رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الروح.. «الاحتضان» يعيد الحياة لأسر لم تُرزق بأطفال

احتضان طفل
احتضان طفل

"ليلتان" و"حور"، ثلاث فتيات استطعن أن يغيرن مصير أسر كاملةٍ، رغم أن أعمارهن لم تتعد 4 أشهر، فكن المتنفس والملجأ والبداية لكل ما هو قادم يحمل في داخله متنفس جديد، لأمهات وآباء حرموا من الإنجاب سواء بسبب أو بدون.

 قصص عدة لأسر لجأن لاحتضان أطفال من دور الرعاية، لملء الفراغ الذي سكن قلوبهم بعد فشل محاولاتهم في الإنجاب، ولجوء آخرين إلى الحقن المجهري إلا أنه فشل أيضًا، وكيف يغير "الاحتضان في مصر" من  النظرة إلى الأطفال في دور الرعاية، والفرق بينه وبين التبني، "الدستور" ترصد قصص الأمهات مع الاحتضان.

- لمياء: اللي مش هيكون فخور بطفله المحتضن ميحتضنش

حينما كانت "لمياء نصار" في الـ 25 من عمرها، كان عليها أن تختار بين خيارين كلاهما أصعب من الآخر، لا يمكنها الحصول على كلا الخيارين معًا مثلما كانت ترغب وتتمنى دائمًا، وهو إما أن تُكمل حياتها مع زوجها ولكن دون أن ينجبا أبدًا إلى أن يشيبا معًا، أو أن تترك زوجها وحب حياتها وتبدأ قصة جديدة أملًا في الإنجاب وهي في سن صغيرة.

"لو أنا اللي كان عندي مشكلة كنت أتمنى زوجي يتعامل معايا ازاي يسبني ولا يكمل؟" بهذا السؤال الذي طرحته "لمياء" على نفسها طويلًا بعد تأخر الإنجاب بعد شهور عدة من زواجها والكشف عند الأطباء، وكان تعليق أحد الأطباء لها: "شوفي حالك عشان تخلفي"، لذا اختارت زوجها وهو الشخص الذي قررت من البداية أن تبدأ وتُكمل حياتها معه في السراء والضراء، فعند السراء هو الحبيب، والسند، والرفيق ولم يكن هناك مجالًا لتنتهي قصتهم مع أول عقبة تقابلهم لتكون "الضراء" نهايتهم.

تبلغ "لمياء" من العمر 37 عامًا عاشتهم هي وزوجها حياتهم الزوجية كغيرهم من الأزواج؛ في انتظار معجزة ما تغير من رتابة وملل حياتهم التي صارت إليه بمرور الأعوام، وبالفعل تحققت هذه المعجزة في طفلتهم الصغيرة "ليلى".

في عام 2018 سمعت "لمياء" عن الاحتضان والكفالة للأطفال من دور الرعاية، وقبلها بأعوام علمت الكثير إلا أنها لم تخطو لهذه الخطوة ولم يخطر لها أنها ستخطوها، "كذا حد قالي على الكفالة لكن احنا ما كناش عارفين نحدد أوي احنا عايزين إيه".

و تحكي "لمياء": "كنت متيقنة أن الطفل يُولد، وربنا يزرع حبه في قلب أمه من الحمل والولادة، فازاي هحب طفل لم أتعب فيه وفي إنجابه، إزاي هتحمله لما يتعب وأفضل سهرانة جنبه، وكان صوت داخلي يخبرني أنه سيأتي اليوم الذي سأتململ فيه وأزهق ليه أصحى وأراعي حد غريب عليا، غير أني كنت أعتقد أن الكفالة حرام في البداية"، بهذه الأفكار التي ظلت تراودها لم تُعر للأمر أهمية "كنت عايشة وخلاص ومش لاقية نفسي".

في أحد الأيام شعرت أخت "لمياء" بالأعباء التي تثقل كاهل أختها فأخبرتها أن تأخذ طفلتها ذات الشهور الستة؛ لتقضي معها يوما بليلة لتغير من أجواء منزلها قليلًا هي وزوجها، فاستعدا جيدًا وهيئا المنزل ليلائم الطفلة ويلبيا كافة احتياجاتها البسيطة، ليكون هذا اليوم هو الفارق والفاصل النهائي في حياتهم "يوم فرق في حياتنا، كأن ربنا بعتهالنا وسخرلنا الدنيا عشان نرجع نفكر تاني في في موضوع الكفالة".

منذ هذا اليوم بدأت "لمياء" وزوجها في البحث والدراسة حول موضوع الكفالة، من حيث الإجراءات المطلوبة والسؤال عن الحلال والحرام الذي يتعلق به، والذي أنهاها "الإرضاع"أي أن تقوم الأم بإرضاع الطفل حيث لا يكون هناك سببًا أن تكون الفتاة غير محللة لوالدها والفتى غير محلل للأم مستقبلًا.

بعد كثير من البحث، حانت اللحظة لتجهيز الأوراق المطلوبة "سبحان الله الورق خلص في ثلاث أيام فقط"، وقبل تقديم الورق بدأت في الذهاب إلى طبيبة رضاعة لتبدأ في كورس الرضاعة كخطوة أولى، أما الخطوة الثانية فكانت إخبار الأهل والاصدقاء أنهم قرروا كفالة طفل، تنوعت الآراء بينهم منهم من تقبل بترحيب ومنهم من استغرب "هو في حاجة اسمها احتضان في مصر؟"، لكن طالما أنا وزوجي مقتنعين مش كان فارق معانا كلام الناس.

حانت اللحظة الحاسمة بتقديم أوراقهم إلى الجهات المختصة للبدء في احتضان طفلهم، "كان التوتر هو السائد بيننا ولم نكن نعرف كيف ستتم الأمور، وفي انتظار قرار اللجنة المختصة، "كنا قد قررنا أن نتبنى بنت وسمعت دائمًا أن الطفل هو من يختارنا وأننا سنشعر أنه الطفل المناسب من أول نظرة، لكن لم نشعر بأي شيء وكان الموضوع غريب عند زيارتنا الأولى للدار، هل هناك شعاع هيطلع مني للبيبي وذهبنا لزيارة الدار مرة أخرى".

طفلة ذات شهر ونصف رغم أن جسدها الهزيل يوحي أن عمرها يومين فقط، لم تبتسم، لم تبد أي إشارات بوجهها الطفولي كعادة الأطفال في هذا العمر بل كانت نظراتها تنطلق في الفراغ غير موحية بأي شكل لكن "كل اللي عملته فضلت ماسكة في صباعي ومش عايزة تسيبه كانت هذه هي ليلى".

تبلغ "ليلى" الآن من العمر عامين وأربعة أشهر في حضن والدتها بعد أن تسلمتها وهي ذات 3 أشهر و3 أيام فقط، لتتحول حياة "لمياء" وزوجها إلى حياة أخرى تمامًا "أصبحت فاكهة العائلة"، بدأ التفكير في كيف نربيها ونعلمها القيم المهمة ونؤمن لها حياتها ونحفظها القرآن ونفكر في الحضانة التي ستدخلها والمدرسة بعد ذلك.

وتابعت "لمياء": "الاحتضان قوة لابد أن تتعلمي كيف تواجهي ابنتك أو ابنك وكذلك مواجهة المجتمع وتخليه يحترمه ويقدره ولا يتعرض لأي إهانة سواء بالكلمة أو النظرة أنه طفل محتضن، ودائمًا عندما اشجع الأمهات اللواتي قررن الاحتضان يكون كلامي لهن "اللي مش هيكون فخور ويقول للدنيا كلها أنه محتضن مايحتضنش لأن له تأثير سلبي عليه وعلى الطفل، في حين أن اطفالنا يحتاجون إلى قوتنا".

- كفالة "حور" تضيء حياة زوجين بعد أعوام من الحقن المجهري

"رسالة إلى ابنتي حور، في انتظار قراءتك لكل حرف أكتبه عنك كي تعرفي كم أنا فخورة بك، زرعك الله بقلبي وليس في رحمي، ولابد أن تعلمي أن رب العالمين ميزني كي تكوني أنتي دون غيرك ابنتي، أرجو الله أن تكوني على قيد الحياة عند قراءتك لهذه الكلمات كي تعلمي قدر الحب والحياة التي استطعت توفيرها كي تناسب ملاك مثلك، وختامًا يا عزيزتي فأنا محظوظة كونك ابنتي وليس بكوني أمًا لك فقط".

كلمات بسيطة سطرتها "أمنية مصطفى"، 29 عامًا"، لتظل محفورة بحبرها الأسود أعواما وأعواما في انتظار طفلتها لتعي كم الحب والحنان الذي منحته لها والدتها ووالدها، بعد أن قررا أن يكفلاها وهي طفلة رضيعة ذات ثلاثة أشهر فقط، "وهبها الله لي بعد طول انتظار وصبر على السراء والضراء" منذ ثلاثة أعوام.

تختلف القصة عن معظم قصص الكفالة، فزوجها المهندس "تامر السيد"، 36 عاما، كان هو صاحب الفكرة في قرار احتضان طفل، فبعد محاولات عديدة للإنجاب وفشلها بعد عامين من زواجها، اقترح زوجها أنه بدلًا من دفع هذه التكاليف الباهظة في إجراءات الحقن المجهري والتيفي الأغلب نتيجتها غير مضمونة، واستهلاك الحالة الجسدية والنفسية خلال هذا المشوار الشاق، وجدته يخبرها "إيه رأيك نكفل طفل أو طفلة وفلوسنا اللي هنصرفها على العمليات والأدوية وشيء مجهول، يكون أفيد في إنفاقه على كفالة طفل يعيش في منزلنا".

تحكي "أمنية":"قرار الاحتضان دائما يكون صعب من ناحية الزوج الذي يمثل العقبة الأكبر في اقناعه ومن بعده يأتي إقناع الأسرة، ولكن عندما حدث العكس مع زوجي تحمست للفكرة، وبدأنا في السؤال عن الاجراءات المطلوبة وكافة ما نحتاج إليه من أجل احتضان طفلتنا".

كان قرار "أمنية" وزوجها لا رجعة فيه بعد أحلام وطموحات رسماها لطفلتهم القادمة، ورغم التعليقات التي تلقوها "قالولنا التبني حرام وإزاي هتعيش وسطكم"، الا أن استعدادهما ودراستهما الكاملة أنهت كافة التساؤلات بإجابات وافية، بداية أن الطفلة لن تأخذ اسم الزوج كاملًا وإنما اسمه ولقبه فقط ويظل اسم عائلتها كما هو، كما أن دورها كأم بإرضاع الطفلة 5 رضعات مشبعة تامة تجعلها طفلتها بالرضاعة وتحرم على الزوج، "وبكدا حور بنتي شرعًا وقلبًا وكل حاجة".

"هو أنا أطول أفضل طول العمر أتهنى بقيت بـ "حور" جنب الرسول في الجنة"، كانت هذه هي كلمات الأغنية التي ألقاها "تامر" في الحفل الضخم الذي نظمته "أمنية" احتفالًا باستقبال طفلتهما "حور".

- "يُمنى" تؤسس مبادرة الاحتضان: حلمي دور رعاية خالية من أي رضيع

تزوجت "يُمنى دحروج" منذ 11 عاما، ولم تجد هي ولا زوجها أي عقبة أو مشاكل تمنعهم من الإنجاب، إلا أنها استمرت في حياتها وكان العمل هو رفيقها الآمن في الحياة، وفي عام 2015 بدر على مسامعها كفالة الأطفال ولكن نظرًا لأن حياتها وعملها كان في السعودية في هذا الوقت ولم تك تعلم كافة الإجراءات المطلوبة أو ما تحتاج إليه وما يحفزها لتخطو تجاه هذه الخطوة.

في عام 2018، عادت "يُمنى" إلى وطنها بشكل نهائي، وهنا قررت هي وزوجها في الاحتضان والكفالة بشكل رسمي والانتهاء من كافة الإجراءات المطلوبة، وفي ديسمبر من نفس العام، لمست يداها كف طفلتها "ليلى" لأول مرة في منزلهم لتبدأ معها قصة الطفولة والأمومة المرتقبة.

تحكي "يُمنى": "ليلى النور اللي نور حياتي، حلم حلمته من سنين، أنا وزوجي ليس عندنا أي موانع تمنع الإنجاب، وكنت دائمًا بسأل ربنا ليه التأخير أكيد يارب في حكمة، لكن بعد ما بنتي أصبحت في حضني، عرفت ليه عشان كل ليلى زيها تبقى في بيتها وفي حضن أهلها وعشان نقدر نوصل فكرة الاحتضان في مصر اللي بالنسبة لي حلم وهدف بحلم بيه من أكتر من سنة ونص".

تعمل "يُمنى" في وظيفة "لايف كوتش" وتعافي بعد الأزمات واستشاري علاقات زوجية، وعند سؤالها الدائم بكيفية كفالتها لطفلتها خاصة وأن الأمر لم يكن منتشرًا بصورة كبيرة، والتوضيح الكافي للمعلومات والإجراءات المطلوبة، قررت أن تؤسس مبادرة "الاحتضان في مصر" على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وبدأت في نشر المعلومات المتعلقة بالاحتضان والإجابة عن كافة الاستفسارات.

و تحلم "يُمنى" أن تصبح مبادرتها داعمة لكل أسرة كافلة ولكل طفل، وأن تغير المجتمع وفكره، بأن الطفل الذي يتم العثور عليه ليس من حقه أن يعيش مثله مثلنا، وكذلك أن الكفالة ليست مثلما تربينا على مفهومها أن مجرد أموال ندفعها كل شهر لدور الأيتام، وإنما الكفالة هي مادية ونفسية وروحيًا "بتخلقي للطفل حياة وبتوجدي له أعمام وأخوال وأصحاب في المدرسة".

الهدف الأسمى الذي تسعى إليه " يمنى" هخو دور رعاية خالية من أي طفل رضيع من خلال مبادرتها، وشعارها "من الممكن أن تنجب ومن أصعب الأشياء أن تهب الحياة لطفل، مش مهم يكون من صلبك المهم يكون من قلبك".

وتوجد فتوى سابقة لدار الإفتاء المصرية أوضحت فيها الفرق بين الكفالة والتبني الذي يحرم شرعًا، في حين حث الاسلام على كفالة اليتيم ولا يُنسب إلى الكافل وإنما يُنسب إلى أبيه إن كان له أب معروف، إن جُهل أبوه دُعِيَ "مَولًى" أو "أخًا في الدِّين"، وبذلك مَنَعَ الناسَ مِن تغيير الحقائق، وصَانَ حقوقَ الورثة مِن الضياع أو الانتِقاص، وضبط الشرع الكفالة بضوابط شرعية تدور في مُجملها بين مُراعاة الأحكام في تحريم الخلوة بالأجنبي، وتوفير الجو الأسري الذي يُؤمن فيه على دين المكفول ودنياه.

والأصل أن المكفول أجنبيٌّ عن كافله وزوجه وأصولهما وفروعهما، وهو أجنبيٌّ أيضًا عن المكفول الآخر معه؛ ذكرًا كان أم أنثى، ومن ثَمَّ فإن أحكام المحرمية التي بين المحارم لا تجري هنا إلا إذا رضع المكفول، رضاعًا محرِّمًا، في سن الرضاع، ممن يثبت برضاعه منه علاقةُ المحرمية بين الكافلين؛ كزوجة الكافل أو أمها أو بنتها.