رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمال عاشور يكتب: «تجربتي مع كورونا».. أيام الحب والرعب (3- 4)

جمال عاشور
جمال عاشور


حقيقي أن الحظر لا يمنع قدر، وإن ما قدر لك أن يكون عجزت أعتى الأنظمة الصحية في العالم أمامه، وفي يوم وليلة أصبحت واحدًا من بين ما كنت أواسيهم في مصابهم، وأدعمهم في معركتهم مع العدو الخفي، وعلى غفلة أصابني، رغم حرصي الشديد واستعدادي لمواجهته حتى الخروج من المعركة التي تهدد كافة البشرية، لكن في لحظة ما انحدرت الدفة، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أرى لون الحياة الوردي مجرد لوحة سوداء خطوطها مرسومة بالحزن والألم والدموع.

ذكرنا في الحلقة الثانية من "تجربتي مع كورونا".. أيام الحب والرعب، إنني وصلت إلى مرحلة ضيق التنفس، وظل الأصدقاء يبحثون عن جهاز "نيوبليرز" الذي أرشدتني الدكتور فاطمة إبراهيم المتابعة لحالتي باستخدامه وذلك يوم الثلاثاء 2 يونيو، وأنا أعيش حالة من الآلام أوصلتني إلى درجة انتظار الموت.
- الأربعاء 3 يونيو

واصلت التعايش مع الآلام ومقاومة ضيق التنفس، باستنشاق بخار القرنفل، إلى أن وصلني جهاز نيوبليزر، وتناول العقاقير، وكانت الدكتورة قد شرحت لي طريق الاستخدام، وهي كالتالي: وضع 3 سم محلول ملح، إلى جانب أنبول أتروفنت، وتوصيل الجهاز بالكهرباء، وارتداء القناع الخاص به، بوضع على منطقة الأنف لاستنشاق البخار الناتج عنه، وكانت الجلسة تستغرق من 15 إلى 20 دقيقة، وكانت تصل جلسات البخار في اليوم الواحد من أربعة إلى خمسة جلسات يوميًا، بمعدل جلسة كل 6 ساعات، واستمريت في ذلك لمدة 5 أيام تالية، وكنت في كل مرة أشعر بتحسن في التنفس، حتى تم تقليل الجرعات إلى جلستين ثم جلسة واحدة في الأيام الأخيرة وكان ذلك بعد مرور أكثر من عشرة أيام منذ الإصابة وبعد ظهور تحسن كبير في حالتي واختفاء بعض الأعراض المصاحبة للفيروس، خصوصًا درجة الحرارة، وضيق التنفس، والإسهال، والصداع.

- الخميس 4 يونيو إلى الأربعاء 10 يونيو

انتظمت في تناول العقاقير، وجلسات البخار، وتنفيذ إرشادات الطبيبة، والتواصل معها سريعًا إذا كانت هناك أي طوارئ، على الرغم من أنها كانت تحرص على التواصل معي بنفسها دون أن ألجا إليها، وكنت عندما أتصل بها تستجيب فورًا رغم أني أدرك أنني لست الحالة الوحيدة التي تقوم بمتابعتها وكانت تتعامل معي وكأنني تحت رعايتها المباشرة، وأعتقد أنها تفعل ذلك مع كل الحالات التي تتابعها تطوعيًا كحالتي، وكنت قد عرضت المتابعة بمقابل لكنها رفضت ذلك قطعيًا.
وخلال العشرة أيام الأولى لم أخطر أي أحد من أسرتي بالإصابة حتى لا أتسبب في ذعرهم، أو قلقهم، ولا أحملهم مشقة السفر من محافظة المنيا إلى القاهرة، للجلوس معي ومراعاتي وذلك خوفًا عليهم جميعا من العدوة أو الإصابة، سواء مني أو من غيري في وسائل المواصلات، كما رفضت حضور أيا من أصدقائي إلى شقتي بالمرج، خوفًا عليهم أيضًا، وقمت بمراعاة نفسي بنفسي، وأخفيت الأمر تمامًا عن زوجتي، واستمريت في المتابعة مع الدكتورة فاطمة التي مهما تحدثت عنها لن أوفيها حقها في المجهودات النبيلة التي بذلتها لأجلي، وكذلك الزملاء والأصدقاء الأعزاء الذين أصابهم الذعر بخبر إصابتي بكورونا، وكانوا دائمين التواصل معي، لرفع من روحي المعنوية ودعمي في أن أتحسن بسرعة وهو ما نجحوا فيه جميعًا.خلال تلك الفترة كنت أحرص على تناول البروتين المسلوق بقدر المستطاع لأني كنت فاقد للشهية، والبعض من الخضروات التي تساعد على رفع المناعة إلى جانب الفاكهة، حيث أنني كنت أقوم بتحضير كافة الأكلات بنفسي، والاستغناء عن الأكلات الجاهزة التي كنت أطلبها من المطاعم سابقًا، لكن في الحقيقة في أغلب الأوقات كان يمر اليوم علي دون أن أتناول أي شيء من الأطعمة، باستثناء القليل من الفاكهة، أو الخضروات، وهذا ما كان يصيبني بعدم القدرة على الوقوف على قدمي، وكنت أتحدث في ذلك مع الدكتورة المتابعة لحالتي والتي كانت تغضب مني في بعض الأوقات بسبب قلة تناولي الطعام، فطلبت منها أن أتناول "فاتح شهية"، لكنها رفضت ذلك قائلة أنها لا تفضل ذلك، ومن الممكن أن أمضغ "لبان" فهو يساعد على تناول الطعام، ولكن بقلة شديد حتى لا ينهك فكي.
كما نصحتني الدكتورة بالنوم جيدًا، والابتعاد عن متابعة الأخبار التي تسبب قلق أو توتر، وخاصة أخبار فيروس كورونا أو ارتفاع أعداد المصابين، وأن أكون في حالة نفسية جيدة، لأن هذا بجانب التغذية الجيدة، أكثر من نصف العلاج.

وطوال تلك الفترة كان جاري دائم التواصل معي عبر الهاتف، وكذلك كافة الزملاء والأصدقاء، الذين طلبوا مني باستمرار الحضور إلى الشقة لمساعدتي وتوفير ما ينقصني لكنني كنت أرفض ذلك خوفًا عليهم من الإصابة، حتى الزميل حسين متولي الذي كان مصرًا على الحضور لتجهيز أطمعة لي، والذي تشاجر معي هاتفيًا لمرات عديدة بسبب أنني لم أتناول أي طعام على مدار بعض الأيام، مؤكدًا لي أنني سأموت بسبب ذلك، وهو ما كنت أشعر به بالفعل بأن الموت إقترب مني كثيرًا.