رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة عن المرأة المصرية فى حاجة إلى وقفة جادة


أتشكك بعض الشىء فى الأرقام التى أسفرت عنها دراسة لوكالة رويترز حول وضع المرأة فى مصر مؤخراً، حيث أظهرت نتائج تلك الدراسة أن مصر هى أسوأ مكان فى العالم يمكن أن تعيش فيه المرأة، وأن التحرش الجنسى، وارتفاع معدلات ختان الإناث وزيادة العنف وصعود التيار الدينى بعد ما أسماه الغرب «انتفاضات الربيع العربى» كلها عوامل جعلت من مصر أسوأ مكان، وهذا بالإضافة إلى القوانين التى تميز بين الجنسين، وزيادة معدلات الاتجار بالنساء، ساهمت فى هبوط مصر إلى قاع قائمة تضم ٢٢ دولة.

أما سبب تشككى فهو الأرقام التى أسفرت عنها النتائج وأخذت من عينة عددها صغير لا تعتبر تمثيلاً متوازناً وعادلاً يمكن أن يعكس تلك النتيجة الصادمة، ومثال ذلك أن 99.2٪ من السيدات والفتيات يتعرضن للتحرش الجنسى فى مصر، وخضوع 27.2 مليون سيدة وفتاة لختان، لأنه فى حقيقة الأمر أن رقم 99.2٪ لا يعكس تعداد من تعرضن للتحرش الجنسى، وإلا فمعنى ذلك أن الرضع والأطفال الصغار أيضاً يتعرضن للتحرش الجنسى، كما أن رقم 27.2 مليون تعرضن للختان يبدو مبالغاً فيه، إذا ما قسناه بعدد نساء مصر، والذى يمثل نصف السكان، أى قرابة ٤٥ مليون سيدة وفتاة، إلا أن هذا الوضع المتردى الذى رصدته وكالة رويترز، يدعونى لمطالبة السلطات الحالية باتخاذ مواقف ضد كل من يقوم بممارسات عنيفة ضد المرأة فى مصر، سواء فى الشارع أو فى أماكن العمل أو حتى داخل المنازل، حيث إن الوكالة رصدت أيضاً موقفاً فعلياً مفاده أن التحرش لا يؤخذ على محمل الجد من قبل السلطات أو المجتمع ككل، وفى هذا إشارة لتجاهل التحرش أو العنف وتجريمه قانونياً بمحاسبة من يرتكبه أو يقوم به فى حق النساء، لقد سبق أن كتبت العديد من المقالات حول ضرورة تجريم العنف ضد المرأة، ولكن حتى الآن لم نر حادثة تحرش واحدة تم أخذها على محمل الجد، وتمت معاقبة مرتكبها، وحتى حالات التحرش الممنهج والتى ارتكبت ضد النساء بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، لم يتم محاسبة مرتكبيها، و هو وضع غريب أن يكون نصف المجتمع مستباحاً من نصفه الآخر، رغم مشاركة المرأة فى ثورتى يناير ٢٠١١، ويونيو ٢٠١٣، ومن المؤكد أن الدراسة صحيحة فى قولها إن صعود التيار الدينى إلى السلطة قد أسفر عن أوضاع متردية تهبط بمكانة المرأة إلى أسوأ المراتب، وتجردها من مكانتها وحقها فى الحياة الكريمة الآمنة، ونجد أن كل ذلك تم بشكل ممنهج، وبفتاوى صادمة مثل الدعوة لزواج الفتيات فى سن التاسعة، ودعوة المرأة للبقاء فى المنزل وعدم الخروج إلا للضرورة، وأن صوت المرأة عورة، وأشياء كثيرة قيلت ولاتزال يرددها مدعو الدين فيما بعد تحقيرا لشأن المرأة، وانتقاصاً من حقوقها فى المساواة والعدالة والكرامة، إنها تعبيرات لم نسمعها فى مصر من قبل.

والحقيقة لابد أن تقال إن هذه الدراسة قد أظهرت انتهاكات كثيرة ووفيرة لحقوق المرأة فى الـ ٢٢ دولة، ويبدو لى أن الأحوال لن تتغير إلى الأفضل، إلا إذا بدأنا من البداية مرة أخرى، أى أن تتحرك النساء فى اتجاه الثورة على تدنى أوضاعها، والسعى لتحسين تلك الأحوال المأساوية، والتى يبدو أنها لن تتغير بسهولة، فإذا ما نظرنا فى مصر، فيجب أن نتوقف أمام لجنة الخمسين التى لم تلتفت إلى لجنة الاستماع التى طالبنا فيها بكوتة للمرأة عادلة ومنصفة خلال الدورتين القادمتين من انتخابات البرلمان، وذلك اتساقاً مع تشدد نفر قليل من حزب النور بداخل اللجنة، ولا حتى تمثيل المرأة جاء عادلاً فى تشكيل اللجنة من أساسها، وبعد مشاركة من النساء أكبر من الرجال فى ثورة ٣٠ يونيو، كان فيها صوت المرأة أعلى وأكثر وضوحاً فى المطالبة برحيل الحكم الفاشى الإخوانى، ولابد من وقفة جادة للمرأة فى المرحلة المقبلة للمطالبة بأن تكون الأحزاب منصفة فى وضع المرأة بشكل عادل بين مرشحيها، وأن تتكاتف النساء لتشكيل جبهة قوية وحاشدة للتقدم بمرشحات من ذوى الكفاءة والقدرة على الخدمة العامة، لأنه ربما يمكن إذا استطاعت الحركات النسائية أن تدفع بعدد مناسب فى البرلمان المقبل، يمكن أن تدفع بالأوضاع المتردية لها إلى الأفضل، لأن المشاركة السياسية للمرأة فى المرحلة المقبلة لابد أن تكون فى أولويات الحركات النسائية، والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان، للدفع نحو تغيير الأوضاع لتمكين النساء وتوليهن مناصب عليا وفعالة فى الساحة المصرية، إن الإصلاحات الجذرية فى أوضاع النساء كانت تلوح فى الأفق بعد مشاركة النساء فى ثورة ٣٠ يونيو، إلا أن الآمال أجهضت، ويبقى أن تغيير الأوضاع لن يكون طريقاً سهلاً ولا مفروشاً بالورود.