رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألمانيا هزمت الوباء.. دعائيًا!



جوزيف جوبلز، وزير دعاية أدولف هتلر وألمانيا النازية، هو القائل: «اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس». وغالبًا بالغ أحفاده فى الكذب حتى صدّقوا أنفسهم، وخرج ينس شبان، وزير الصحة الألمانى، ليعلن، يوم الجمعة، أن فيروس كورونا المستجد بات «تحت السيطرة»، وأن بلاده صار بإمكانها إدارته والتحكم فيه!.
لم يصمد هذا الادعاء، أكثر من ٢٤ ساعة. ففى ذلك اليوم، يوم الجمعة، كانت بيانات جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تقول إن عدد الإصابات فى ألمانيا بلغ ١٣٨ ألفًا و٤٩٧، مع ٤ آلاف و١٩٣ حالة وفاة. وفى اليوم التالى، أمس السبت، قفز عدد الإصابات إلى ١٤١ ألفًا و٣٩٧، ووصل عدد الوفيات إلى ٤ آلاف و٣٥٢ حالة.
شواهد كثيرة أكدت أن «جوبلز» له أحفاد كثيرون يديرون الآن غالبية وسائل الإعلام الألمانية، ويلعبون فى عقول عدد من الوزراء. وكنا قد توقفنا فى مقال سابق عند نجاحهم فى استغلال الوباء لإيهام كثيرين بأن بلادهم، على خلاف ما تقوله الأرقام، حققت إنجازًا استثنائيًا، ولتصفية حسابات قديمة، أو قائمة، مع دول عديدة. كما أوضحنا كيف دفعهم خوفهم من الأيادى الإسرائيلية الثقيلة إلى أن يكونوا أكثر انحيازًا لإسرائيل من «مجلس الأمن القومى» الإسرائيلى!.
على سبيل الدعاية، أيضًا، اتهم عدد من الوزراء الرئيس الأمريكى، منتصف مارس الماضى، بمحاولة «السطو» على مشروع لقاح مضاد للفيروس تعمل على تطويره شركة كيروفاك، CureVac، الألمانية للتكنولوجيا الحيوية. وتباعًا، أعلن وزير الداخلية أن هناك عرضًا من الرئيس الأمريكى بهذا الشأن، وقال وزير الاقتصاد إن «ألمانيا ليست للبيع»، ثم هدد وزير الخارجية بأن بلاده لن تسمح بشراء أبحاث حصرية ألمانية حول اللقاح. ثم كانت المفاجأة أن الشركة نفسها نفت هذا الاتهام بشكل قاطع، وأكدت، فى تغريدة على تويتر، أنها لم تتلق أى عرض من حكومة الولايات المتحدة أو أى أطراف ذات صلة، كما نفت كل الشائعات التى تحدثت عن وجود محاولات للاستحواذ عليها أو شرائها.
جوبلز كان عبقريًا، وربما نحتفى به وبعبقريته وبمرور ٧٥ سنة على انتحاره فى ١ مايو المقبل. أما أحفاده فبلغت سذاجتهم ووقاحتهم حد استخدام وزراء فى لعبة دعائية ساذجة كهذه. وفيهم مَن مزجوا السذاجة والوقاحة باللعب القذر، كهؤلاء الذين يديرون إذاعة صوت ألمانيا، «دويتشه فيله»، التى زعم موقعها العربى فى تقرير أنه «بتمدد رقعة انتشار فيروس كورونا فى مصر وارتفاع أعداد المصابين والوفيات، زادت مخاوف الناس، واتسعت معها ظاهرة الوصم المجتمعى و.... إلخ». كما انتهى تقرير مصور بالإشارة إلى وجود «سحب فوق سماء القاهرة، فيما يعانى المواطنون من انتهاكات حقوق الإنسان وأزمة تفشى كورونا».
يمكن أن نتفهم اهتمامها بإغلاق منشأة طبية بمدينة بنى سويف، بدرجة أكبر من اهتمامها باضطرار الأطقم الطبية فى بريطانيا إلى ارتداء أكياس النفايات، واستعمال أدوات وقاية منتهية الصلاحية. لكن ما لا يمكن استيعابه هو تجاهل هؤلاء لحقيقة أن أرواح الألمان التى حصدها الفيروس فى ألمانيا، أكثر بكثير من إجمالى عدد المصابين فى مصر. هذا لو تجاهلنا الشكوك المنطقية بشأن تلاعب الحكومة الألمانية فى أعداد المتوفين.
فى دعايتهم السوداء، لم يستخدم أحفاد جوبلز وسائل الإعلام التى يسيطرون عليها فقط، بل استخدموا أيضًا معهد روبرت كوخ، الذى حذر من خطورة تفشى الوباء فى مصر، قبل أن يصل عدد الإصابات فيها إلى ٣٠٠ حالة، ووضعها فى قائمة الدول الأكثر خطورة، دون أن يذكر سببًا يفسر أو يبرر ذلك.
هذا المعهد، معهد «روبرت كوخ» يرتبط مباشرة بوزارة الصحة، ويختص بمراقبة الأمراض الوبائية والمعدية والخروج بتوصيات لمكافحتها. وكان، أيضًا، أداة فى يد جوبلز، ووضع كل إمكانياته وخبراته فى خدمة النازيين، كما كان رئيسه، فى تلك الفترة، ومديرو كل الأقسام فيه أعضاء فاعلين فى الحزب النازى. وتكفى الإشارة مثلًا إلى أنه استخدم سجناء ومعتقلين، داخل المعسكرات النازية، كفئران تجارب، وقتل الآلاف فى معسكر «داخاو» لكى يجرب عليهم لقاحًا للملاريا. كما أجرى المعهد، بالتعاون مع قوات الأمن الخاصة، «إس إس»، تجارب على مرضى المصحات العقلية. وبحسب دراسة، منشورة سنة ٢٠٠٨، عن دور ذلك المركز فى ظل النازية، فإنه لم يتم العثور على شخص واحد داخل المركز عارض إجراء تلك التجارب.
ربما لأن زبائنهم أكثر سذاجة، نجح أحفاد جوبلز فى الترويج لأكذوبة سيطرة بلادهم على الوباء. بينما لن تجد من يتحدث، مثلًا، عن نجاحات الهند، التى تقل فيها أعداد الإصابات والوفيات عن ١٠٪ من نظيرتها فى ألمانيا، مع أنها سابع أكبر دول فى العالم من حيث المساحة، ويسكنها نحو ١٨ ضعف عدد الألمان.