رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترامب أقلّهم عنصرية


مرتان، على الأقل، وصف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نفسه بأنه الأقل عنصرية. الأولى، منتصف يناير ٢٠١٨، حين نفى وصفه لدول إفريقية وهايتى والسلفادور بأنها «حثالة الدول». والثانية، بعد أن هاجم عددًا من نواب الكونجرس، أواخر يوليو الماضى، ورفض اتهامه بالعنصرية لمجرد أنه يخوض معارك ضد سياسيين لهم ميول يسارية أو من أصول إفريقية. ووقتها، قال للصحفيين: «أنا أقل شخص عنصرى يمكن أن تقابلوه».
الوصف صحيح نسبيًا، أو قياسًا بالرؤساء الأمريكيين السابقين، بمن فيهم ليندون جونسون، الذى أنهى التفرقة العنصرية، شكلًا، وأصدر قانونًا يضمن العدل والمساواة بين الأعراق والألوان والجنسين، على الورق، فقط على الورق، لأن التمييز العنصرى ظل مستمرًا، فى التوظيف، الإسكان، التعليم والإقراض، حتى بعد وصول أول أمريكى أسود إلى البيت الأبيض. وسبق أن أوضحنا كيف استمرت معاناة ذوى البشرة السمراء أو ذوى الأصول الإفريقية طوال فترتى حكم باراك أوباما، وكيف لم تتوقف الشرطة الأمريكية عن تعذيبهم أو قتلهم حتى نهاية سنة ٢٠١٦، السنة الأخيرة فى حكم الرئيس السابق الأسود!.
العنصرية فى طبعهم وليست مكتسبة، أو هى عادتهم ولم يشتروها منذ أقاموا دولتهم على جثث أكثر من ١٨ مليون هندى قتلوهم أو أبادوهم بطرق مختلفة، وصولًا إلى قيامهم، خلال السنوات الـ٢٠ الماضية، بقتل حوالى مليون ونصف المليون فى حروب خارجية. وبين هذا وذاك، رفض الرئيس وودرو ويلسون، مثلًا، خطة إعادة الإعمار، بعد الحرب العالمية الأولى، خوفًا من هيمنة ما وصفه بـ«العرق الجاهل والأدنى» على البلاد، كما عارض منح السود حق التصويت، بزعم أن ذلك سيشكل تهديدًا للمجتمع. وبأمر تنفيذى، أصدره الرئيس فرانكلين روزفلت، ودعمته الطبقة السياسية، تم نقل ١١٧ ألف أمريكى من أصول يابانية، خلال الحرب العالمية الثانية، من الساحل الغربى إلى معسكرات الاعتقال، بعد قيام الطائرات اليابانية بقصف ميناء بيرل هاربر.
الطريف، أن ولاية كاليفورنيا تستعد، هذه الأيام، أى فى عهد ترامب، للاعتذار عن الدور الذى لعبته فى تلك العملية، التى وصفتها بأنها أكبر عملية نقل قسرى رسمية فى تاريخ الولايات المتحدة. والأكثر طرافة، هو أن عهد ترامب، شهد أيضًا، نشر وثائق ومكالمات تليفونية فضحت دفاع دونالد ريجان عن التمييز العنصرى فى جنوب إفريقيا وروديسيا. بالإضافة إلى مكالمة شديدة الانحطاط، أجراها حين كان حاكمًا لولاية كاليفورنيا، مع ريتشارد نيكسون، الرئيس الأمريكى السابع والثلاثين.
الرئيس الأربعون للولايات المتحدة، كان ممثلًا، قبل أن يترك التمثيل فى السينما، وينتقل إلى التمثيل فى الواقع: من حاكم لولاية كاليفورنيا سنة ١٩٦٦، إلى دخوله البيت الأبيض وهو فى السبعين من عمره، بعد فوزه فى انتخابات ١٩٨٠، ليصبح أكبر الرؤساء الأمريكيين سنًا، إلى أن انتزع منه ترامب ذلك اللقب. ثم صار أول رئيس منذ عهد دوايت أيزنهاور، يتولى الرئاسة فترتين كاملتين، بعد أن فشل خمسة رؤساء فى تحقيق ذلك.
فى المكالمة التليفونية، التى جرت سنة ١٩٧١ وتم نشرها أوائل أغسطس الماضى، وصف ريجان أعضاء بعثة تنزانيا لدى الأمم المتحدة بأنهم قرود، تعليقًا على قيام البعثة بالرقص فى مقر الأمانة العامة، بعد رفض مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة للاعتراف بدولة «تايوان» عقب صدور القرار الأممى رقم ٢٧٥٨ لسنة ١٩٧١ الذى يقضى بأحقية «جمهورية الصين الشعبية» فى مقعد «جمهورية الصين» فى الجمعية العامة وفى مقعدها الدائم بمجلس الأمن.
جمهورية تنزانيا الاتحادية، التى تقع شرق وسط إفريقيا، كان يرأسها فى ذلك الوقت جوليوس نيريرى، الذى قام بتوحيد بلاده. وبالتالى، كان منطقيًا ألا يوافق على انفصال مدينة عن دولة صديقة، وأن تقوم بعثة تنزانيا بالتصويت ضد مشروع القرار الأمريكى. الأمر الذى أغضب الرئيس نيكسون وحاكم كاليفورنيا، ودفع الأخير إلى أن يقول فى مكالمة تليفونية مع الأول: «هؤلاء القرود الأفارقة، عليهم اللعنة. إنهم ما زالوا غير قادرين على ارتداء الأحذية».
نيكسون، الذى أضحكته هذه العنصرية أو هذا الانحطاط، كان أكثر عنصرية وانحطاطًا. وفى مكالمة تليفونية أخرى، أجراها فى اليوم التالى، وتم نشرها أيضًا، قال لوزير خارجيته وليام روجرز: «ريجان يقول إنه شاهد آكلى لحوم البشر فى التليفزيون أمس». ومع ذلك، يُقال إن إدارة نيكسون حاربت التمييز العنصرى!.
عنصرية ويلسون، روزفلت، نيكسون، ريجان، أوباما، أو ترامب هى القاعدة. بينما كان جون كينيدى هو الاستثناء، الذى يثبت أن كل رؤساء الولايات المتحدة، تقريبًا، عنصريون، باختلافات طفيفة يحتاج رصدها أو توضيحها إلى ٤ مقالات. بالضبط، كما احتاج الفيلسوف التشيكى الألمانى كارل كاوتسكى إلى ٤ صفحات، فى كتابه «من الديمقراطية إلى عبودية الدولة»، ليشرح كيف أن ركوب الحمار أكثر سهولة من ركوب الحصان!.