رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سارة خليف تكتب: إعلام اجتماعي ممنهج

سارة خليف
سارة خليف

فى عصرنا الحالي أصبحت منصات التواصل الإجتماعي أو ما بات يعرف اختصارًا بـ( الإعلام الإجتماعي )، أصبحت عاملًا مؤثرًا وأساسيًا في تغيير حياتنا، وباتت جزء من الثقافة اليومية ولا غنى عنها فى أغلب ممارساتنا، فعندما نرى الرقم ( 4،75 ) مليار مستخدم حول العالم - أي ما يقارب من ثلثي التعداد السكاني العالمي - نجد أن هذه المنصات جعلت العالم يُجسد المقولة الشهيرة بأنه أشبه بالقرية الصغيرة، فقد أدت منصات التواصل الإجتماعى إلى جعل العالم أسهل فى التواصل بأقل الإمكانيات، لا سيما بعد أن كسرت الحواجز الثقافية بل وألغتها، وأتاحت الفرصة للجميع بأن يعبر عما يجيش بخاطره من قضايا عامة أو خاصة، باختلاف الإستخدامات والتوجهات، وبخلاف دورها في التغيير والتأثير.

وبالرغم من الدور الإيجابي الذى أضافته تلك المنصات للمجالات العلمية والمهنية فى الأعوام الأخيرة، بالإضافة إلى القفزة النوعية فى المجال التجاري - كونها أصبحت أكبر المنصات التسويقيه فى العالم - إلا أن ذلك لن يخفى الدور الغير سامي الذي أتاحته هذه المظلة ويوفر السلطة لمستخدميه فى التأثير على عقول الناس وتغيير المجتمعات والسياسات، بل والتأثير على الشعوب لتكون أداة ضغط على حكوماتها، وإضعاف إيمانها بعقائدها ومبادئها وبأفكارها الوطنية والقومية.

ولعل أبرز الحروب الممنهجة وأرخصها مؤخرًا حرب الشائعات، أو ما عرفناها اصطلاحًا بإسم (حروب الجيل الرابع)، وبالرغم من أن مسرحها أو ساحاتها القتالية هو منصات التواصل الإجتماعي، وبالرغم من تكلفتها الرخيصة إلا أنها تعد من أهم وأخطر الحروب النفسية على الشعوب. بدأت تظهر لبناتها فى مصر تحديدًا فى أوائل 2013م، عندما بدأ يظهر للمصريين فشل الإخوان فى السلطة، كمحاولة منهم على إخفاء فشلهم عبر التبرير تارة، وعبر تعليق الشماعات على الآخرين.

أما أخطر ما أقدموا عليه ومازلوا مستمرين فيه هو دس السم فى العسل من خلال منصات التواصل الإجتماعي. فإشاعة واحدة تمس غرض سياسي أو عسكري، لها غاية وتعمل وفق رؤية علمية، مع اختيار زمانها وهدفها بعناية فائقة، قد تكون أخطر الحروب، كون أغلبنا متلقى لا باحث، فإشاعة ممنهجة بشكل سليم تضرب ركن من أركان الدولة كوزارة أو شخصية عسكرية، فلها الغلبة لأنها أرخص بكثير من ضرب صاروخ تأثيره التدميرى محدود، فالحروب التى تمس الفكر والنفسية في ظل غياب المعلومة تهدم أكثر وأسرع، وإذا كانت تلك هى خطورتها مع دولة مستقرة فكيف سيكون تأثيرها مع الدولة التى تحاول بناء نفسها، فما السبب الجوهري الذى يجعل فاعلية تلك الحروب تزداد يومًا بعد يوم دون التصدى لها بمنهجية؟

قبل أن أجتهد فى الإجابة على هذا السؤال يجب أن نلاحظ جيدًا شيئين، أولهما أن هناك كيانات كاملة بمتخصصين فى السوشيال ميديا يعملون ضد مصر بشكل ممنهج وغير عشوائي فى حرب الشائعات تحديدًا، والشىء الأخر هو التمويل اللازم لإتمام الإشاعة. فلا يخفى على أحد أن باستطاعة أي شخص إطلاق إشاعة وقتما أراد، وربما تذهب هذة الإشاعة إلى 100 شخص على الأكثر، لكن المتخصصين يعلمون متى تظهر المشكلة، وما الوقت المناسب والإستعداد لتقبل الشائعة، ثم يقومون بتحديد الشريحة المستهدفة بإحداثياتها، مع طريقة طرح الشائعة، والكلمات التأثيرية، وكذا العديد من الأدوات.

لكن هل يكفى هذا فقط لإنتشار الشائعة؟ بالطبع لا، فسرعة إنتشارها يرجع لسرعة تمويلها إذا لاقت القبول، والقدر الذي ستمول به طبقًا لتأثيرها ومدى أهميتها. لا سيما إختيار المنصة نفسها وظهور " الترند" له ثمن آخر وكبير، والحقيقة أن الإخوان لا يبخلون بالمال على كياناتهم المصنعة للإشاعات، بالإضافة إلى برامج السوشيال التى تمول ضد الدولة لجذب المزيد من الجمهور الذي لا يعلم. وكما قال محمد سعيد باشا ( أمة جاهلة أسلس قيادة من أمة متعلمة) والجهل الأن هو جهل آلية منصات التواصل الاجتماعي.

فهل هناك حلول؟ نعم، وتحدث عن أغلبها الكثير من المتخصصين، كرصد الشائعات وكشفها للجماهير والرد عليها، وعمل تقارير صحفية دورية لتكذيبها وتوضيح حقيقتها، بخلاف فرض عقوبات على مروجيها، ولكن برأيي المتواضع كل هذا لا يثمر ولن يغنى من جوع، فلا يفل الحديد إلا الحديد، فنحن فى أشد الإحتياج لكيانات بمتخصصين تابعة للدولة، تسير وفق خطة عمل ممنهجة، مهمتها ضرب الكيانات المعادية للدولة بنفس السلاح، فيجب أن نشتبك معهم فى ساحة قتال حروب الجيل الرابع المشنة على الدولة، للأسف الإعلام المرئي يحتضر وثبت جليًا أنه لن يستطيع الوصول لجميع الشرائح المستهدفة، وبالتالي لن يسعف الدولة ويعينها على كسب المعركة، لذا يجب أن يتم تأسيس قنوات بديلة على اليوتيوب وغيرها من المواقع المماثلة، وتكون أكثر مرونة للشرائح المراد إستهدافها، فالوعى وحده لن يكفى دون أسلحة، وخصوصًا أن الحرب قائمة، ولن يتم ذلك أيضا إلا بميزانية مخصصة من الدولة، لأن سياسة المواجهة العسكرية وحدها أصبحت لا تكفى، خاصة بعدما نضع فى اعتبارنا أن لدينا ما يقارب 55 مليون مستخدم للانترنت من على الكمبيوتر، و92 مليون مستخدم من الموبايل.

وهنا نسأل: لماذا لم تخطو دولة كمصر خطوات إيجابية فى هذا الحقل، وأن تستقطب بعض المئات من الشباب المتخصصين من ضمن الـ 52 مليون مستخدم ليكونوا مجندين في جيش حرب الشائعات، مع مراعاة أن يكون الرد الموجه لمروج الشائعة من مرتبة أقل من مرتبتة، لكي لا نعطيه حجما أعلى من واقعه ولكي لا نجعل صانع الإشاعة رمزا بل أقل مقام وشأن في المجتمع.