رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيلسوف الوجودية ينكر حق الفلسطينيين في الوجود

دكتور حاتم الجوهري
دكتور حاتم الجوهري

رغم ما عرف عنه من مساندته لحركات التحرر الوطنية٬ حتي أنه كان قد اصطحب زوجته "سيمون دي بوفوار"إلي كوبا 1960 وهناك قابلا جيفارا وكاسترو عقب عام واحد من قيام الثورة الكوبية٬ ورغم جنسيته الفرنسية إلا أن "جان بول سارتر" انحاز لقضية الشعب الجزائري وحقه في الإستقلال ورحيل المستعمر الفرنسي عن أراضيه. لكن المفارقة الغامضة تأتي من انحيازه الشديد للصهيونية وتبريره لعدوان 1967 حيث أعلن أثناء زيارته إلى تل أبيب قائلا: إن‮ ‬إسرائيل‮ لها الحق في‮ الوجود ويجب أن تَبقى قائمة‮. لقد ساند سارتر إسرائيل في‮ حرب ‮3791 بشكل مطلق،‮ فمنحته جامعة أورشليم الدكتوراه الفخرية‮.

في زيارته لمصر خلال مارس 1967 والتي إستمرت لسبعة عشر يوما٬ والتي مازال المثقفين المصريين يعتبرونها تاريخية وينشرون صورها الأبيض وأسود من حين إلي آخر علي مواقع التواصل الإجتماعي٬ كان سارتر حديث الساعة في الأوساط الثقافية حينها. هؤلاء المثقفون أنفسهم الذين إحتفوا بسارتر أغفلو وتفادوا طوال سبعين عاما نقل مؤلفه '‬تأملات في‮ المسألة اليهودية‮‮" الصادر في عام 4491 إلي العربية٬ وظل هكذا لمدة سبعين عام حتي ترجمه مؤخرا الباحث الدكتور حاتم الجوهري٬ وصدر عن دار روافد للنشر والتوزيع ٬ ونال عنه جائزة الدولة التشجيعية للعام 2017.

وعن تأخر ترجمة الكتاب طوال هذه الفترة٬ وهل تصنف في خانة "المواءمات"٬ يقول الجوهري:"نعم الأمر يصب في فكرة الموائمات وأزمة اختيارات النخب العربية المتناقضة للغاية؛ كل تيار فكري لديه اختياراته الخاصة وتصوره الذي يرفض سواه، وهذه الأزمة حاضرة الآن: الماركسيون العرب يرفضون نسقا لا يستحضر معركة مع الإخوان تعيد إنتاج صراع العلمانية والدين، والناصريون القوميون يرفضون نسقا لا يصلح الأنظمة القائمة ويستأنف ما انقطع منذ نهاية الستينيات، والليبراليون العرب يتفهمون دورهم جيدا ولا يسعون لنسق إلا وسوي الدفاع عن مصالحهم المادية في كل العصور والأنظمة، والإخوان يريدون نسقا مقدسا يعلن حربا ضد الجميع الكفار، والحل لابد سيكون من خارج هؤلاء.

يذهب الباحث إلي أن سارتر وظف فلسفته لصالح تأكيد أوهام صهيونية، بذَرِيعة الاضطهاد الذي لاقاه اليهود فى تاريخ العالم. وقد تناسى أن الذين اضطهدوا اليهود هم أنفسهم الدول الأوربية التي استعمرت الشعوب العربية واغتصبت أراضيها وثرواتها، وأن التخلص من عقدة الذنب الأوربي تجاه اليهود ليس حله أن يمكنوهم من الأراضي العربية تحت حجج واهية وأساطير لاهوتية مزيفة، وإنما بأن يعتذروا لهم عن تلك المحارق المزعومة وأن يعوضوهم بالأموال والاستقرار وعدم الاحتقار عن المهانة التي لحقت بهم ولم يكن للعرب فيها ذنب لا من قريب ولا من بعيد! أما أن يعتبر أن اغتصاب الأرض الفلسطينية والعنف الذي مارسه الصهاينة مع أصحاب الأرض الأصليين هو وسيلة للتحرر وخلق الذات اليهودية، فهذا هو مكمن التناقض الشديد.

من أهم أسس سارتر فى مقاربته لوجود دولة إسرائيل فى فلسفته "الصهيونية الوجودية"، هو التعامل مع المشكلة كواقع موجود بالفعل وأمرا مسلما به، بغض النظر عن تاريخه، مع تهميش أو إنكار ما نتج عنه من مشاكل تخص وجود الشعب الفلسطينى الذى قام سارتر باضطهاده ونفيه ومصادرة حريته الوجودية؛ مساويا بين المعتدى والمعتدى عليه، حيث يرى سارتر النزاع العربي-الإسرائيلي صراعا بين مضطهدين يصعب حله، إذ يستوجب –حسب رأيه- التسليم بحقيقتين متضادتين: فمن ناحية لابد من كيان وطني لضحايا اللاسامية القدامي، ومن ناحية أخرى، لابد من تمكين الفلسطينيين من حقهم في الرجوع إلي الوطن الأم، وفى سعيه لدعم حرية اليهودى صاحب الصورة النمطية فى أوربا، يرى سارتر أن وجود الكيان الصهيوني في فلسطين معطى تاريخي لا يمكن الطعن فيه، وأن المشكل الذي ما زال معلقًا هو وجود اللاجئين الفلسطينيين، لا وجود الشعب الفلسطيني.

يذهب الباحث إلي أن سارتر كثيرا ما تحدث عن اللاجئ الفلسطيني فى الشتات وحقه، لكنه سكت طويلا عن الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال فى أرضه! تحدث عن الحقوق والأوضاع الإنسانية لكنه أبدا لم يرد فى ذهنه أن يتحدث عن الدولة! عن ذلك الكيان السياسي للفلسطينيين، ربما كان سارتر فى وعيه الباطن يعلم حتمية الصراع بين الكيانين، لذا اختار الانحياز لمنطقه الفلسفي المزعوم عن "الوجودية اليهودية" وتمثلها الصهيوني على ارض فلسطين! وحين كان يتحدث عن الفلسطينيين كان يتحدث بصيغة التعاطف، والأسى والمطالبة ببعض الحقوق الإنسانية، لكنه أبدا لم يتخذ موقفا واضحا من حق الفلسطينيين فى تكوين دولة، لأنها ببساطة كانت ستقف فى وجه تصوره المزعوم عن ممارسة اليهود لحقهم الوجودي فى الموقف الحر على أرض فلسطين وعلى حساب سكانها من العرب! فكان موقفه من الدولة الفلسطينية واضحا للجميع.

فى مقابل ذلك فيما يخص قضايا: معاداة السامية، اليهودية، والصهيونية وبصفة خاصة دولة إسرائيل، فلم يغير سارتر موقفه على الرغم من الضغوط التي مورست من جانب اليسار ليتخذ موقفا إيجابيا إزاء دولة فلسطينية، وحاول فى المقابل أن يلفت الانتباه الدعائي لاهتمامه باللاجئ الفلسطيني الذى حاول أن يختزل فيه حرية الوجود الفلسطيني لصالح التحقق الكامل لحرية اليهود وكأنهم مركز العالم ومحوره. لقد قفز فيلسوف الحرية والإنسانية الشهير على خطيئته فى حق الإنسان الفلسطينى الذى سلبه حريته الوجودية؛ معتبرا أن العلاقة بين الاحتلال الصهيونى والمقاومين الفلسطينيين هى علاقة متساوية بين طرفين مظلومين! تحمل – من وجهة نظره – المشترك الأبرز المتساوى المتمثل فى الظلم الذى وقع على الجانبين! فى مغالطة وفساد تدليل منهجى وعلمى وتاريخى.