رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادات وحافظ الأسد


علاقة الرئيس السادات بالرئيس الأسد علاقة غريبة. فيها نقط اتفاق، وفيها أيضًا نقاط خلاف، وسنحاول أن نوضح أبعاد تلك العلاقة التي وحدت بين شعبين ثم فرقت بينهما الظروف والملابسات الدولية، فضلًا عن إرادة حكامها. 

كانَ اللقاءُ الأولُ بينَ الرجلينِ أثناءَ الوحدةِ السوريةِ المصريةِ التي لمْ تعشْ طويلاً في أواخرِ الخمسينياتِ منْ القرنِ الماضي. فى سبتمبرَ 1961. ربما جمعهما لقاء عابر، فقد كان كل منهما ما زال يختفي خلف مستويات القيادة. ولم يكن أي منهما قادرًا على صنع القرار. 

كان عام 1970 حاسمًا في تاريخ الرجلين. ففى 28 سبتمبر توفي الرئيس جمال عبدالناصر، وكان السادات نائبًا له، فآلت إليه السلطة، بعد أن نازعه فيها كهنة عبدالناصر، ولكنه نجح في الإيقاع بهم. وفي نوفمبرَ1970 في الوقتِ الذي كانَ فيه الأسدِ يقودُ حركتهُ التصحيحيةَ التي وضعته على رأس السلطة في سوريا.

في نفس التوقيت كان الرئيس الأسد، قد بدأ العمل لإصلاحِ الأوضاعِ السياسيةِ في سوريا وتوطيدِ سلطتهِ. ولكنْ كانَ يشعرُ أنهُ يتعرضُ للتهميشِ، بتوحيدِ الأحزابِ الرئيسيةِ في الجبهةِ الوطنيةِ التقدميةِ، كما تمَ وضع دستور جديد للبلادِ. وكانت سوريا تحتفلُ كلَ عامٍ بذكرى الحركةِ التصحيحيةِ ويتمُ الإعلانُ بمناسبتها عنْ بعضِ المشاريعِ ووضع أحجارُ أساسِ مشاريعِ أخرى.
وهوَ نفسِ ما مرَ بالرئيسِ الساداتْ، فهوَ جاءَ إلى السلطةِ لأنهُ كانَ نائبًا للرئيسِ جمالْ عبدِالناصرْ، ولما ماتَ جمالْ عبدِالناصرْ أصبحَ الساداتْ رئيسًا للبلادِ، ولكنَ هذا لمْ يعجبْ أنصارُ عبدِالناصرْ الذينَ كانوا يتطلعونَ للسلطةِ، فحاولوا تهميشَ الساداتْ. فقامَ في 15 مايو 1971  بثورةٍ أسماها ثورةَ التصحيحِ، واعتقلَ كلُ المعارضينَ لهُ. وانفردَ بالحكمِ. وكانَ يحتفلُ كلُ عامٍ في 15 مايو بثورةِ التصحيحِ.

جاءتْ الأقدارُ بالرجلينِ، كلُ منهما على رأسِ شعبهِ، في ظروفٍ تكاد تكونُ متشابهةً. منْ حيثُ أنَ كلَ منهما بلادهُ محتلةً، والاتحادُ السوفيتي يرعى الدولتينِ سياسيًا، ويمدهما بالسلاحِ. غيرَ أنَ الساداتْ كانَ يعاني منْ شحِ وبلادةِ وبرود السوفييتِ في توريدِ السلاحِ، كانَ الرجلُ يريدُ تحريرَ بلادهِ، والسوفييتُ لا يريدونَ التورطُ، وربما كانَ لديهمْ دافعَ لعدمِ توريدِ المعداتِ الحديثةِ، هو ما حدثَ منْ قيامِ إسرائيلَ بفكِ محطةِ رادارٍ في منطقةِ الزعفرانة يومَ 26 ديسمبر 1969 أثناءَ مرحلةِ حربِ الاستنزافِ. ربما كانَ الشحُ فى توريدِ الأسلحةِ، راجع لقلقهمْ منْ تسربِ تلكَ الأسلحةِ إلى عدوهمْ التقليديِ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةَ. معَ أنَ الروسَ كانوا يضعونَ إمكانياتٌ أكبرُ وأكثرُ تطورًا، في أيدي السوريينَ، فلمَ يسمعُ السوفييت من السوريين أيُ شكوى منْ شحِ توريدِ أسلحةٍ.
لأجل هذا اتفق الرجلان على العمل معًا. لاسترداد الأراضي العربية المحتلة بالقوة .
كانَ لديَ السوفييتَ قلقٌ تلقائيٌ منْ الرئيسْ الساداتْ عقبَ وفاةِ جمالْ عبدِالناصرْ، فهمْ يعرفونَ اتجاهاتُ الساداتْ اليمينيةَ منذُ أنْ كانَ أولَ أمينٍ عامٍ للمؤتمرِ الإسلامى المنبثقِ عنْ منظمةِ الشعوبِ الإسلاميةِ الذي تكونُ عامَ 1955 م، وقدْ خصصَ المؤتمرُ بعثاتٍ للدراسةِ في الجامعاتِ المصريةِ للمسلمينَ منْ سائرِ أنحاءِ العالمِ، كما أوفدَ بعضُ العلماءِ المسلمينَ إلى الخارجِ، وقدْ أنشأَ هذا المؤتمرِ عددًا منْ المراكزِ الإسلاميةِ في مختلفِ أنحاءِ العالمِ، أبرزها مقرُ مقديشيو بالصومالِ، كما عقدَ عدةَ اجتماعاتٍ للعلماءِ المسلمينَ أبرزها مؤتمرُ القاهرةِ 1966 م .
  ،
وهناكَ واقعةٌ أخرى أدتْ لمزيدٍ منْ قلقِ السوفييتِ منْ الساداتْ، فقدْ حدثَ أنْ زارَ عبدالناصرْ موسكو في أواخرَ ينايرَ 1970 م، وكانتْ زيارةُ سريةٍ، وعندما تعثرتْ المفاوضاتُ فإنَ عبدَالناصرْ هددَ القادةُ السوفييتُ بقولهِ إنَ أجواءَ مصرَ أصبحتْ مفتوحةً أمامَ إسرائيلَ تضربنا كما تشاءُ، اعتمادًا على عدمِ قدرتنا على المواجهةِ، فإذا استمرَ الوضعُ بهذا الشكلِ فإنَ عبدَالناصرْ ليسَ بالرجلِ الذي يستسلمُ أبدا، ولذا فإنني سأتنحى عنْ الحكمِ، لكيْ يأتيَ منْ بعدي منْ يستطيعُ أنْ يتفاهمَ معَ الولاياتِ المتحدةِ، ويقولَ مرادْ غالبْ سفيرِ مصرَ في موسكو في ذلكَ الوقتِ، عندما سمعنا هذا الكلامِ بقرارٍ تعيينَ الساداتْ نائبًا لرئيسِ الجمهوريةِ، فإنَ الأمرَ لا يحتاجُ إلى تعليقٍ . ظن الروس أن السادات من كان يقصده الرئيس جمال عبدالناصر لإمكانية التفاهم مع أمريكا.