رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمال عاشور يكتب: «تجربتي مع كورونا».. أيام الحب والرعب (2- 4)

جمال عاشور
جمال عاشور


ذكرنا في الحلقة الأولى من "تجربتي مع كورونا".. "أيام الحب والرعب"، أنني شعرت بأعراض فيروس كورونا في 29 من مايو الماضي، ولكنني تجاهلت الأمر في البداية إلى أن زادت معي الأعراض، وانتابني الشكوك، والخوف والهواجس من أنه فيروس كورونا حتى تأكدت من ذلك مساء يوم الإثنين الذي وصلنا إليه في الحلقة السابقة.

يوم الثلاثاء 2 يونيو
اتصل بي الزميل وليد صلاح، ليتأكد ما إذا كانت النقابة قد أرسلت لي استمارة إجراء الأشعة من عدمه، وعندما بعدم وصولها إنفعل، وأغلق الهاتف معي، وبعدها بنصف ساعة أرسل لي عبر "ماسنجر" الاستمارة مع استمرار الآلام والهواجس المخيفة، ولسوء حظي أنني لم أجد في منطقة المرج أي مراكز إشاعة متعاقدة مع النقابة، فقرر إجراء الإشاعة على حسابي الشخصي، وذهبت إلى أحد المراكز الخاصة في المرج، فوجدت المكان مكدس بالمرضى الذين توافدوا عليه لإجراء الأشعة.

وقال لي أحد الموظفين بالمركز: "لو عاوز تعمل أشعة لازم تحجز قبلها بيوم على الأقل"، فقررت العودة إلى المنزل وعزل نفسي بشكل تام، ومع كل الهواجس التي أحملها والآلام، بدأت أفكر في كيفية معالجة حالتي دون إخطار أحد، فقط تواصل مع جاري عبر الهاتف وشرحت له بهدوء وضعي واتفقنا على التالي: تعقيم مدخل العمارة، درابزين السلم، وكل شىء من الممكن أن أكون لمسته دون قصد، وذلك مع حرصه على عدم إخطار أحد من الجيران لعدم إثارة الذعر، وتجاوب معي بشكل جيد ودعمني وكان على تواصل دائم معي على مدار فترة إصابتي، وكان كل يوم يتواصل معي على مدار اليوم للإطمنان، والدعم المعنوي، وإحضار أي شيء أطلبه منه.

وبعد أن فشل جاري في إقناعي بالتواصل مع أهلي لاخطارهم بالإصابة قالي لي: " أنا هعرف إنك موت أو فقدت للوعي لو اتصلت بك عدة مرات متتالين ولم ترد علي، ساعتها سأبلغ الشرطة، للمجيىء لكسر باب الشقة".

وفي ذات اليوم، كان مجموعة من الزملاء الذين يتواصلوا معي باستمرار قد علموا بحالتي ومن بينهم الزميل أحمد المريخي، والزميل حسين متولي، والزميل أحمد صبري، رئيس تحرير صدى البلد، وعشرات الزملاء، وكانوا دائمين التواصل معي بشكل يومي على مدار فترة الإصابة، وأحضر لي البعض منهم العقاقير التي لم أجدها في صيدليات المرج.
وفي ذات اليوم، فاقت حدة الآلم مجموعة الآلام في الأيام التي سبقته، رغم تناولي العقاقير الطبية التي لم أشعر بجدوها، بل شعرت في مساء الثلاثاء، بأنني أعيش لحظات ما قبل الموت خاصة مع ظهور أعراض جديدة تتمثل في ضيق شديد في التنفس، وارتفاع في درجة الحرارة تخطى الـ 38 درجة في البداية وزاد فيما بعد، في تلك اللحظة تذكرت الزميلة تريزة شنودة، لأنني كنت أعرف أنها تمر بأزمة مماثلة، فتواصلت معها عبر الهاتف فطمأنتني كثيرًا، قالت لي: أن حالتها مستقرة، وأنها لم تصل إلى عرض ضيق التنفس، وأرشدتني إلى الدكتورة فاطمة إبراهيم طبيبة في مستشفى العزل بالعجوزة، ومنحتني رقم الهاتف الخاصة بها، رغم أنها لم تكن قد تواصلت معها بعد.

ولم أكذب خبرًا، فقد كنت غير قادر على التنفس بشكل نهائي، وغير قادر على التحرك، وحال قيامي من السرير أشعر بدوخة شديد وعدم التوازن فكنت أعود مرة ثانية للسرير، وكانت الساعة تقترب من منتصف الليل عندما طلبت الدكتورة فاطمة إبراهيم، التي ردت على هاتفها منذ أول رنة، واستعلمت مني عن الأعراض وشرحت لها ما مريت به طيلة الأيام الماضية وحالتي في الحال، وإني لم أتمكن من الذهاب لإجراء أشعة مقطعية، أو مسحة خاصة بالفيروس، خوفًا من الذهاب إلى المستشفيات، فأكدت لي الدكتورة إنها أعراض فيروس كورونا، وليس بحاجة لإجراء إشاعات أو مسحات للتأكد من الإصابة من عدمه، "لأن الأعراض خير دليل على وجود الفيروس داخل الجسم"، ولكنها طمأنتني بأن الفيروس ضعيف جدًا في الجسم، وخطورته الوحيدة في الانتشار، وبدأت في الحديث معي عن عدم التوتر والقلق، والابتعاد عن أي أخبار سيئة لعدم تدهور حالتي النفسية، ولابد من العزلة منفردًا حتى لا أصيب أحد، وطلبت مني أن أرسل لها عبر "الواتس اب" صور العقاقير التي أتناولها، وبعد رويتها أكدت على الاستمرار في تناولها، مع الإهتمام بالتغذية وتناول السوائل الدافئة فهي نصف العلاج، ونصحتني بعدم النزول إلى المستشفيات، وأن أعالج في المنزل لأن وضع المستشفيات لا يسمح نظرا لتكدس المئات من الحالات بداخلها وأن الأمر ما هو إلا ضبط مواعيد تناول العقاقير، والاهتمام بالحالة النفسية للمريض، وكانت تلك العقاقير عبارة عن مضاد حيوي، وخافض للحرارة، وفيتامينات، ومهدىء للسعال وغيرهم.

انتشلني التواصل الفوري من الدكتورة فاطمة معي من حالة الاستسلام التي كنت قد وصلت لها وبثت فيا الأمل بالتعافي السهل إذا ما التزمت بالتوجيهات الطبية، وكانت أضافت الدكتورة بعض العقاقير الجديدة لاتناولها مع السابق تناولها، ووجهتني بشراء جهاز بخار يسمى "نيوبليزر" لاستخدامه حال وجود ضيق التنفس فهو يساعد على توسيع الشعب الهوائية، وتسهيل عملية التنفس وإزالة المعوقات فيها.

ما حمسني في التواصل مع الزملاء والأصدقاء، لطلب منهم البحث عن الجهاز لأنه لم يكن متوفر في العديد من الصيدليات وتم سحبه من كافة الصيدليات من قبل المواطنين بسبب الأزمة التي نمر بها، إلى أن وجده الزميل والصديق أحمد المريخي الذي بذل مجهود كبير يشكر عليه في البحث عنه في منطقته بشبرا، وارسل لي عبر الواتس أب صور الأجهزة التي وجدها في منطقته والبدائل، وعاود الاتصال بي للتأكد إذا كان هذا الجهاز المطلوب أم لا، وإذا كان هو سيتم إرساله لي صباح، نظرًا لأن الوقت قد تأخر كثيرًا وأصبحنا في الثانية من صباح يوم الأربعاء، وكما أنه كان دائم التواصل معي للإطمئان بشكل يومي.
وبعدها أتصل بي الزميل أحمد صبري، وأخبرني أنه حصل على الجهاز وسيكون عندي في الصباح.

وخلال تلك الفترة التي استغرق قرابة الـ 12 ساعة للوصول إلى الجهاز كان ضيق النفس يزداد بشكل دائم وحاد، وكنت أتلوء من الألم، وعدم القدرة على أن أصلب طولي، خاصة مع فقداني للشهية وعدم قدرتي على تناول أي طعام أو شراب، وكنت أشعر بحالة من الانهيار أوصلتني لمرات عديدة للبكاء والدعاء إلى الله بأن ينقذني من تلك الألام سواء بالموت أو الراحلة، وفي ذات الوقت كانت الدكتورة فاطمة والتي اعتبرتها ملاك رحمة أرسله الله لي في أضيق الظروف بجانبي باستمرار للإطمئنان عليا من خلال التواصل عبر الهاتف، أو الواتس أب، وكانت تتواصل معي في الليل قبل النهار.

الدكتورة فاطمة إبراهيم، أول سيدة تتولى منصب مدير عزل على مستوى الجمهورية في بداية جائحة كورونا، وكان ذلك في مستشفى عزل المدينة الجامعية بحلوان، وبعدما حققت نجاحات هناك، تم انتدابها إلى منصب مدير مناوب في مستشفى عزل العجوزة، وحاليًا مساعد مدير مستشفى عزل القاهرة الفاطمية.