رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا تنفى ما أكده رئيسها!


مرة جديدة، يؤكد الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، أن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، كان موفقًا جدًا حين وصفه بأنه أحمق. كما أثبت، مجددًا، أن وزراءه وكبار مسئوليه على قلب أحمق واحد. وبالمرة، قام أردوغان وغلمانه بردّ الاعتبار لأبى الطيب المتنبى، الذى اكتشف، منذ زمن بعيد، أن الحماقة داء لا دواء له، وأنها أعيت مَن يداويها.
تركيا، عبر المتحدث الرسمى باسم خارجيتها، أبدت انزعاجها الشديد من تصريحات لوزير خارجيتنا، سامح شكرى، حذر فيها من خطورة الدور الذى تلعبه فى ليبيا. ونقلت وكالة أنباء «الأناضول»، السبت، عن ذلك الغلام أن بلاده ترفض ما وصفها بـ«الاتهامات المصرية» وتنفى صحتها. مع أن العالم كله يعرف أن نظام أردوغان أرسل، ولا يزال، قوات تركية ومرتزقة وإرهابيين إلى ليبيا. ومن لم يكن يعرف، أو لديه شك، صار يعرف وتحول شكه إلى يقين بعد اعترافات الرئيس التركى المتكررة.
كان وزير خارجيتنا، كما أشرنا أمس، قد أوضح الرؤية المصرية بشأن المقاتلين الأجانب فى ليبيا، سوريا والعراق، خلال اجتماع وزارى عقدته المجموعة المصغرة للتحالف الدولى لمكافحة «داعش»، الخميس، وأكد أن ما حققه التحالف يهدده قيام تركيا بتجنيد وتدريب ونقل الآلاف من المقاتلين إلى ليبيا، فى انتهاك واضح للقانون الدولى وقرارات مجلس الأمن والأهداف التى يسعى التحالف إلى تحقيقها، ما يفرض على التحالف إلزام تركيا بالعدول عن هذه الممارسات، ويفرض أيضًا على لجان العقوبات التابعة لمجلس الأمن الاضطلاع بمسئولياتها.
من محاسن الصدف أن الرئيس التركى اعترف وتفاخر، فى اليوم نفسه، بأن «العسكريين الأتراك يسيطرون فى ليبيا». وبمزيد من التوضيح قال: «جنودنا وأشقاؤهم الليبيون باتوا يسيرون مؤخرًا نحو تحقيق الخطط المستهدفة». كما وجه الشكر، الجمعة، للقوات التركية على قيادتها للمعارك فى ليبيا. وبالمثل، قام مقاتلو الميليشيات الإرهابية الليبية، فى مقطع فيديو، بتوجيه الشكر لقادتهم ولتركيا ورئيسها، على دورهم الذى أسهم، حسب قولهم، فى تغيير موازين القوى على الأرض.
الاعتراف، كما هو معروف، سيد الأدلة. لكن يبدو أن الخارجية التركية لا تعترف باعترافات رئيسها. وربما تراه، كما رآه الرئيس الأمريكى مجرد أحمق، لا يؤاخذ على ما يقوله، أو «ما يتاخدش على كلامه»، ولا نجد تفسيرًا غير ذلك، لانزعاجها من تصريحات وزير خارجيتنا، خاصة، بعد اعترافات الرئيس التركى المتكررة. ولو عدت، مثلًا، إلى مؤتمر صحفى عقده فى ١٩ مايو الماضى، ستجده يقر بسقوط جنود أتراك فى طرابلس، ويزعم أن العناصر السورية الموجودة إلى جانب القوات التركية، فى العاصمة الليبية، ترى أن تواجدها هناك شرف لها.
قبل أسبوع تقريبًا من هذا الإقرار أو الاعتراف، وبناء على المشاورات المُسبقة والتنسيق الدورى بين مصر وقبرص واليونان إلى جانب فرنسا، فى إطار صيغة «٣ + ١»، عقد وزراء خارجية تلك الدول اجتماعًا عن بُعد، فى ١١ مايو الماضى، لمناقشة آخر التطورات المُثيرة للقلق فى شرق البحر المتوسط. وفى بيان مشترك، أدان الوزراء بشدة التدخل العسكرى التركى فى الأزمة الليبية، وطالبوا تركيا باحترام القرار الأممى والتوقف عن إرسال السلاح والمرتزقة إلى ليبيا.
الثابت، هو أن تركيا وقطر وأطرافًا أخرى لم تتوقف عن إرسال المرتزقة ودعم الإرهابيين فى ليبيا، منذ ٢٠١١. وما تغير، فى ٢٠١٩ ثم فى ٢٠٢٠، فقط هو أن ذلك صار علنيًا أو على المكشوف أمام أنظار ما يوصف بالمجتمع الدولى، وصار أحمق تركيا أو الرئيس التركى، يقر به فى تصريحات رسمية. ولو أردت دليلًا، بالصوت والصورة، ادخل على يوتيوب، وابحث عن فيلم وثائقى عنوانه «أردوغان.. كابوس ليبيا»، عرضته قناة «سكاى نيوز عربية»، فى ٢٠ مايو الماضى، وستجد فيه شهادات واعترافات لمرتزقة سوريين أرسلتهم تركيا.
عن معاناة هؤلاء المرتزقة، كتب راؤول ريدوندو، فى جريدة «أوكى دياريو» الإسبانية، وذكرت جريدة The Arab Weekly أن عدم التزام أنقرة بدفع الأجور المتفق عليها دفع عناصر الميليشيات السورية الموالية لتركيا إلى التمرد والهجرة إلى أوروبا بطريقة غير شرعية. وأشار المرصد السورى لحقوق الإنسان إلى أن المخابرات التركية ضغطت على قادة بعض الميليشيات لتوفير عدد أكبر من المقاتلين، بعد امتناع أخرى بسبب تأخر الأجور، كما اعترف بعض المرتزقة، لموقع «ذا إنفستجيتف جورنال» البريطانى، بأنهم اضطروا إلى السطو على منازل الليبيين ونهب ممتلكاتهم، لأن تركيا توقفت عن دفع أجورهم».
ساعات وتنتهى المهلة التى حددها «إعلان القاهرة» لوقف إطلاق النار فى ليبيا، ومع أن دولًا عربية وأجنبية عديدة رحبت بالمبادرة المصرية، إلا أننا نتوقع أن تقوم تركيا، ومرتزقتها وميليشياتها الإرهابية، بالتصعيد، وأن تواصل انتهاكها للقرارات الأممية والأعراف الدولية، ما ينذر بحدوث العاصفة، التى قلنا، أمس، إنها لن تبقى أو تذر.