبيعية٬ من ثم كان لابد له أن يعتمد على فرنسا من أجل حمايته.

 وأصبح بونجو في 1967 وكان في الثانية والثلاثين من العمر أصغر رئيس جمهورية في العالم٬ ووضعت فرنسا عدة مئات من الجنود المظليين في ثكنات بليبرفيل تصلها بأحد قصوره أنفاق تحت الأرض، أثبت هذا العامل الردعي كفائته بدرجة أنه عندما توفي بونجو 2009 كان قد أصبح زعيم العالم رقم واحد الذي ظل يحكم أطول مدة.

ويتابع شاكسون:"وكما أوجز لي أحد الصحفيين الفرنسيين الوضع: لقد رحل الفرنسيون من الباب الأمامي وتسللوا عائدين من نافذة جانبية، وفي مقابل دعم فرنسا له٬ منح بونجو الشركات الفرنسية حقوقا شبه حصرية للتنقيب عن النفط والمعادن وامتلاكها في بلده بشروط جد تفضيلية، كان له أيضا أن يصبح مسمار جحا المحور الأفريقي في شبكة فساد شبحية شاسعة كوكبية ترتبط سرا بين الصناعات النفطية في مستعمرات فرنسا الإفريقية السابقة وعالم السياسة السائد في فرنسا المتروبوليتانية عن طريق سويسرا ولوكسمبرج والملاذات الضريبية الأخري.

وعودة أخري إلي المحققة إيفا جولي والتي إكتشفت أن أجزاء من صناعات الجابون النفطية كانت تخصص كصناديق أموال قذرة عملاقة وتتيح مئات الملايين من الدولارات للنخب الفرنسية، تطور ذلك النظام تدريجيا٬ لكنه بحلول السبعينيات كان بالفعل يعمل بآلية سرية لتمويل الحزب الفرنسي اليميني الرئيسي rpr حينما أصبح فرنسوا ميتران الإشتراكي رئيسا لفرنسا 1981، حاول إقتحام ماكينة النقد الفرانكو إفريقية في ملاذاتها الضريبية الآمنة بأن نصب لوفلوش بريجان رئيسا لمؤسسة إلف elf ليضطلع بالمهمة، لكن ميتران كان من الحكمة بدرجة قرر معها ألا يقطع التمويلات عن الحزب".

و في كتاب مرجعي لهما عن الموضوع ذكر فالري لوكاسابل وإيري روتييه إن: لوفلوش كان يعلم أنه إذا قطع شبكة التمويلات عن حزب اليمين واستخباراته ستتحول الأمور إلي حرب٬ وبين بدلا من ذلك أن زعيمي حزب اليمين"جاك شيراك" وشارل باسكوا كانا على استعداد لأن يأخذ الإشتراكيون قطعة من الكعكة٬ إن تم توسيع الشبكة، لم يكن الأمر يتعلق بتمويل الأحزاب السياسية فقط٬ فقد استطاعت كبرى الشركات الفرنسية الإستفادة من منجم النفط غرب الإفريقي كمصدر مالي يمكنها من دفع الرشاوى إلى أماكن مثل فنزويلا وألمانيا وجرسي وتايوان٬ فيما ضمنت أن تقصي النقود لن يقود إليها. أيضا عملت نقود ألف القذرة على تزييت عجلة الدبلوماسية السياسية والتجارية الفرنسية في جميع أنحاء العالم:" أخبرني أحدهم كيف أنه حمل حقيبة ملابس مليئة بالنقود من عمر بونجو لرشوة أحد كبار المتمردين الانفصاليين في أقليم"كابيندا" التابع لأنجولا حيث كان لمؤسسة إلف عقد يدر عليها الأرباح الجمة.

وساعد هذا النظام ذو السطوة الهائلة في فرنسا علي التدخل بقوة بما يفوق وزنها في الشئون السياسية والاقتصادية٬ وعلى الإزدهار وسط الفجوات الموجودة بين السلطات والاختصاصات القضائية، ازدهرت في الملاذات الضريبية بالأوف شور.

وعرض شاكسون الفضيحة الفرنسية وبطلتها عارضة الأزياء"كرستين دوفيير"ودخولها السجن بعد إصرارها على حماية عشيقها"رولان دوماس"وزير خارجية الرئيس ميتران٬ حكم عليها بالسجن بتهمة التدليس حيث إكتشف المحققون القضائيون أن إلف أكتين دفعوا لها ستة ملايين دولار لتساعد على إقناع دوماس لفعل أشياء بعينها٬ أهمها عكس معارضته العلنية لبيع صواريخ من طراز طومسون لتايوان. بعد خروجها من السجن نشرت دوفيير كتابها "الجمهورية الداعرة" الذي حقق أفضل المبيعات في فرنسا. بعد الفضيحة أعلن السياسيون الفرنسيون وفاة نظام إلف ودفنه٬ ومنذ آنذاك تمت خصخصة إلف أكتين وتغييرها تماما إذ أصبحت جزءا من مجموعة توتال. بيد إن إلف لم تكن اللاعب الأوحد في النظام الفرانكواأفريقي الفاسد٬ مثلا لنا أن نتساءل عن سبب أن أول زعيم أجنبي هاتفه "نيكولا ساركوزي" بعد توليه السلطة 2007 لم يكن الرئيس الألماني أو الأمريكي٬ بل كان عمر بونجو ولم ما زالت القوات الفرنسية موجودة بموقعها بالجابون حتى اليوم٬ ومازالت الأنفاق تربطها بالقصر الرئاسي الذي يقيم فيه الآن الرئيس"علي بونجو"نجل عمر بونجو؟ قد يكون نظام إلف قد مات لكن شيئا أخر قد حل محله، في يناير 2008  اشتكي وزير المعونات الخارجية جان ماري بوكل من أن القطيعة مع الماضي الفاسد تسير بخطي بالغة البطء فتمت إقالته على الفور.