رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

365 Days.. رهينة السعادة


في عام 1973شهدت العاصمة السويدية ستوكهولم حادثة فريدة صارت فيما بعد علامة في الطب النفسي، عندما قامت عصابة بالسطو على أحد البنوك، واحتجزوا الموظفين والعملاء كرهائن لستة أيام، دارت خلالها الكثير من الأحاديث بين الخاطفين والضحايا المحتجزين، حتى أنهم تحولوا إلى أصدقاء، وتعاطفوا مع الخاطفين ضد الحكومة السويدية؛ ما أُطلق عليه فيما بعد "متلازمة ستوكهولم"، والتي صارت مصطلحًا يعني تعاطف الضحية مع المجرم، والرهينة مع الخاطف.
للوهلة الأولى يبدو أن هذا ما حدث في الفيلم البولندي 365 Days، وهو واحد من أحدث إصدارات شبكة نتفلكس الأمريكية، والذي فور صدوره واجه العديد من الاتهامات بسبب الكثير من مشاهده الجنسية الساخنة، والعُري الذي رآه البعض مُبالغًا فيه؛ لكن المشاهد من زاوية أكثر عمقًا سوف يتجاوز تلك المتلازمة الخادعة في الفيلم سريعًا، فالبطلة هنا وجدت كل ما تبحث عنه.
يدور الفيلم حول آن لاورا /آنا مارياسيكلوكا،المرأة فائقة الجمال والتي تعمل مسئولة في إحدى الشركات الكبرى، حيث تواجه أوقاتًا عصيبة أثناء تأدية عملها؛في الوقت نفسه هى عالقة في زواج بارد، بل ومؤذ كذلك، لما تواجه من خلاله تفاهة وحماقة زوجها. تبدأ الأحداث بمعرفة أن لاورا تُعاني من الحرمان الجنسي، عندما يرفض زوجها ممارسة الجنس معها لانشغاله في متابعة أحدث الألعاب الإلكترونية، ولاستعدادهما للسفر في الصباح التالي مُبكرًا لقضاء إجازة عيد ميلادها. هنا يتم اختطافها من قبل زعيم عصابة صقلي هو مسيمو/ميشيل مورون الذي يعرفها من قبل، حيث تعلق بوجهها بالصدفة في أثناء تبادل لإطلاق النار ومصرع والده وإصابته، حتى ظن أنه بين الحياة والموت.
على النقيض من زوجها فإن مسيمو رجل جذاب وقوي، وأفصح عن حبه للاورا، وفي الوقت نفسه التزم بعدم الاقتراب منها أو لمسها إلا في حال أن تسمح له هى بذلك خلال فرصة تبلغ عامًا كاملًا،آملًا أنها خلال هذه المدة قد تقع في حبه، ووقتها يستطيع الاقتراب. منذ بداية سكنها في قصره الشاهق انبهرت المرأة الجميلة بثراء رجل العصابات الصقلي وإحاطته لها بالاهتمام الذي لم تعرفه مع زوجها، وكانت تشعر أن الحب آت رغم الإكراه الظاهر في إجبارها على البقاء مع قاتل وزعيم عصابة.
يأتي الاعتراض على مشاهد الفيلم الساخنة، والتي هي في الوقت نفسه غير مبتذلة، بل بدت مُفعمة بالحيوية والحب الذي يُمكنك كمشاهد أن تشعر به من خلال نظرات الوله البادية في عيني زعيم العصابة القاسِ الذي تحول إلى ملاك عاشق أمام من يحب، بالإضافة إلى مصاحبة المشاهد للموسيقى والأغاني التي كُتبت خصيصًا للفيلم، فضلًا عن المناظر الطبيعية البكر التي تم تصويرها باستخدام الكاميرات الطائرة في لقطات شاسعة تبدو فيها الطبيعة مثل الحلم؛ إذ استخدم المخرجان باربارا بايولواس وتوماس مانديز أسلوب الإبهار في نقل الصورة وتنوع الرؤية وأحجام الكادرات، مما زاد من جماليات التصوير.
في الحقيقة تُخالف لاورا إحدىالفرضياتالشهيرة التيتفسرسلوك ضحايا مُتلازمة ستوكهولم، والتيتفترضأنالارتباطبالمجرم هواستجابةالفردللصدمةوتحولهلضحية،وأن التضامنمعالمعتديهوإحدىالطرقللدفاععنالذات؛ بل على العكس، وجدت لاورا السعادة والحب مع خاطفها، ولم تكن مثل من عانوا الذل والإكراه والاغتصاب من خاطفيهم مثلما حدث للأمريكية باتي هيريست التي تم اختطافها في فترة مراهقتها في السبعينيات، أو ماري ماكلوري المضطربة نفسيًا التي انتحرت بعد إلقاء القبض على مختطفيها حزنًا عليهم. هنا لم تتحد لاورا مع خاطفها لاعتراضها على سياسة الحكومة والنظم القمعية، لكنها تماهت مع الرجل الذي لم تواجه منه أيًا من صور العنف أو الإذلال،بل شهدت أيامها الـ 365 كرهينة سعادة لم تعرفها من قبل خلال حريتها.ربما هذا يدفع للتساؤل عن كم الضحايا المُتعايشين مع خاطفيهم في الحياة اليومية، لكن دون الراحة والمتعة اللتان وجدتهما هذه المرأة.