رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصحراء.. خبراء يطرحون حلولًا لأزمة هدم المباني التراثية القديمة

هدم المباني التراثية
هدم المباني التراثية

رؤية مستقبلية انتهجتها الدولة منذ عدة سنوات بالبناء في المدن الجديدة وتعمير الصحراء، إلا أن البعض فضل الهدم والبناء في نفس المنطقة السكنية التي يقطن بها، ما تسبب في ضغط على المرافق وشبكات الطرق، لتصبح مصر مطالبة بحل هذه المشاكل الجديدة التي لم تك في الحسبان.

فالأحياء التي تم تصميمها لاستيعاب مبان ذات أدوار محددة وفيلات قديمة، تم هدمهم لبناء عمارات ذات ارتفاعات شاهقة، ما زاد من الكثافة السكانية في هذه المناطق وزادت معها الشكاوى من سوء حالة المرافق.

ومن هذا المنطلق، أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أنه سيتم إعداد مخطط تفصيلي للمناطق القائمة بالمدن القديمة وعواصم المحافظات ذات الكثافات السكانية العالية، للإيقاف التام لمدة 6 أشهر لكل أعمال البناء من عمارات سكنية فقط وليس مباني خدمات مثل المستشفيات، لعلاج هذه الأزمة.

«الدستور» استطلعت رأي عدد من الخبراء حول أزمة هدم المباني القديمة ذات التصميمات المميزة لبناء أبراج سكانية، وما صاحب هذا البناء الجديد من مشاكل، والحل البديل الآن أمام أصحاب العقارات.

مستشار وزير التنمية المحلية السابق: حان الوقت للحفاظ على الثروة المعمارية التي تملكها مصر

أوضح المستشار صبري الجندي، مستشار وزير التنمية المحلية السابق، أن هذا القرار يحاول الحفاظ على الثروة المعمارية التي تملكها مصر، خاصة أنه تم التفريط في عدد كبير من الفلل والقصور في غفلة من الزمن، وأقيمت بدلًا منها عمارات ضخمة تسببت في مشكلة على المرافق من صرف صحي وكهرباء ومياه شرب، بعد أن تكدست هذه المناطق بالزيادة السكانية، ولذلك الحفاظ على مناطق أمرًا أصبح لابد منه.

وأضاف أن هناك عدة أحياء وصلت بها الكثافة السكانية إلى درجة مرتفعة لا تسمح بالبناء فيها نهائي، خاصة الأماكن التي تم تصميمها لتكون فلل ذات طابع خاص أثري ومعماري وبهذا نخسر ثروة معمارية ذات قيمة مرتفعة.

وطرح الجندي عدة أمثلة عن المدن التي كانت تذخر بقيمة معمارية وتراثية، ففي الاسكندرية في مناطق جليم واسبورتك وكليوباترا حتى المنتزة كانت تمثل مناطق راقية ومعظمها مؤسسة من الفلل تحولت إلى كتل خرسانية من العقارات ذات الادوار العالية، وكذلك مدن مثل طنطا والمحلة والمنصورة كان هناك قصور ذات قيمة عالية وخاصة المطلة على نهر النيل تم هدمها، وأقيم بدل منها عمارات شوهت المنظر وحجبت الرؤية وأفقدتنا القيمة الحضارية لهذه الفيلات والقصور.

وتابع: أن هذا القرار من شأنه إيقاف هدر الثروة العقارية في مصر وإعادة ترتيب الأولويات في المباني، «فهل نريد إنشاء مدن عشوائية أم مدينة ذات نسق معماري حضاري يعطي راحة بصرية للعين ونسق جمالي؟، إلى جانب مراجعة الإجراءات الإدارية التي تتخذها الأحياء والمدن في عملية الترخيص للبناء، وكيفية السماح بالهدم ومنع تفشي الفساد الذي يضرب الإدارات المحلية التي سمحت بهذه المخالفات».

وأضاف الجندي أن المرحلة المقبلة ستكون عكس السائد في مصر أن يكون الطلب على المباني في الأماكن المكدسة بالسكان بالفعل، والاتجاه سيكون للصحراء، موضحًا أنه عندما نجحت تجربة المدن الجديدة ومنها العاصمة الادارية وغيرها؛ شجعت الكثيرين على التوجه خارج المدن المعتادة للهرب من الزحمة والضوضاء إلى المدن الجديدة بالصحراء، ويصبح هذا التوجه اضطرارا لمن يرغب في البناء أنه حال رغبته في البناء لن يجد متسعا أمامه داخل المدينة القديمة والمتاح خارج المدينة فقط.

وأشار إلى أن هذا القرار يساهم في عدم البناء على الأراضي الزراعية أو ذات التأثير على الإنتاج القومي في المزروعات، لكن ما يجب أن يرتكز عليه هو الاستمرارية وليس مجرد هوجة لفترة ثم تعود الأزمة من جديد، ولابد أن يطبق القانون على كافة المخالفين دون تمييز بمسئول سابق أو مواطن عادي.

خبير تخطيط عمراني: هدم الفلل والعقارات ذات الأدوار المحددة وبناء غيرها «بناء مدينة فوق مدينة»

وقال الدكتور محمد جبر خبير التخطيط العمراني، إن جمهورية مصر العربية تزخم بالكثير من المناطق ذات القيمة المعمارية والعمرانية التراثية والتاريخية، واتجاه الدولة لوضع رؤية محددة للحفاظ على هذه القيم المعمارية والترسيخ لهذه القيمة، له مردود في كافة الأسس سواء ما يتعلق بالسياحة وصورة العمران والبلد في مجملها.

وطرح جبر مثالًا أن منطقة مثل مصر الجديدة لم تُبن لتكون ذات ابراج شاهقة الارتفاع وإنما لتصبح ذات نسق معماري معين وهو ما اختفى وحل محله آخر خلال عقود ماضية، وكذلك منطقة مثل مدينة نصر التي كان تصميمها على أساس مبان أرضية و5 أدوار فقط والآن أصبحت مباني لا تقل أدوارها عن 14 أو 15 دور.

وأوضح أن المرافق تكون في التصميم أو التخطيط المبدأي لأي مدينة جديدة تكون متفقة مع طبيعة العدد السكاني والكثافة السكانية التي تم طرحها في هذا المخططات الموضوعة، لذلك هدم القديم المخصص له مرافق بشكل معين وبناء غيره فهو "بناء مدينة فوق المدينة"، وعلى المستوى البعيد تتضرر هذه المرافق وتحدث اختناقات الطرق مع زيادة الكثافة السكانية التي تطغى على المكان في تصور مسبوق غير الموجود في التخطيط المبدأي.

وتابع: أن هذا كله يضع الدولة أمام مشكلة كبيرة في محاولة معالجة هذه المشاكل التي ظهرت، إما بتوسيع الطرق ووضع تصور جديد بفتح شرايين جديدة للمدينة أو تظل مكتوفة الايدي، فالحركة البطيئة ينتج عنها جهد بطيء، والزيادة السكانية وضيق شبكات الطرق كان يتسبب في عدد من المشاكل من إهدار ساعات العمل ما ينعكس على المردود الانتاجي لذلك كان هذا القرار هو الحل الصحيح، فكل مدينة لها هوية تتسق مع طبيعة الطلبات البينية لها.

رئيس لجنة الإسكان السابق: حان الوقت لإيقاف النزيف البنائي في القاهرة العظيمة

وأوضح المهندس علاء والي، رئيس لجنة الاسكان السابق بمجلس النواب، أنه منذ عامين طالبت لجنة الإسكان بهذ القرار، لأن القاهرة العظيمة وضواحيها التي كانت من أجمل مدن العالم تم تشويهها نظرًا للانفلات الحادث الفترة الماضية من مخالفات في البناء وهدم لتراثها المعماري الحضاري، لذلك فهذا القرار تصويب لما فات وإيقاف النزيف البنائي الذي كان يحدث.

وأضاف: أن التكدس السكاني شوه المدينة وأزال الكثير من آثارها المعماري، وطرح مثال أن الأهرامات التي كان يتم رؤيتها من بداية شارع الهرم اختفت تماما عن الرؤية.

وأكد أن الحجة المعتادة بصعوبة التنقل من المدن الجديدة خارج القاهرة أصبح ليس لها قيمة أمام الطفرة التي حدثت في شبكات الطرق والنقل والمواصلات والمحاور الجديدة التي تم بناؤها، لتصبح هذه المدن الجديدة البديل الأساسي للبناء، "فهل يعقل أن تظل الزيادة في نفس الرقعة السكنية؟".