رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمال عاشور يكتب: «تجربتي مع كورونا».. أيام الحب والرعب (1- 4)

جمال عاشور
جمال عاشور

«الحظر» لا يمنع قدر، وما قدر لك أن يكون ستعجز أعتى الأنظمة الصحية في العالم أمامه. في يوم وليلة أصبحت واحدًا ممن كنت أواسيهم في مصابهم، وأدعمهم في معركتهم مع العدو الخفي، وعلى غفلة أصابني، رغم حرصي الشديد واستعدادي لمواجتهه حتى الخروج من المعركة التي تهدد البشرية برمّتها، لكن في لحظة ما انحدرت الدفة، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أرى لون الحياة الوردي مجرد لوحة سوداء خطوطها مرسومة بالحزن والآلام والدموع.

في ليلة ما كانت كل الأمور هادئة وهانئة لكن ما هي إلا لحظات وتحول كل شىء من السكون إلى الحركة ومن الصفاء إلى الصخب والسبب في ذلك الفيروس اللعين "كوفيد- 19".


- البداية.. الجمعة 29 مايو

كنت أمارس نشاطي اليومي العادي، بداية من متابعة عملي من المنزل من خلال اللاب التوب الخاص بي، إلى جانب القراءة، ومشاهدة التلفاز، غير أنني شعرت بحالة همدان وتعب شديد في الجسم يشبه تكسير في العظام، لكن في الحقيقة لم أفكر كثيرًا حول أسباب ذلك الألم، واعتقدت أنه من الممكن أن يكون ألم عادي ناتج عن تغيرات الطقس، أو بسبب استخدام المراوح الكهربائية، فتجاهلت الأمر ولم أشغل بالي به، ومر اليوم دون أي اهتمام أو قلق من أسباب تلك الآلام خاصة وأنها كانت تأتي باستمرار في الشهور السابقة.

وفي مساء ذات اليوم تناولت قرص من "البنادول" كمسكن لتلك الآلام، وذهبت إلى النوم الذي كان مليئًا بالقلق والتوتر حتى الصباح.


- السبت 30 مايو

استيقظت في التاسعة صباحًا، ولاحظت استمرار الآلام، فتجاهلتها خاصة وأني لا أحب المرض، ولا أكترث له، وأتركها على الله، عملًا بقوله سبحانه وتعالى: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَاۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"، وارتديت ملابسي، ووضعت الكمامة، واصطحبت الكحول الخاص بي لتعقيم يدي أثناء نزولي إلى الشارع، أو استقلالي المواصلات، وقررت الذهاب إلى مقر الجريدة في شارع مصدق بالدقي وقضيت هناك عدة ساعات، مع وجود تلك الآلام، وكان قد ظهر ألم جديد في الحلق يشبه الاحتقان، وعدت في نهاية اليوم للمنزل، مع وجود سعال خفيف زاد تدريجيا فيما بعد، وفي ذلك الوقت بحثت عن شراب دواء أوبلكس الذي كان يوجد في الثلاجة، وتناولت منه ملعقة ليهدئ من السعال، حتى أستطيع أن أخلد إلى النوم.

- الأحد 31 مايو

بدأ حالتي تسوء، وزادت حدة الأعراض، مع ظهور أعراض جديدة كالإسهال، وألم في منطقة الصدر ناتج عن شدة السعال، وصداع، وجفاف في الحلق، ورغم هذه الأعراض لم ينتبني شعور أنني مصاب بفيروس كورونا، واتجهت إلى تناول المشروبات الساخنة، مثل الجنزبيل والقرفة، والليمون، والقرنفل وغيرها، كإجراء احتياطي لتهدئة ألم الصدر، وقضيت ذلك اليوم وسط قلق وخوف، من أسباب ظهور تلك الأعراض التي تشبه أعراض فيروس كورونا، ولكن كنت أتجاهل الأمر بمتابعة العمل، تعمدت أن أشغل تفكيري بالقراءة، والتحدث مع الأصدقاء عبر الهاتف، حتى لا أصاب بأي ذعر من الألم.

- الإثنين 1 يونيو

استمرت الأعراض لكن الآلام زادت بشدة، هنا انتابني شكوك إنني مصاب بفيروس كورونا، ووقعت أسيرًا لمخاوف وصلت إلى درجة الذعر خصوصًا أنني في تلك الفترة كنت أعيش بمفردي لأن زوجتي كانت في زيارة لأهلها، فبدأت الكثير من الهواجس والخوف من الموت بمفردي داخل تلك الشقة، دون علم أحد، فضلًا عن عجزي في تلك اللحظة عن إبلاغ أحد من أهلي بمن فيهم زوجتي، وذلك خوفًا عليهم من العدوى في حالة إذا أتى أحدهم إلي.

اتخذت كافة الاحتياطات اللازمة لعدم نقلي العدوى إلى أحد من الجيران، أو المواطنين في الشارع، وقمت بارتداء الكمامة، وقناع، ونزلت إلى الشارع لشراء بعض المستلزمات الخاصة من أطعمة وخضروات وفاكهة، ومشروبات عشبية، وأدوية، لتكون في الشقة حالة تأكدي من الإصابة بالفيروس واتخاذ قرار العزلة.

وأثناء بحثي عن الأدوية الواردة في بروتوكول وزارة الصحة المخصص لعلاج المصابين بفيروس كورونا، لم أجدها في معظم الصيدليات في المنطقة التي أعيش فيها "المرج"، وبينما استكمل رحلة بحثي عن العقاقير هزني موقف حدث معي عندما تعمدت أن أقف خارج باب إحدى الصيدليات، وتحدث مع فتاة تقف في الداخل عن العقاقير أرغب في شرائها، ظهر عليها الفزع وتراجعت إلى الخلف وهي تسألني: "إنت محتاج الأدوية دي ليه؟، فقلت لها في هدوء حتى لا يصيبها أي قلق مفيش حاجة أنا محتاجهم بس احتياطي عشان يكونوا متواجدين عندي في المنزل تحسبًا لأي أمر، فأحضرت ما يوجد بالصيدلية من عقاقير متوافرة"، وعدت إلى المنزل مع حرصي الشديد على عدم مخالطة أي شخص، ووصل حرصي إلى عدم ملامسة أي شيء سواء أبواب العمارة، أو أي شيء، إلى أن دخلت شقتي، مع اتخاذي قرارًا بعزل نفسي رغم عدم تأكدي من الإصابة.

وفي مساء ذات اليوم، اتصلت مع الزميل أيمن عبد المجيد مسؤول مشروع العلاج في نقابة الصحفيين، عبر الهاتف لم يرد، لكنني بمجرد أن تركت له رسالة عبر الواتس أب استجاب، وطلب مني شرح الأعراض كاملة لعرضها على طبيب، وبعدها بدقائق أكد لي بأنه اشتباه، وطلب مني التواصل مع عبد الرحمن عضو لجنة الطوارىء التي شكلها مجلس النقابة للمتابعة مع الزملاء في تلك الجائحة، للحصول على استمارة إجراء إشاعة مقطعية على الصدر، وبالفعل اتصلت مع عبد الرحمن عبر الهاتف لكنه لم يرد، وعندما لم أجد رد في تلك اللحظة كان الألم يأكلني.

فلجأت إلى الزميل وليد صلاح مسؤول ملف نقابة الصحفيين، وأخطرته بحالتي، فاستجاب سريعًا وتواصل مع لجنة الطوارىء في النقابة وانتظرت رده، بينما أعاني ألمًا شديدًا في الصدر، مع زيادة في السعال الحاد جاف، استمر معي طوال الليل وأنا أتقلب وسكاكين تقطع في صدري.