رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جوْعَى المسلمين أم البريطانيين؟!



بعض الإسلاميين فى بريطانيا تطبعوا بطباع جرّاحيها، وصاروا أكثر برودًا منهم. ومن هؤلاء، مثلًا، ساجد محمود، الرئيس التنفيذى لمؤسسة «تشاريتى رايت» الخيرية، الذى كتب مقالًا ظريفًا فى جريدة «آى» أشار فيه إلى أن شهر رمضان كان يوفر رعاية غير رسمية لملايين المسلمين، ويضمن لهم وجبة أو اثنتين يوميًا فى المساجد، ثم زعم أن الحال اختلف هذا العام بسبب قيام السلطات فى أنحاء مختلفة من العالم بإغلاق المساجد لمنع تفشى فيروس «كورونا المستجد».
الأستاذ «أو الشيخ» ساجد وصف المساجد بأنها «بنك طعام عالمى» كان يفتح أبوابه لمدة شهر، وحذّر من تكلفة إغلاقها التى قال إنها ستكون باهظة. وعليه، طالب الدول الغنية بدعم المنظمات غير الحكومية «التى يمكنها وقف تحول وباء عالمى إلى كارثة إنسانية». وقبل أن تشكك فى أنه يقوم بالدعاية لمؤسسته، قطع الرجل الشك باليقين وأوضح أنه فى شهر رمضان سيختار الملايين فى الدول التى يعى ما يدور فيها بحكم عمله، «مثل بنجلاديش وباكستان والسودان، أن يجوعوا فى رمضان، لكن هذا الجوع يجب أن ينتهى عندما تغرب الشمس ويفطرون».
المقال، إذن، أقرب إلى إعلان يطالب فيه المذكور بالتبرع لمسلمى بنجلاديش، باكستان، والسودان. وما يجعلك تعتقد أن الأستاذ «أو الشيخ» ساجد «عنده برود أعصاب اسم الله ولا جراح بريطانى»، هو أن هناك حملات عديدة لمواجهة الجوع فى بريطانيا، بينها تلك التى أطلقتها جريدتا «الإندبندنت أونلاين» و«إيفيننج ستاندرد»، وتهدف إلى دعم مشروع «فيليكس بروجكت» الذى يقوم بتوزيع فوائض الطعام على الفقراء، ويوفر حاليًا ١٠٠ ألف وجبة يوميًا لمراكز اجتماعية تديرها السلطات المحلية والجمعيات الخيرية فى العاصمة لندن، وفقًا لما ذكرته «الإندبندنت»، التى نقلت عن إمام مسجد اسمه محمد محمود أنه مع بداية رمضان «تأثر بشكل خاص بالروح الطيبة» التى أظهرها البريطانيون تجاه بعضهم بعضًا. وناشد الجميع بأن يدعموا مشروع «توفير الغذاء للندن» أو أى مشروعات أخرى مماثلة.
حملات مساعدة الفقراء أو مواجهة الجوع فى بريطانيا لم تظهر خلال فترة تفشى وباء «كورونا المستجد»، بل منذ سنوات، وتزايدت بعد الأزمة الاقتصادية التى أثرت بشكل سلبى على الشركات وسوق العمل، وأيضًا على أنظمة الضمان الاجتماعى، التى تقلصت ميزانيتها تدريجيًا، ودفعت البريطانيات إلى العمل فى «الدعارة» من أجل تغطية احتياجاتهن. ومع تفشى الوباء، وبسبب تبعات الطلاق البريطانى- الأوروبى، تزايدت الأوضاع سوءًا على مختلف النواحى: السياسية، العسكرية، المخابراتية، الاقتصادية، القانونية، الاجتماعية، والبيئية، وغيرها.‏
فى ٢٠١٧، قالت أرقام منظمة اليونيسف إن ١٩٪ من الأطفال البريطانيين، تحت ١٥ سنة، يعيشون فى عائلات تكافح من أجل توفير الطعام. وكنا قد توقفنا، فى مقال سابق، عند تقرير صادم نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، BBC، فى ١٩ نوفمبر ٢٠١٨، قال إن بعض النساء فى بريطانيا اضطررن إلى العمل فى «الدعارة» بسبب غياب كفاءة نظام الضمان الاجتماعى. ونقل التقرير عن سيدة بريطانية اسمها «جولى» أنها اضطرت إلى قبول عرض لممارسة الجنس مقابل ٣٠ جنيهًا إسترلينيًا. وفى التقرير نفسه، نقلت BBC عن كارى ميتشل، من «تجمع بائعات الهوى»، أنها سمعت عن نساء لجأن للدعارة نتيجة تأخر وصول المساعدات المالية، وأوضحت أن معظم العاملات فى الدعارة أمهات يربين أطفالهن بمفردهن.
خمس مؤسسات خيرية، أكدت أن عددًا متزايدًا من النساء اللاتى يعتمدن على نظام الضمان الاجتماعى اضطررن لذلك. وأكدت أنجيلا ميرفى، المسئولة فى منظمة خيرية مهتمة بشئون النساء، أن «هذا وضع مألوف» وأن «بعض النساء يعتقدن أن الحل السريع يكون بممارسة الجنس للحصول على نقود، لكنهن يتورطن على المدى البعيد». والطريف، أن النائب فرانك فيلد حين أثار الموضوع فى مجلس العموم (البرلمان) البريطانى، ردت عليه وزيرة العمل بقولها: «يستطيع النائب أن يخبر السيدات بأن هناك ٨٣٠ ألف فرصة عمل متاحة للراغبين»، غير أن ذلك، لم يمنع عددًا من النواب، من المطالبة، بداية العام الماضى، باستحداث وزارة لـ«الجوع»، يكون هدفها مواجهة مشكلة انعدام «الأمن الغذائى» لدى البريطانيين!
غير جوع الصغار، واضطرار الكبار للعمل فى الدعارة، فإن الأموال الكثيرة التى جمعها الإسلاميون الجالسون على الحجر البريطانى، أو الذين تستعملهم المخابرات البريطانية، لن تنفعهم لو أصيبوا بفيروس «كورونا المستجد»، الذى لم يكشف تفشيه عن هشاشة النظام الصحى البريطانى فحسب، بل أظهر أيضًا وجود عدم مساواة أو عنصرية فى الرعاية الصحية، بشكل قاتل، قاتل فعلًا، لا مجازًا. ولو لم تكن المنظمات الحقوقية البريطانية والدولية موضوعةً تحت السيطرة، أو عينها مكسورة، لتوقفت طويلًا، أو قليلًا، عند لغز ارتفاع عدد المصابين والمتوفين بين الأقليات العرقية فى بريطانيا بدرجة أكبر من غيرهم.